on
أستانة بديلاً لمرجعية جنيف:جولة جديدة بالسلال الأربع بلا موعد
لم يحمل اليوم الأخير لاجتماعات الجولة الأولى من محادثات جنيف 4 حول الملف السوري، مفاجآت كانت مستبعدة أصلاً نظراً لاستفراد روسيا عملياً بالملف في ظل الغياب المتواصل للإدارة الأميركية، وهو ما دفع بوفد النظام إلى التمسك بتجاهل جدوى اجتماعات جنيف طيلة 10 أيام (منذ الافتتاح في 23 فبراير/شباط)، بناءً على دعم روسي ينظر إلى المؤتمر السويسري بطريقة سلبية أصلاً، على اعتبار أن الكلام السياسي غير مرغوب به حيال سورية بالنسبة إليه، نظراً إلى أن الحل عسكري كما ترى موسكو ودمشق. وربما يكون الجديد الوحيد الذي ظهر الجمعة في آخر أيام الجولة الأولى، هو الوثيقة التي سلمها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لوفدي النظام والمعارضة، والتي يمكن وصفها بـ”المبادئ العامة التأسيسية” أو “الإعلان الدستوري” المقترح لـ”سورية الجديدة”، وقد وافق عليها وفد المعارضة “من حيث المبدأ”، وقد غاب عنها بالكامل أي كلام عن انتقال سياسي. وحتى مساء أمس، لم تهدأ وتيرة الاجتماعات الهادفة إلى حسم جدول أعمال الجولة المقبلة التي يؤمل أن تعقد في غضون أسابيع في سويسرا أيضاً، بين من أصرّ على ما نصّ عليه القرار 2254 الذي يظلّ مؤتمر جنيف، أي الانتقال السياسي، من جهة المعارضة، والتحالف الروسي ـ السوري الحكومي المتسبّث فعلياً بنقل بنود التفاوض إلى أستانة وحصره بالشؤون العسكرية التي تُبقي على النظام من دون أي تغيير، إلا بما يمكن وصفه بالتنازلات الشكلية.
وبالفعل، لم يحدد دي ميستورا في بيانه الختامي مساء الجمعة، موعداً للجولة الجديدة من جنيف. وقد تسرّبت من أجواء عدد من العواصم المعنية، نية روسية بإعادة طرح معزوفة قديمة ــ جديدة تحت عنوان “المجلس العسكري”، وذلك ربما يحدث في الجولة المقبلة من اجتماعات أستانة المقررة في 14 مارس/آذار المخصصة للإجراءات الأمنية بين وفدي النظام والفصائل المسلحة المعارضة الخاصة بوقف إطلاق النار والفصل بين فصائل المعارضة وتنظيم “جبهة تحرير الشام” (النصرة سابقاً). وتعوّل موسكو على حماسة بعض ممثلي الفصائل للمشاركة في مثل هذا المجلس العسكري الذي يُطرح بوتيرة دورية، ليكون وصفة سحرية بنظر حكام الكرملين المعتادين عموماً على المعالجات العسكرية للأزمات، لا السياسية. ولا تزال تفاصيل مثل هذا المجلس العسكري غامضة، إلا أنه وفقاً لما حُكي سابقاً عنه، فإن الفكرة تنصّ على جمع تسعة أو عشرة ضباط من النظام والفصائل المسلحة في كيان عسكري مهمته مكافحة الإرهاب بالتوصيف الروسي ــ السوري الحكومي، الذي يعتبر كل معارض لنظام بشار الأسد بمثابة إرهابي، وترسيم الحدود بين مناطق نفوذ الفصائل المسلحة وبقية المليشيات التابعة للنظام، الأجنبية والسورية منها، على أن يرأس المجلس العسكري العتيد، ضابط متقاعد من صفوف النظام مثلاً، أو مقرب من السلطة يملك علاقات مقبولة مع المعارضة، “مع مراعاة ضرورة ألا يكون من صقور نظرية الحسم العسكري في معيار اختياره في حال كان ضابطاً في صفوف النظام”.
وسبق أن طرحت في الإعلام أسماء عدة لتولي مثل هذا المنصب في حال تطوّر الطرح باستحداثه، من دون أن يصل الكلام في هذا الصدد إلى أي مشروع جدي يوضح صلاحيات المجلس وعلاقته بالسلطة السياسية. لكن المؤكد أن مثل هذا المجلس لا صلة تربطه بتاتاً بفكرة الحل السياسي القائمة على مرحلة انتقالية من النظام الحالي إلى بنية ديمقراطية خالية من رموز النظام المتورطة بقتل الشعب السوري، مثلما رسمت معالمه قرارات ومواثيق عديدة صادرة عن “المجتمع الدولي” وعن مجلس الأمن الدولي.
وفي حين كانت فكرة “المجلس العسكري” تتسرب من بعض المنصات، تواصلت الاجتماعات المكثفة بين وفد المعارضة والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، من جهة، ووفد النظام مع الأخير من جهة ثانية، علّ الأطراف يتمكنون من إنهاء الجولة الأولى ببيان يفرض جدول أعمال محدد للجولة الثانية، بسلال ثلاث (الحوكمة والدستور والانتخابات) أو السلال الأربع مع إضافة البند الذي يضرب فكرة الانتقال السياسي، أي مكافحة الإرهاب على ما اشترط وفد النظام وراعيه الروسي. وبالفعل، أكد دي ميستورا، اعتزامه الدعوة إلى جولة مفاوضات جديدة هذا الشهر، ستخصص لبحث “السلال الأربع”. وقال دي ميستورا، خلال مؤتمر صحافي مساء الجمعة، إن السلة الأولى تتضمن إقامة حكومة شاملة وغير طائفية خلال 6 أشهر، والثانية تتضمن صياغة الدستور خلال 6 أشهر أخرى. أما السلة الثالثة فتتعلق، وفق دي ميستورا، بإجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال 18 شهرا، لافتا إلى إضافة سلة رابعة بشأن محاربة الإرهاب بطلب من وفد النظام. ورفضت المعارضة، على لسان رئيس وفدها، نصر الحريري، السلة الرابعة، التي سبق لبعض أعضاء الوفد المفاوض أن أبدى ليونة نسبية إزاءها بشرط إضافة عليها تتمّة أساسية هي “… وجرائم الحرب” لتساوي السلة بين إرهاب تنظيمي “داعش” و”النصرة”، مع إرهاب النظام ومن يدعمه من مليشيات ودول كبرى.
في هذا الوقت، كشفت ورقة غير رسمية طرحها المبعوث الأممي الخاص في سورية، ستيفان دي ميستورا، عن مقترحها بشأن التسوية في سورية، مكونة من 12 بنداً، تم إرسالها إلى كل من وفد النظام السوري والهيئة العامية للمفاوضات لإقرارها وإبداء المقترحات حولها. وتدعو الوثيقة التي اطلعت عليها “العربي الجديد” وقدمها دي ميستورا إلى طرح تسوية تجنب الحديث عن مصطلح الانتفال السياسي من دون أي إشارة قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالإدارة الانتقالية، إلا أنه تطرق إلى ما أسماه بـ “الإدارة الذاتية على المستوى المحلي”، بل أقرت في مضمونها بنود الانتقال من خلال التأكيد على التحول إلى دولة غير طائفية، وإلى التعددية السياسية، والحكم الجامع، وإنشاء جيش سوري موحد، وكذلك على حق الشعب السوري في تقرير مصيره من خلال انتخابات ديمقراطية.
وتشكل الوثيقة نوعاً من المبادئ العامة المشتركة التي تعتقد الأمم المتحدة أن الأطراف السوريين لا يختلفون عليها، إذ طلب المبعوث الأممي من الأطراف السوريين دراسة هذه الوثيقة والرّد عليها في جلسات لاحقة، إذ شملت الوثيقة أيضاً في بندها الثاني مسألة استعادة الجولان السوري المحتل، وهذا يعدّ تطوراً بالمقارنة مع الوثيقة التي وزعها دي ميستورا العام الماضي.
ولم يقدم دي ميستورا أيّ إشارة إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، والذي يطالب جميع الأطراف بالتوقف الفوري عن شن أي هجمات ضد أهداف مدنية، ويطلب من الأمم المتحدة أن تجمع بين الطرفين للدخول في مفاوضات رسمية أوائل يناير/ كانون الثاني 2016، باستثناء المجموعات “الإرهابية” (داعش والنصرة)، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، في غضون 18 شهراً، بهدف إجراء تحول سياسي.
وتتضمن الوثيقة البنود التالية:
1ــ احترام سيادة سورية واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها أرضاً وشعباً. 2ــ حماية تمتّع الدولة السورية بالمساواة التامة من ناحية السيادة الوطنية، وبالحق في عدم التدخل في شؤونها والحفاظ على هذه السيادة وهذا الحق، وأن تمارس دورها الكامل في المجتمع الدولي، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ومقاصده ومبادئه، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من الأراضي الوطنية، ويظل الشعب السوري ملتزماً باستعادة الجولان السوري المحتل بالوسائل المشروعة والمتاحة. 3ــ يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية عن طريق صندوق الاقتراع، ويكون له الحق الحصري في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي من دون أي ضغطٍ أو تدخلٍ خارجي. 4ــ تكون سورية دولة ديمقراطية، غير طائفية، تقوم على المواطنة والتعددية السياسية، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، واستقلالية القضاء، وحماية الوحدة الوطنية، والاعتراف بالتنوع الثقافي للمجتمع السوري، وحماية الحريات العامة، وتنعم بحكم يتصف بالشفافية ويشمل الجميع ويخضع للمساءلة… 5ــ تلتزم الدولة بالوحدة الوطنية، وبالتمثيل العادل، وبإدارة المحليات في الدولة والإدارة المحلية الذاتية للمحافظات والمحليات. 6ــ استمرارية عمل الدولة ومؤسساتها العامة، وتحسين أدائهما مع إجراء إصلاحات وفقاً لما تقتضيه الضرورة، والالتزام بخدمة عامة تمثل الجنسين وجميع المناطق والمكونات في سورية تمثيلاً كاملاً، ويجب أن يستفيد المواطنون من آليات حماية فاعلة في علاقاتهم بجميع السلطات العامة بطريقة تكفل الامتثال التام لسيادة القانون ولحقوق الانسان ولحقوق الملكية الخاصة. 7ــ الحفاظ على القوات المسلحة قوية وموحدة تحمي بشكلٍ حصريٍ الحدود الوطنية، وتحفظ شعبها من التهديدات الخارجية، وفقاً للدستور، وعلى أجهزة المخابرات والأمن أن تركز على صيانة الأمن الوطني وتتصرف وفقاً للقانون. 8ــ الرفض المطلق للإرهاب والتعصب بجميع أشكاله. 9ــ احترام حقوق الإنسان والحريات والمساواة في الحقوق والفرص للجميع من دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو العرق أو الهوية الثقافية أو اللغوية أو نوع الجنس مع تمثيل المرأة ومشاركتها بصورة فاعلة في المؤسسات بـ30% على الأقل. 10 ــ إسناد قيمة عالية للهوية الوطنية لسورية ولتاريخها القائم على التنوع (…). 11ــ توفير الدعم للمحتاجين والضعفاء والعجزة والفقراء، وضمان السلامة والمأوى للمشردين واللاجئين، بما في ذلك حقهم في العودة إلى ديارهم إذا رغبوا في ذلك. 12ــ صون وحماية التراث الوطني والبيئة.
صدى الشام