هل أوقعت روسيا الأسد في فخ تدمر؟.. المدينة الأثرية محرقة لقوات النظام وهكذا تستفيد موسكو


تحولت مدينة تدمر بريف حمص الشرقي إلى بقعة استنزاف شديد لقوات نظام بشار الأسد، الذي أعلن في 2 مارس/ آذار الجاري عن استعادته السيطرة عليها من مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية"، وكان الأخير قد بسط سيطرته على المدينة للمرة الثانية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

ولم تكن سيطرة النظام على المدينة مجدداً بالأمر السهل، رغم الدعم الكبير الذي قدمته له روسيا، من مستشارين وطائرات ومساندة معلوماتية، وخسر النظام خلال حملته العسكرية لاستعادة تدمر منذ بداية العام الجاري حتى بداية شهر آذار الجاري، ما لا يقل عن 115 مقاتلاً وضابطاً من قواته والميليشيات المساندة له، بحسب ما وثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان.

تساؤلات كثيرة أثيرت حول عزم النظام السيطرة على تدمر الواقعة في منطقة صحراوية، سيما وأنه خسر معظم آبار الغاز الموجودة هناك، لكن الملاحظ أن قرار استعادة السيطرة على المدينة ليس بيد النظام بالمقام الأول، بل هو إصرار روسي بالدرجة الأولى لما تعتبره موسكو انتصار ينبغي الحفاظ عليه.

مكاسب موسكو

تعتقد روسيا أن مدينة تدمر بمثابة حجة كبرى لتشريع وجودها وعمليات القتل في سوريا، بحجة "مكافحة الإرهاب"، فالصدمة التي خلفها التنظيم عند سيطرته على المدينة وتدمير آثارها، لفت أنظار العالم إلى المدينة الآثرية، ولذلك فعندما شاركت روسيا في طرد التنظيم منها، سوقت موسكو نفسها على أنها أنقذت واحداً من أبرز المواقع الآثرية في الشرق الأوسط من أيدي الإرهابيين.

وكانت مدينة تدمر حاضرة دائماً في تصريح المسؤولين الروس عندما توجه إليهم الأسئلة عن مبررات وجودهم في سوريا واستخدام أحدث أنواع الطيران الحربي هناك.

لذلك يبدو الإصرار الروسي على ألا تخرج مدينة تدمر من دائرة نفوذ موسكو مفهوماً، لأن ذلك يوفر لها حجة القول لخداع العالم بأنها تقاتل "الإرهابيين" في سوريا الذين يشكلون خطراً حتى على أوروبا، وليس فقط المعارضة السورية.

وكان اللافت في استعادة النظام لتدمر، تبادل التصريحات بين نظام الأسد وروسيا وحول لمن يعود له "الفضل الأكبر" في السيطرة على المدينة الأثرية، فخلال محادثات جنيف 4 قال رئيس وفد النظام بشار الجعفري إن "الجيش السوري هو من أعلن تحرير تدمر، من رجس عصابات داعش، ومع ذلك فإن الحلفاء الروس الذين يقاتلون معنا نفس العدو، أيضًا هم مشاركون في الاحتفال في هذا النصر".

لكن الرد على تصريحات الجعفري لم يأت متأخراً، إذ قال قائد إدارة العمليات العامة في هيئة الأركان الروسية "سيرغي رودسكوي" إن "تحرير مدينة تدمر نُفذ تحت إشراف المستشارين الروس بشكل مباشر". وأضاف: "سلاح الجو الروسي وقوات العمليات الخاصة الروسية ساهما بشكل حاسم في استعادة المدينة من التنظيم".

فخ تدمر

ناصر عبد العزيز، مدير "مركز الدراسات والتوثيق" في مدينة تدمر، أشار في تصريح خاص لـ"السورية نت" إلى أنه لم يعد لمدينة تدمر تلك الأهمية الكبيرة، لافتاً أن النظام عندما بسط سيطرته سابقاً على تدمر، لم يتابع باتجاه منطقة السخنة، أو الرقة، بل اكتف بالسيطرة على المدينة نفسها، التي لم يعد فيها مقدرات اقتصادية مهمة تستأهل كل تلك الخسائر البشرية التي تكبدها النظام.

وأضاف أن الغاية الوحيدة من مواجهات تدمر، إبعاد شبح التنظيم عن مطار الـ "تيفور"، لكن رغم ذلك "كان التنظيم ينجح بالوصول إلى المطار"، مضيفاً: "قرار المعركة لم يكن بيد النظام بل العسكريين الروس، والمعارك اليوم تتوزع في أطراف مدينة تدمر الجنوبية والغربية، وحتى يتمكن النظام من تأمين المدينة يجب أن يسيطر على مطار تدمر ويبعد التنظيم عنه حتى يصل إلى منطقة الصوامع، وفي المرات السابقة كانت أشد المعارك في هذه المناطق وحتى الان خسائر النظام أقل من المعارك السابقة قبل الوصول إلى هذه المناطق".

وبالحديث عن خسائر النظام في معارك تدمر، قال العقيد عبد الله الفرج وهو ضابط منشق عن صفوف النظام وقيادي في الجيش الحر حالياً في شمال حمص، أن "القتال في المناطق الصحراوية خاصة في هذه الفترة من العام بحاجة إلى جنود مدربين جيداً ونحن نشاهد من خلال الصفحات الموالية صور الجنود السوريين وهم وسط الصحراء، غير مجهزين بأي معدات لازمة، وهذا الأمر يضعهم في محرقة أمام عناصر التنظيم المدربين على هذه الظروف، وهذا ما يفسر ارتفاع أعداد قتلى النظام في أي مواجهة مباشرة مع التنظيم في تلك المناطق الجبلية الصحراوية الوعرة".

ويشير العقيد إلى أن إحدى تعقيدات المعارك في تدمر، هو أن سلاح الطيران الأكثر فاعلية في المواجهات هناك، لكون سلاح المدفعية شبه مشلول، لأن القصف غالباً ما يتم دون رصد جيد للأهداف (بحكم جغرافية المنطقة)، أو لتحصن مقاتلي التنظيم في الخنادق والمغارات الموجودة في التلال.

ومن جهة أخرى، يعتمد "تنظيم الدولة" على طريقة التسلل السريع إلى أماكن تواجد قوات النظام خصوصاً التي تخرج منها قذائف المدفعية، ليدمرها بسهولة وهو ما يعتبر سبباً آخر يضاعف خسائر النظام.

وتساءل العقيد الفرج في تصريحه لـ"السورية نت" عن سبب إصرار النظام على مدينة تدمر، خاصة وأن آبار الغاز خارج المدينة، معتقداً أن قرار السيطرة على المدينة روسي بالمقام الأول.  




المصدر