سيناريو إقامة منطقة آمنة للسوريين على الحدود مع الأردن.. أبرز فوائدها والتحديات التي تواجهها


عاد الحديث عن سيناريوهات إقامة مناطق آمنة في سوريا إلى الواجهة، مع تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما أعرب عن عزمه إنشاء تلك المناطق، داعياً دول الخليج إلى دفع نفقاتها.

وأشار محللون إلى خيارين محتملين لإقامة المناطق الآمنة، إما في الشمال السوري على الحدود مع تركيا، أو في جنوب البلاد على الحدود الأردنية السورية، وقيلت الكثير من التكهنات عن إقامة هذه المناطق في الجنوب سيما بعد الزيارة التي قام بها الملك الأردني عبد الله لأمريكا ولقائه ترامب في 2 فبراير/ شباط الماضي.

معهد "واشنطن ليساسة الشرق الأدنى" استعرض في تحليل كتبه ديفيد شنكر، احتمال إقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية على الحدود مع الأردن، مشيراً إلى مصاعبها والفوائد التي يمكن أن تنتج عنها.

ويشير كاتب التحليل إلى أن ازدياد حدة القتال في الجنوب السوري، خصوصاً في الأسابيع الأخيرة، وسعي قوات نظام الأسد للسيطرة على مدينة درعا، التي تعد بوابة دمشق الجنوبية، تسلط الضوء على الدعوات المستمرة لإقامة منطقة آمنة في الجنوب لحماية المدنيين السوريين من النظام وحلفائه.

وعلى الرغم من أن الأردن لم يبدِ موقفاً حاسماً حيال موقفه من إقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية بالقرب الحدود الشمالية للأردن، إلا أن القائد المسؤول عن حرس الحدود الأردنية قال العام الماضي أنه "إذا تم إقامة منطقة آمنة سيكون ذلك أمراً جيداً".

ووفقاً لما ذكرع معهد "واشنطن" أفادت بعض التقارير أن الرئيس ترامب والعاهل الأردني الملك عبدالله قد ناقشا هذا الاحتمال خلال لقائهما، وأضاف المعهد: "وإذا تمّ تحويل هذه الفكرة إلى واقع، سيكمن الشيطان في التفاصيل، إذ أنّ إقامة أي نوع من المناطق الآمنة في الجنوب سيكون معقداً من الناحيتين العسكرية والدبلوماسية".

فوائد مشتركة

وتقول الأردن أنها استقبلت حوالي 1.4 مليون لاجئ سوري، أو أكثر من 13 في المائة من إجمالي سكان المملكة منذ عام 2011. وترى عمّان أن وجود اللاجئين يفرض عليها أعباءً هائلة على الجهاز الأمني المحلي وعلى ندرة الموارد مثل المياه.

ويعد تأمين الحدود الأردنية مع سوريا مهمة بالغة الأهمية لدى السلطات الأردنية، فقبل شهر أعلن قائد قوات "حرس الحدود الأردنية"، العميد سامي الكفاوين، أنه تمّ تخصيص "نصف جيش المملكة والموارد العسكرية" لتأمين تلك الحدود. لكن "مع ذلك، شهدت الأردن ارتفاعاً كبيراً في النشاط الإرهابي المحلي خلال العام الماضي كان مستوحىً عموماً من تنظيم الدولة الإسلامية"، بحسب تحليل المعهد.

ويضيف: "إلى جانب التصدي لهذه التهديدات الأمنية، تأتي إعادة فتح الحدود مع سوريا والعراق، أكبر شركاء عمّان التجاريين، على رأس قائمة الأولويات الأخرى للأردن".

ويمثل وجود مقاتلين مناصرين لتنظيم "الدولة الإسلامية" داخل الحدود الجنوبية لسوريا، قلقاً لدى الأردن، إذ يستهدف الأخير مقاتلين ومستودعات أسلحة تعود لـ"جيش خالد" التابع للتنظيم، مستخدماً طائرات حربية، وأخرى من دون طيار، تشن غاراتها على الحدود في حوض  اليرموك غرب درعا.

ويسلط تحليل معهد "واشنطن" الضوء على تنامي قلق المملكة إزاء انتقال "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني، والميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران، و"حزب الله" اللبناني إلى المنطقة الحدودية.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر عام 2015، أقدمت عناصر من ميليشيا "حزب الله" بمساعدة قوات الأسد النظامية والدعم الجوي الروسي على الاستيلاء على بلدة الشيخ مسكين إلى الشمال مباشرة من درعا التي تتميز بموقع استراتيجي.

وعلى أثر ذلك، اعتبرت عمّان ذلك الهجوم بمثابة تحذير حيال برنامجها المحدود القائم على تدريب جماعات المعارضة وتزويدها بالعتاد، فقامت بوضع حدّ له. وقد نبع إذعانها من مصدري قلق ملحّين - بحسب معهد واشنطن:

الأول: أن أي تقدّم إضافي لهذه القوات المدعومة من روسيا قد يدفع بالمسلحين الإسلاميين إلى التوجه أبعد إلى الجنوب.

الثاني: أن طهران قد تتمركز أساساً على طول حدود المملكة إذا تمّ ترسيخ هذه المكاسب. وبخلاف ما حصل مع الجهاديين، لم يكن باستطاعة الأردن إشراك وكلاء إيران عسكرياً في سوريا وسرعان ما أدركت عمّان أن روسيا هي الجهة الفاعلة الوحيدة القادرة على وقف تقدّمهم نحو الحدود".

ويشار إلى أن الأردن عبر عرفة عمليات "الموك" تقدم دعماً لبعض فصائل المعارضة السورية العاملة في الجنوب السورية.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن تدفق اللاجئين الهائل من سوريا يعد في مصلحة إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، فالأخير "قلق بشكل خاص - مما يعتبره - تهديداً إرهابياً قد يشكله اللاجئون على أوروبا والولايات المتحدة". وفقاً لتحليل المعهد.

الدور الروسي

ويلفت معهد "واشنطن" إلى أن الأردن أدرك الديناميكيات المتغيرة في سوريا، ولذلك "قرر التعاون عن كثب مع موسكو من أواخر 2015، فأنشأ مركز مراقبة مشترك في عمّان في تشرين الأول/أكتوبر من ذلك العام للتركيز على تبادل المعلومات الاستخباراتية وعدم الانخراط في الاشتباكات".

وفي الشهر الماضي، اجتمع الملك عبدالله مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، بعد فترة ليست طويلة من دعوة روسيا للأردن للمشاركة في مفاوضات السلام السورية في أستانا، كازاخستان.

ووفقاً للمعهد "يتمثّل هدف الأردن غير المعلن من زيادة التعاون مع روسيا في تأمين ضمانات من قبل موسكو بألا ينشر حزب الله وغيره من الميليشيات المدعومة من إيران عناصرهم جنوب دمشق، لئلا تتوفر لديهم الفرصة لزعزعة استقرار المملكة (تماماً كما ضمنت إسرائيل تفاهمات روسية مماثلة تهدف إلى مواجهة عمليات نقل الأسلحة إلى حزب الله والحد من الأنشطة الإيرانية في الجولان).

وعليه يرى المعهد أن "المناطق الآمنة تبقى خياراً مطروحاً لكل من موسكو وعمان". في حين أن الأسد ينتقد صراحة هذه الفكرة ولا يرى أي داعٍ لها، بحسب تصريحات أدلى بها الشهر الماضي.

وبعدما أعلن الرئيس ترامب أنه أوعز إلى وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين بإعداد خطط لإقامة مناطق آمنة، ردّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالقول إن موسكو "لم تستبعد إقامة مناطق آمنة للمشردين داخلياً"، شرط موافقة الأمم المتحدة ونظام الأسد.

وحول هذا الموقف الروسي، يقول كاتب التحليل، شينكر: بيد أن ذكر نظام الأسد  "في هذه الصيغة بدا أشبه بتملّق دبلوماسي أكثر من أي شيء آخر؛ فنظراً إلى ديناميكيات القوة الحالية في سوريا، لا تحتاج روسيا إلى التشاور مع الأسد حول قرار كهذا".

تحديات أمام المنطقة الآمنة

وعلى الرغم من الافتراضات والتكهنات المرسومة حول المناطق الآمنة في سوريا، يعتقد معهد "واشنطن" أن آليات ضمان أمن المنطقة الآمنة، التي قد تصل إلى بعد عشرة أميال (18 كلم) داخل الأراضي السورية، ستكون واضحة إلى حد ما.

ويضيف التقرير: "إذا ما افترضنا موافقة روسيا - وجرّ النظام على الموافقة معها - فلن تكون هناك ضرورة لفرض منطقة حظر جوي تقليدية. وبدلاً من ذلك، ستواصل الطائرات الأمريكية والأردنية وغيرها من طائرات التحالف والطائرات بدون طيار لهذه الدول التي مقرها في المملكة تسيير رحلات استطلاع ومراقبة فوق محيط الممر الإنساني".

ويتابع: "في الوقت نفسه، سيزيد الأردن والولايات المتحدة من قدرات جمع المعلومات الاستخباراتية للقوات الصديقة على الأرض، الأمر الذي سيمكّن القوات المحلية وبصورة أفضل من استهداف الميليشيات الإسلامية والعناصر المسلحة الأخرى التي تحاول دخول المنطقة".

لكن تحليل المعهد الأمريكي يرى أن هنالك مهمة أصعب، ويقول: "سيكون التوصل إلى تفاهمات بشأن هوية الجهة المسؤولة بالضبط عن الأمن على الأرض. فستصر موسكو على أن لا تصبح أي منطقة إنسانية معسكر تدريب لهجوم المعارضين المقبل ضد نظام الأسد".

ويشير المركز إلى أن الأردن يعمل بالفعل مع فصائل مناهضة للأسد، لذلك ستكون هذه الفصائل القوات الأكثر ترجيحاً التي ستكلَّف بمهمة الدفاع عن المدنيين في هذه المناطق.

وأما في حال اعتُبرت القوات المحلية غير مقبولة دبلوماسياً أو غير قادرة على تأمين المنطقة، ستكون هناك حاجة لتواجد قوات أجنبية كقوى بشرية - تنحدر على الأرجح من الجيوش العربية. ومع ذلك، فمن غير الواضح أي من الحكومات الإقليمية، إن وجدت، قد تكون مستعدةً لتوفير مثل هذه القوات.

وإذا ما طلبت إدارة ترامب من الأردن نشر جنود في سوريا، ستشعر المملكة بغضاضة إذا رفضت الطلب الأمريكي نظراً إلى سخاء واشنطن المستمر تجاهها - فقد تلقّت عمّان أكثر من 1.6 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية في العام الماضي، كما أنها تضغط على واشنطن لمضاعفة خط أساس التزامها من 1 مليار دولار إلى 2 مليار دولار في عام 2018، وفقاً لمعهد واشنطن.

ويضيف: "غير أن نشر قوات أجنبية ينطوي على مخاطر سياسية كبيرة للملك عبدالله. فقد احتج الإسلاميون الأردنيون بأن المشاركة في التحالف المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية تخالف دستور المملكة. بالإضافة إلى ذلك، يتألف الجيش بشكل حصري تقريباً من الأردنيين القبليين، الذين يُطلق عليهم سكان الضفة الشرقية- ويُعتبرون تاريخياً من مقدمة المؤيدين للحكم الملكي - لذلك فإن وقوع أي خسائر بشرية في سوريا يمكن أن يصبح بسرعة مشكلةً سياسيةً للبلاط الملكي. ونتيجةً لذلك، قد لا يرغب الأردن في نشر قوات برية في أي منطقة آمنة، على الرغم من أنه من المرجح أن يعرض غالبية أي نوع آخر من المساعدة المطلوبة".    

كما أن إقامة مناطق آمنة في سوريا تطرح تساؤولات من قبيل، من سيشرف على المنطقة؟ ويؤمن لها السكن والمياه والكهرباء والصرف الصحي؟، وغيرها من الأسئلة المتعلقة بإنجاح إقامة تلك المناطق.

ويخلص تقرير المعهد إلى الإشارة أنه "باعتراف الجميع لا تزال المناطق الآمنة احتمالاً بعيد المنال في الوقت الراهن. بيد، إن التوصّل إلى اتفاق قد يكون ممكناً نظراً إلى إعطاء إدارة ترامب الأولوية لعمليات محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، والتعاون بين واشنطن وروسيا بشأن سوريا في الآونة الأخيرة".

ويضيف: أن "إقامة منطقة آمنة في الجنوب سيسهّل تقديم الدعم الإنساني للسوريين في سوريا، بحيث يكونون مشردين داخلياً داخل بلادهم بدلاً من أن يكونوا لاجئين خارجها. وفي حين قد لا يكون مثل هذا الاتفاق الأمثل في التعامل مع المشكلة، إلّا أنه ربما يكون الخطوة الأفضل بالنسبة لواشنطن في وقت تتولى فيه روسيا السيطرة بشكل حاسم".




المصدر