فيلم “لا لا لاند”.. كثير من الأموال قليل من السينما


ما زال الفيلم الرومانسي الدرامي “لا لا لاند” من تأليف وإخراج “داميان تشازل” وبطولة “رايان غوسلينغ وإيما ستون” محط جدلٍ في الأوساط السينمائية، ولا سيما بعد أن تعرّض لانتقاداتٍ لاذعة من قبل نقّاد السينما العالمية، الذين رأوا أن حجم الزخم الإعلامي الذي لاقاه الفيلم لا يوازي محتواه، فالفيلم يمثّل تراجعاً واضحاً في جودة الإنتاج السينمائي، ولا سيما ما يدخل منها في دائرة هوليوود  عاصمة السينما في العالم.
تدور قصة الفيلم حول موسيقي شاب وممثّلة طموحة يقعان في الحب في مدينة لوس انجلوس، ويحتوي على عددٍ كبيرٍ من المشاهد المبهرة بصرياً ما أعطاه زخماَ واسعاً، غير أن هذا الأسلوب المتمثل بالاعتماد على الإبهار جاء على حساب أمورٍ فنية أخرى، وأبرزها الحبكة القصصية المتوازنة وجودة العرض واللقطات والأهم الخاتمة التي ينتهي بها، لذلك فإنه لا يمكن ترشيحه لـ 14 جائزة أوسكار.
عُرض الفيلم للمرّة الأولى في 31 من آب الماضي في مهرجان البندقية السينمائي في إيطاليا، لكنه فاجأ النقّاد والمهتمين بالمستوى المنحدر، والذي لا يوازي الضخ الهائل له، الأمر الذي يدفع للتشكيك بمعايير الجودة التي باتت هوليوود  تأخذ بها خلال الترشيحات.
يُخفي الفيلم الحالة الجماعية في عرضه ويركّز على البطولات الفردية، وهي خطوة جاءت حتماً “لترقيع” بقية الأخطاء داخله، وأبرزها محاولة إظهار جودة عرض “خيالية” بحبكةٍ قصصية وتسلسل مبتذل في عرض العاطفة الإنسانية، إذ أن قصة الحب التي قام الفيلم على أساسها لا تحتوي على أي ابتكار، وتشبه إلى حدٍّ بعيد قصص الحب المستهلكة التي قرأناها في قصص ساندريلّا وغيرها، فهذا النوع من الأفلام يجب أن يركز على القصص المبتكرة والشخصيات القادرة على الخروج من القوالب التقليدية في عرض عاطفة الحب.
لكن حتى الآن ورغم العناصر السلبية الكثيرة فيه، فإن هذا الفيلم يُعتبر من أكثر أفلام السينما التي حقّقت انقساماً بين الجماهير، فمعظم من انتقد الفيلم هم من المدرسة الفرنسية التي تركز على الإبهار البصري، في حين أن رواد المدارس المغايرة انتقدوا التفاصيل والعمق الذي يتناوله الفيلم، على أساس الصدف المقولبة التي كانت تجمع بطليه العاشقين.
لكن على الطرف الآخر ثمّة من وجد في الفيلم الجانب المشرق من هذا العالم المليء بالحروب والعنف، إذ يجعل “لا لا لاند” المشاهد ينفصم عن واقعه ويرى العالم من جانبٍ أجمل، ليختلف حال المشاهد قبل عرض الفيلم وبعده، كونه يترك أثراً يُشبه التخدير، وهو ما يشير إلى عبقرية المخرج.
ورغم كل ذلك إلا أنه لا يمكن إخفاء حقيقة، هي أن الفيلم سوف ينضم حتماً إلى قائمة الأفلام الكلاسيكية لأنه نجح في إعادة إحياء الأفلام الموسيقية دون أي افتعال وهو ما لم تنجح به الأفلام الأخرى، وما يزيد من احتمالية هذه الفرضية، هي أن الأفلام الموسيقية التي صنعت طفرة سينمائي جميعها صُنعت خلال الـ 20 سنة الأخيرة ومنها “شيكاغو، مولان روج، ليه ميزرابل” وهي تصوّر حقبة الثلاثينيات وأوائل القرن الماضي، لذلك فإن “لا لا لاند” أول فيلم موسيقي معاصر ناجح.
وبعيداً عن القصة المبتذلة، فإن السرد السينمائي كان سلساً جداً وقريباً من روح المشاهد العادي، لكنه حتماً لن يشبع المشاهد السينمائي المتعطّش وهو ما سمح بالتركيز على شخصيتين فقط وجعل المساحة صغيرة أمام الشخصيات الأخرى.
على صعيدٍ اقتصادي، فإن الميزانية الهائلة التي تم تخصيصها لأبطال الفيلم أدّت إلى تقليص إنتاجات الأفلام الأخرى، وهو ما أجبر شركات الإنتاج على العزوف عن التعاقد مع كبار النجوم لأفلامٍ أخرى مشتركة، وذلك لصالح “لا لا لاند” الذي حقّق إيرادات حول العالم وصلت إلى 342 مليون دولار أمريكي.
من الأمور التي زادت التركيز على الفيلم وزادت وصوله للمجتمعات البعيدة عن السينما، هو الخطأ التاريخي خلال توزيع جوائز الأوسكار، حيث تم اعتبار الفيلم هو الفائز بالخطأ، قبل أن يأتي أحدهم ويتدارك هذا الخطأ مؤكّداً أن فيلم “مون لايت” هو الفائز، هذا الخطأ تم إعادة قولبته في إحدى صالات لندن التي كانت تعرض فيلم “مون لايت” وقامت في البداية بعرض دقائق من فيلم “لا لا لاند” عمداً قبل أن تعود للفيلم الأصلي مذكّرةً بذلك بخطأ “أوسكار” التاريخي.

صدى الشام