طبيب يبتكر مصطلحاً جديداً لوصف الآلام التي يعاني منها الأطفال السوريون


يبدو أنه ليس كافياً أن نقول إن الأطفال في سوريا يعانون “اضطرابات ما بعد الصدمة”. فالنّاجون -الذين يتيتمون غالباً- من أزمة إنسانية مريعة ومتواصلة يمرون على الأرجح باضطراب ما بعد الصدمة، إلا أن هؤلاء الأطفال قد اختبروا صدمة أكبر _ جسدياً ونفسياً _ مما شهده المهنيون الطبيون الذين يولونهم الرعاية على الإطلاق. فقد شهد هؤلاء الأطفال بقايا ممزقة لأمهاتهم وآبائهم تبعثرت نتيجة لبرميل متفجر ألقاه النظام أو صاروخ كروز روسي، أو نتيجة للغارات الجوية الأمريكية المتزايدة.

“متلازمة الدمار الإنساني” هذا هو المصطلح الذي ابتكره الطبيب “م. ك حمزة” للأطفال الذين يتيتمون.

وقد أخبر الطبيب حمزة، المتخصص في الطب العصبي النفسي في الجمعية الطبية الأمريكية السورية، ATTN: ” لقد تحدثنا إلى عدد كبير من الأطفال وتبين لنا أن الدمار النفسي الذي تعرضوا له يفوق ويتجاوز ما يستطيع أن يراه الجنود في الحروب، فهؤلاء الأطفال رأوا أشلاء لأناس كانوا آباءهم أو أشقاءهم. فمن بين عائلة كاملة مؤلفة من 5 أو 6 أو 10 أفراد، هناك ناج واحد أو 2 في بعض الأحيان. ويعاني الكثير منهم من إعاقات بدنية أو بتر أعضاء أو جراح خطيرة. وبطريقة أو بأخرى، يتمكنون من شق طريقهم إلى مخيم اللجوء”.

ويرأس حمزة لجنة الصحة العقلية في “SAMS”، التي تطوع أعضاؤها البالغ عددهم 1.000 عضو سوري وأمريكي، لتأمين الرعاية الطبية للناجين من أسوأ الحروب التي شهدها القرن الحادي والعشرين حتى الآن، أينما وُجدوا”.

وأضاف: “أنت ترى أطفالاً مدَّمرين، وهذه ليست نهاية القصة”.

وتزداد المشكلات النفسية والجسدية التي تواجه المدنيين السوريين يومياً نتيجة للفقر المدقع والاستغلال اللذين يسيطران على حياة السوريين في مخيمات اللاجئين؛ التي تجد فيها 1 من بين 5 من أصل سكانها البالغ عددهم نصف مليون تحت سن 11. كما يعاني السوريون في شوارع لبنان وتركيا والأردن التي تستضيف مجتمعة غالبية تصل إلى ما يربو على 4.9 مليون شخص كانوا قد هربوا من الحرب في سوريا منذ عام 2011، وذلك عندما خرجت مظاهرات حاشدة تطالب بالديمقراطية لتواجهها قوات نظام بشار الأسد بوابل من الرصاص. ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هنالك 6.3 مليون شخص آخرين مهجرين داخلياً، ونصف مليون غيرهم لقوا مصرعهم.

وقال حمزة، متحدثاً على هامش المؤتمر الذي عقدته جمعية SAMS يوم 18 فبراير/ شباط في هنتنتغتون بيتش في كاليفورنيا: “وحتى كلمة “المساكين” ليست مناسبة هنا وذلك أن ما يعانونه أدنى من الظروف الإنسانية”.

وقد شهد الطبيب النفسي “إياد الخوري”، المتطوع في الجمعية على ذلك.

وفي خطاب ألقاه أمام أعضاء المؤتمر، قال الخوري: “أخبرتني بعض المريضات أن أطباءهن قد لامسوهن بطرق غير مناسبة، إذ يفترض الأطباء، نظراً لأن المريضات من السوريات، يفترضون أنهن ‘عاهرات'”.
ويتابع الخوري: “هنالك فتيات في عمر 8 و 9 يبعن أنفسهن في شوارع بيروت، وعندما تسأل ذويهن: لمَ لا ترسلون الفتيات إلى المدرسة، وبذلك يصبح بإمكانهن أن يطوّرن أنفسهن؟ يجيبونك: إنهن يجنين 50 دولاراً في اليوم، هل تستطيع أن تعطيني هذا المبلغ كل يوم؟”.

وقال “أنس مغربية”، طبيب العناية المركزية في SAMS، قال لـ ATTN: “أياً كان ما نقدمه فهو ليس سوى ضمادة”.

وكان مغربية قد قدّم المساعدة للمرضى السوريين الذين تم نقلهم إلى البلدة الحدودية التركية أنطاكية، حيث درّب هناك بعض العاملين في المجال الطبي العائدين لمعالجة ضحايا القصف والتفجيرات في سوريا نفسها. وقال: “إننا نحاول سد الثغرات، إلا أن جميع المنظمات الإغاثية إنما تقوم بوضع ضمادة على الجرح، ليس إلا. لسنا نعالج الأسباب الجذرية للمشكلة”.
ويرى مغربية أن السبب الرئيس لهذه المشكلة هو “الاستبداد” الذي “قابل الأشخاص السلميين الذين كانوا يطالبون بالديمقراطية في البداية، فقد تمت مواجهتهم بالأسلحة والغارات الجوية”. وقال أيضاً إن جميع المستشفيات والعيادات تقريباً التي تدعمها الجمعية في سوريا، قد تعرضت للهجوم. وكانت الغارات الجوية هي المسؤولة في تسع مرات من أصل 10، ما يعني أن تلك الغارات قد شنها النظام أو حليفه الروسي؛ فالمعارضة المسلحة لا تمتلك سلاحاً جوياً.

وقد كانت نسبة 90% من المدنيين الذين لقوا حتفهم في سوريا منذ مارس/ آذار عام 2011، قد قُتلوا من قبل النظام أو حلفائه، ذلك حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة رصد مستقلة.

وقال: “بدلاً من تأمين المصادر لمعالجة هذا الطفل البالغ (10 أعوام) والذي قد أصيب بصاروخ ما، علينا أن نوقف الصاروخ قبل أن يضرب الناس”.

لكن الصواريخ والحكومات ليسوا القتلة الوحيدين في سوريا. قال مغربية: لدينا مستشفى وحيد في حلب… وقد هاجمه مجرمو تنظيم داعش. جاؤوا إلى قسم العناية المركزية وقتلوا أحد المرضى، وقد كان مدنياً”. وفي إدلب، آخر معقل رئيس للمعارضة بعد خسارة حلب، “هاجمت إحدى المجموعات المسلحة إحدى مستشفياتنا” وحاولت الاستيلاء عليها. وأضاف أن الاقتتال بين الثوار على الأرض يعد متمماً للخطر الذي يتهدد المدنيين من الجو.

كما قال رئيس جمعية SAMS “أحمد طرقجي” لـ ATTN إن أحد المفارقات “تكمن في أن العمل في المنطقة التي تنشط فيها مثل هذه المجموعات العدائية كافٍ ليتم وصفك بالحليف. بالفعل، ذلك من أكبر المخاطر التي تواجه العمل الإنساني هذه الأيام”.
وأضاف طرقجي: “من الممكن أن يوصف أي شخص يشارك في تقديم الخدمات الإنسانية بالإرهابي. كما أن مفهوم _ أو وهم _ حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية قد تم تحديه في سوريا، ما يعني أنك قد تُقتل”. أما الطفل الذي يتمكن من الوصول إلى مخيم اللاجئين في ظل هذه الظروف، فهو واحد من أولئك المحظوظين.

وقد أخبر حمزة، المتخصص في الطب النفسي العصبي، ATTN: “هناك ملايين من الأطفال قد دُمروا، وينبغي لك أن تسأل: إلى أين سيفضي هذا؟ يوجد شيء واحد مؤكد، يتعارض مع فكرة الانعزالية الرائجة، على الأقل من الناحية النظرية، وهو أن “هذا الأمر سيؤثّر في العالم بأسره”.

 

رابط المادة الأصلي: هنا.



صدى الشام