فورين بوليسي: دونالد ترامب في طريقه لتصميم شرق أوسط جديد


أهلاً بكم في المسرح الرئيسي الجديد للبحث عن نظام عالمي سياسي جديد

يمكننا القول أن هربرت مكماستر مستشار الأمن القومي الجديد للرئيس الأمريكي دونالد ورث عالماً متغيراً على صفائح تكوينية مضطربة. فالسلطة العالمية التي تركزت لفترة طويلة في واشنطن، بدأت تشع شرقاً نحو موسكو وطهران ونيودلهي وبكين. وفي الوقت نفسه، تقع المؤسسات والنظم الدولية التي حافظت على تواجدها لأكثر من 70 عاماً تحت ضغط واضح للتغيير وكذلك الدول التي تشكل هذه الدول والمؤسسات. وسواء اعترفت إدارة بالأمر أم لم تعترف، فإنها تواجه تحدياً مستمراً في كيفية التصرف واستعادة الاستقرار حول العالم.

التفكك الأكثر وضوحاً الآن يكمن في الشرق الأوسط، حيث فشلت أربع دول وانهارت إلى حروب أهلية (هي والعراق وليبيا واليمن) فيما تقبع الدول الأخرى في منحنيات خطر قريبة كذلك. وفي على سبيل المثال، تتحكم – وليس الولايات المتحدة – في المشهد الميداني وذلك بعد أن أدرجت جيشها بوقاحه – جنباً إلى جنب مع إيران ومقاتليها بالوكالة- في الصراع عام 2015 لإنقاذ بشار من الهزيمة. وكما هو الحال في النزاعات المدنية الأخرى في المنطقة، فقد أدى انهيار الأنظمة إلى دخول المنطقة في حالة فوضى تامة: لقي ما يصل إلى نصف مليون سوري مصرعه في الحرب، فيما أصيب وهجر أكثر من 11 مليون شخص آخر. وهكذا، استفادت تنظيمات كداعش والقاعدة من هذه الفوضى للسيطرة على أراض وتجنيد مقاتلين عدا عن ارتكابها فظائع وجرائم تفوق الخيال.

والتفكك أيضاً يبدو واضحاً في أوروبا كذلك، حيث تتعامل الآن مع أزمة لا تختلف كثيراً عن أزمة الشرعية السياسية، وهذا يظهر أكثر في محيط الاتحاد الاوروبي خاصة وأن الدول الضعيفة الآن مثل اليونان وبلغاريا تناضل من أجل توفير فرص عمل وخدمات لمواطنيها في مواجهة قيود مالية شديدة تكلبها. وتتعامل أوروبا أيضاً مع الحروب الأهلية المنتشرة في الشرق الأوسط خاصة مع حالة تدفقات اللاجئين الهائلة والهجمات الإرهابية التي شهدتها المدن الأوروبية المختلفة. هذه المخاوف ولدت نتائج انتخابية عززت صعود الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة والتي تحمل رسائل معادية للمهاجرين، وهكذا صعدت القوانين والنظم وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لتقويضه بشكل عام.

فلاديمير ، الرئيس الروسي أبدى ارتياحه وتفضيله للتعامل مع عالم متعدد القطبية وهو ما بدأ بالظهور حسب وصفه. ويبدو أن يريد منا أن نعود إلى القرن ال19 من حيث موازين القوى السياسية، حيث تتشارك قوى عظمى في ضمان قضايا الحرب والسلام والحفاظ على السلام والنظام داخل مجالات نفوذ كل منها، وفي كثير من الأحيان يتم الأمر عبر المواءمة مع القوى المحلية المختلفة.

وقد أبدى بعض العاملين في الإدارة الجديدة لترامب اهتمامهم في ضبط تفكك السياسة العالمية في هذا المجال. لكنهم في نهاية المطاف سيجدون أنفسهم مضطرين ومن أجل تحقيق القوة والازدهار للولايات المتحدة للمحاولة في تنشيط حقبة جديدة من النظام الدولي القائم على القواعد التي شيدت بعد الحرب العالمية الثانية. وفي هذا الوقت، تبدي الولايات المتحدة –فرضاً- حرصها على منع الحروب الدموية من التكرار في أوروبا وكذلك الحد من انتشار الشيوعية، وذلك عبر المساعدة في تصميم شبكة من المؤسسات الإقليمية والدولية لدعم حلفائها الأوروبيين وتشجيع التعاون بدلاً من الصراع المسلح بين هذه الدول.

وبالمثل، هناك تحد شبيه يواجه الولايات المتحدة اليوم في الشرق الأوسط، والذي من المرجح للغاية أن يكون المرجل الناري الذي يتم خلاله إعادة تشكيل النظام العالمي أو إعادة الاندماج فيه مجدداً. وسوريا هنا تقدم أول اختبار. فالروس يطمعون في قبول الولايات المتحدة في استمرار الأسد في حكم هذا البلد المدمر، في مقابل تحقيق شراكة في الحرب ضد داعش والقاعدة. لكن هذا الأمر لن يضمن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، خاصة بعد انتشار حالة النفور من الأسد بين الكثير من السوريين وذلك بعد سوء طريقته في الحكم والوحشية التي أظهرها في مقابل إعادة السيطرة على البلاد. وفي غياب سوريا القابلة للحياة والنابضة بالأمل لمواطنيها فإن أي مكاسب قد يتم تحقيقها ضد داعش وتنظيم القاعدة ستذهب أدراج الرياح.

وبدلاً من ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة السعي للتفاوض من أجل حل النزاع السوري بشكل يوفر حماية لجميع الأطراف بالإضافة إلى توفيره لنطاق واسع من حماية المصالح للشركاء المحليين والإقليميين. ويجب أيضاً على الولايات المتحدة إقناع الروس بأن هذه الحرب لا يمكن الفوز بها وأن الأسد غير قادر على تحقيق الاستقرار في البلاد. وإن فشلت الكلمات وحدها في التأثير عليهم، فإن سياسة الولايات المتحدة يجب أن تتجه نحو توفير أكبر قدر من الحماية للمدنيين المحاصرين في الصراع – بالإضافة إلى استمرار وتصعيد جهود الولايات المتحدة ضد داعش وبالتعاون مع الشركاء الإقليميين، هذا كله مع استراتيجية واضحة بإمكانه أن يوفر قدراً أكبر من النفوذ لدفع روسيا نحو التفاوض بشكل عملي أكبر.

أما فيما يتعلق بواقع المنطقة، فإنها تحتاج جدول أعمال طموح بشكل أوسع. فالتدابير اللازمة لوضع منطقة الشرق الأوسط على المسار الصحيح تشبه كثيراً تلك التي أجريت في أوروبا منذ 70 عاماً حيث ركزت الاستراتيجية حينها على وقف القتال والبدء بعملية تفاوض وتسويات سياسية عادلة وشاملة (في هذه الحالة الاهتمام بتسوية الحروب الأهلية في المنطقة) ودعم الدول الضعيفة لتعزيز موقفها في مقاومة التخريب، وتشجيع القادة السياسيين للحكم بطرق تعزز الشرعية وإطلاق العنان للمواهب والشعوب وتطوير المؤسسات الإقليمية التي تساعد على تخفيف حدة النزاعات وتعزيز آفاق التعاون. ولتحقيق ذلك، ينبغي على الدول في المنطقة وخارجها جميعها مشاركة الولايات المتحدة في سعيها لتحقيق استقرار الشرق الأوسط. لقد مر وقت على المنطقة أخذت القوى المحلية فيها زمام المبادرة وأقدمت على اخذ حصة الأسد من العمل، لكن يجب على الولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا المساعدة في استقرار المنطقة من دافع المصلحة الذاتية البحتة لديهم.

قد تبدو هذه المهمة صعبة بعض الشيء، ولكن الفوائد بلا شك ستكون كبيرة. ومن شأن أن يصبح أكثر أمنا وازدهاراً بما يقوض جاذبية الأيديولوجيا الإسلامية الراديكالية المتطرفة، ويثبت الحدود الجنوبية لأوروبا ويفتح السوق لأكثر من 300 مليون مستهلك. مثل هذه الأهداف قد تعطي بعداً جديداً لعمل حلف الأطلسي ويساهم في تنشيط وتوسيع النظام الدولي القائم لحقبة جديدة.

وكما يتأمل الجميع في عالم الفوضى المتزايد هذا، فإن على الإدارة الجديدة ان تواجه اختياراً ما في نهاية المطاف، قد يكون امامها التعامل مع عالم من الأقوياء الذين يقاتلون لعدم ضمان الاستقرار الدائم في العالم، او أن تتجه الإدارة إلى تعزيز النظام الدولي القائم الذي عمل لقرابة 70 عاماً ونجح في تحقيق السلام والازدهار في العالم الفوضوي.

هذه المادة مترجمة من موقع للإطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا




المصدر