“البالة” تحتلّ المناطق المحررة على حساب “الجديد”


ما بين محل تجاري وآخر هناك محل أو “بسطات” صغيرة خاصة بالألبسة الأوروبية المستعملة في الأسواق، حتى في الطرقات بين الأحياء السكنية تتوزع عدة محلات لتلك البضاعة، هذا ما طرأ على ملامح الأسواق في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد عموماً بعدما ازدهر بيع تلك الألبسة “البالات” بشكل كبير.

 

قفزة نوعية

قبل اندلاع الثورة السورية اقتصرت تجارة “البالة” على بعض المحلات التجارية في الأسواق أو على عدة تجار ينقلون بضائعهم من بازار شعبي إلى آخر بين المدن والبلدات القريبة منهم، بسبب منع استيرادها بشكل نظامي وملاحقة تجارها من قبل المديرية العامة للجمارك على اعتبار أن بضاعتها تدخل البلاد تهريباً من جهة ولأنها تضر بالصناعة الوطنية من جهة أخرى ولأسباب صحية أيضًا.

فيما بعد، وعقب خروج معظم المناطق الحدودية مع تركيا من يد نظام الأسد، ومع غياب الرقابة التي كانت مفروضة من عدة جهات رسمية تتحكم بدخول وخروج الصادرات والواردات من البضائع إلى تركيا، انتشرت ظاهرة تهريب الألبسة الأوربية للداخل السوري على غير المعتاد.

 

 

من بلجيكا إلى سرمدا

من جهة ثانية أصبح إيصال البضائع “الجديدة” من مناطق سيطرة النظام إلى المناطق المحررة تكتنفه صعوبات، حتى أن كميات كبيرة من هذه البضائع صار يتم حجزها على حواجز النظام ليتم دفع مبالغ مالية لاستردادها، هذا كله تسبب بارتفاع أسعارها بشكل جنوني، وبالتالي بات الإقبال عليها ضعيفًا جدًا فلجأ غالبية سكان المناطق المحررة إلى شراء الألبسة المستعملة باستمرار كونها أوفر ماديًا وأكثر جودة عمليًا.

يقول “أبو محمد” تاجر ألبسة أوربية في مدينة إدلب لــ صدى الشام: “يتم جلب الألبسة المستعملة من تركيا إلى سوريا بشكل نظامي، وبالنسبة لي أنا أحضر بضاعتي عبر منطقة سرمدا الحدودية، وهذه البضائع مصدرها بلجيكا وأشتريها وزنًا بالكيلو من التاجر ثم أبيعها بالمفرق لزبائني”.

 

ميزات

تتنافس البالة مع البضائع الجديدة فأسعارها تتناسب مع جميع فئات المجتمع وبذلك تبدلت النظرة القديمة القائلة إن البالة حكر على الفقراء وإن الأغنياء لا تسمح لهم مكانتهم الاجتماعية باقتنائها أو حتى الوقوف أمام محلاتها، لتصبح “البالة” بشتى أنواعها مطلباً يفي بغرض الجميع خاصة  مع الأوضاع الاقتصادية المتردية والأمنية غير المستقرة.

“أبو عامر” من ريف حلب الجنوبي والنازح إلى ريف إدلب كان قد خرج مع عائلته من منزلهم دون اصطحاب حقائب ملابسهم بعد استهداف بيتهم من قبل الطائرات الحربية، لذا فقد وجدوا في “البالة” لاحقاً ملاذاً وحيداً لهم لشراء ملابس تقيهم برد الشتاء وبأقل الأسعار.

وتتراوح أسعار الألبسة الأوربية إذا ما تم بيعها بالمفرق بين 100 ل.س و 1500 كحد وسطي، بينما وعبر البيع بالوزان فإن الكيلو يبدأ من 2000 إلى 4 آلاف بحسب الفصل صيفًا أو شتاءً.

 

بضائع متنوعة

وكما تفاوتت أنواع البالة من نخب من أول إلى رابع، فقد ظهرت أنواع أخرى منها لم تعد وقفاً على الألبسة والأحذية والحقائب إنما اتسعت رقعة المبيعات في تلك المحلات لتشمل الألعاب، وبعض الأدوات المنزلية والكهربائية والأثاث.

هذه البضائع تلبي مختلف الحاجات كما يرى حسام من ريف إدلب، فهو يتردد باستمرار على محلات “البالة” في قريته، ويضيف :”أصبح باب الشراء مفتوحًا للجميع ومن بينهم أصحاب المكانة الاجتماعية كونهم يجدون بها منتجات وكالات عالمية لا تتوفر في مناطقنا، ومنها ما هو جديد غير مستعمل تكون قد صفّته شركات أجنبية لأنه بات موضة قديمة”.

وبينما يجدون أفضل لعبة للأطفال بسعر 1000 ل.س أو 2000 كحد أقصى في “البالة” فإن سعر القطعة نفسها أو حتى الأقل جودة منها -إن كانت جديدة- يبلغ أكثر من 5000 ل.س، والأمر ذاته ينطبق على كل ما يتم بيعه في محلات المستعمل.

 

بين الربح والخسارة

كغيره من أشكال التجارة فإن بيع الألبسة الأوربية المستعملة تواجهه مشكلات ومصاعب عدة، وعليه فإنه لا بد لتجّاره أن يربحوا حيناً ويعانوا من الخسارة حيناً آخر.

ظروف هذه الخسائر يشرحها تاجر الألبسة الأوروبية المستعملة في مدينة إدلب “أبو محمد”، ذلك أن ربحه الصافي يبلغ نحو 30%، كما يقول، “أما عن سبب خسارتي أنا وباقي التجار أحياناً فهي تعود لغش البضاعة داخل الأكياس المختومة والتي لا نستطع فتحها إلا بعد شرائها، فمثلًا يقولون لنا هذا نخب أول وإذا بنا نتفاجأ برداءتها”.

وإلى جانب ذلك فإن هناك ارتفاعاً في أجور النقل من مصدر البضائع “سرمدا” إلى الأسواق وصولاً للمحلات التجارية، فضلًا عن غلاء إيجارات المحلات خاصةً في مراكز المدن، ليتعدى إيجار بعضها 70 ألف ل.س.

 

 

حل ومشكلة في آن واحد

 لعلّ “البالة” ساهمت بالتخفيف من حدة تأثيرات الوضع الاقتصادي المتردي لمعظم سكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، إلا أنها أفرزت مشكلة للتجار القدامى الذين يشترون البضائع “الجديدة”.

لذلك فقد عانى التاجر “أبو مصطفى”، الذي يملك محلاً لبيع الألبسة الجديدة في مدينة إدلب، من كساد بضائعه في غالبية أشهر السنة باستثناء بعض المواسم التي تعيد لمحلاتهم زبائنها كالأعياد وافتتاح المدارس، وذلك على خلفية الانتشار الكبير لمحلات البالة في الأسواق وبين الأحياء سواء في البلدات الصغيرة أو المدن، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الوجه الآخر لـ “المستعمل” الذي وكما شكّل حلاً لجزء كبير من الناس فإنه أصبح مشكلة لآخرين.

 



صدى الشام