الأعمال اليدوية ترسم “أفق” نساءٍ سوريّات في تركيا


 

“ليس من الضروري أن يكون معيل الأسرة من الرجال فمن الممكن أن تقوم النساء بذلك، بل والمصابات منهن، في سبيل إكمال الحياة دون الحاجة لأي أحدٍ كان”، عبارة جسدتها مجموعة من النساء السوريات في مدينة الريحانية التركية بعد اختتامهن معرضًا للأعمال اليدوية ضمن مبادرة “أفق” الخاصة بالنساء المصابات في سوريا، فقد طوت مجموعة من النساء السوريات المصابات وزوجات المصابين صفحة فعاليات معرضهن الخاص بحياكة الصوف والخياطة الأسبوع الماضي.

 

الإصابة الجسدية ملهمة

 

بدأت مبادرة “أفق” النسائية من فكرة شخصية لتتوسع وتشمل 15 امرأة مصابة من مختلف المحافظات السورية وتنتهي بافتتاح المعرض السابق. مديرة المشروع “إيمان مصري” من محافظة إدلب تحدثت لــ صدى الشام عن دافعها لخوض بهذه التجربة: “من صميم معاناتي لمست معاناة المصابات السوريات كوني مبتورة الساق اليسرى منذ عام 2015، فبعد إصابتي بــ 20 يوماً بدأ علاجي وركّبوا لي طرفًا صناعيًا وأثناء هذه الفترة ومن خلال تواصلي مع النساء المصابات فكرت بمبادرة لإطلاق منظمة لمساعدتهن وتأهيلهن لغويًا ومهنيًا، وتمكينهن من إعالة أسرهنّ بما أنهن مثلي لديهن أطفال، وأخريات لديهن أزواج مصابون أو فاقدات للزوج سواء بسبب الموت أو الاعتقال”.

ولعل تحديد الهدف قبل بدء أي مشروع هو السبب الأكبر في إنجاحه، فكيف إذا كان هذا الهدف غرضه إنساني بحت ويسعى للفائدة العامة لفئة تهمشها كل المجتمعات؟، تقول “مصري” عن ذلك :”لأنني إحدى المصابات ومعيلة لطفلين وإيمانًا مني بضرورة تغيير نظرة المجتمع للمصابات وتحييدهن عن العمل بشتى المجالات واعتبارهن لا يصلحن للعمل، فقد حددت هدفًا لنا ألا وهو دعمنا بكافة الأشكال (ماديًا، نفسيًا) خاصة بعد اهتمام معظم الجهات الداعمة بزوجات الشهداء فقط، بمعنى تمكين السيدات من المهارات ليكن قادرات على الاكتفاء الذاتي وإدارة مشاريعهن الخاصة”.

 

 

إمكانيات قليلة ومعنويات عالية

كان المعرض ثمرة عمل دام 3 أشهر، فقد سبقه تخطيط وتواصل مع عدة جهات ليتحول من ورشة صغيرة إلى معرض كبير، إذ قامت مديرة المشروع بالتواصل مع منظمة DRC لتوصل لهم فكرة أنهن قادرات على الإنجاز، وبعد أن افتتحن ورشة لحياكة الصوف والخياطة في منزل إحدى الصديقات أمدتهن المنظمة بمكنات وصوف وقماش.

“أسرار” 31 عامًا من محافظة حماة، هي زوجة مصاب تعيل 4 أطفال، أخذت دور المدربة للنساء المصابات واستمرت بتدريبهن على عمل الصوف والخياطة لمدة شهر ونصف ليبدأن الإنتاج عقبها، وتصف “أسرار” شعور النساء المصابات عندما أحسَسن أن كل واحدة منهن قادرة على الإنتاج والعطاء رغم إصابتها أو فقدها أحد أعضاء جسمها وهذا ما رفع من معنوياتهن لأنهن بتن لا ينتظرن عطفًا من أحد، وتغلبن على نظرة المجتمع القاصرة لهن.

 

 

أمل لمصابات يعشن بألم

كثير من النساء المصابات صغيرات أو متقدمات في السن دفعهن التفاؤل بمستقبل أجمل من حاضرهم للجوء إلى العمل بمنظمات نسائية أو جمعيات خيرية ولا سيما مبادرة “أفق” حتى لو كان عملهن تطوعيّاً في البداية.

وخير مثال على ذلك انضمام “سماح” 54 عامًا من محافظة إدلب للعمل ضمن المبادرة في تركيا، وقدرتها على الإنتاج رغم إصابتها وألمها.

وبالعودة لانطلاقة مبادرة “أفق” فقد بدأت كمنظمة عملها بشكل فعلي في آب 2016 عندما تمت الموافقة عليها من شبكة “آيكان” الأمريكية مع دعم مالي بسيط، تلاه تواصلُ مديرة المشروع مع 150 عائلة مصابة وتأمين عمل لثمانية من السيدات وزوجات المصابين اللاتي عملن بتصنيع الأطعمة، وترافق ذلك مع استفادة 40 سيدة من تعلم اللغة التركية عبر مرحلتين، بالإضافة إلى دورة محادثة كمرحلة ثالثة وإقامة عدد من الندوات والنشاطات لمساعدتهن على التعايش مع المجتمع المحلي وخلق شراكات وعلاقات متبادلة.

وختمت “مصري” حديثها مع صدى الشام بالإعراب عن ثقتها بأن النجاح يحتاج “لإقدام وليس لأقدام”، مؤكدةً أنهن كنساء سيوصلن أصواتّهن ويُثبتن جدارتهن متحدّين النظرة الاجتماعية التي لا ترى في المرأة المصابة إنسانة منتجة وفاعلة.



صدى الشام