الصراع على منبج.. هكذا رسمت المدينة شكل التحالفات بالشمال السوري.. والرقة هدف جميع الأطراف
8 مارس، 2017
يطغى اسم مدينة منبج في ريف حلب الشرقي شمالي سوريا على الساحات السورية والإقليمية والدولية، منذ أن أصبحت نقطة صراع بين فصائل الجيش السوري الحر المنضوية تحت قوات “درع الفرات” من جهة، وقوات نظام بشار الأسد وميليشيات “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي الجناح السوري لمنظمة “بي كي كي” الإرهابية، من جهة ثانية.
ويعمل كل من النظام السوري والميليشيات الكردية على منع تقدم فصائل “درع الفرات” باتجاه منبج، بعد أن سيطرت فصائل المعارضة على مدينة الباب شرقي حلب، بدعم من القوات المسلحة التركية، عقب معارك ضارية وطويلة مع تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وتسعى فصائل “درع الفرات” إلى السيطرة على منبج، باعتبارها بوابة الوصول إلى مدينة الرقة شرق سوريا، التي يتخذها “تنظيم الدولة” عاصمة له منذ عام 2014.
وقبل أيام، أعلن “المجلس العسكري لمنبج وريفها”، المنضوي في ميليشيا قوات “سوريا الديمقراطية” التي تمثل القوات الكردية النسبة الأكبر فيها، عن تسليم خط التماس مع فصائل “درع الفرات” غرب منبج إلى قوات النظام، وهو ما أكدته روسيا، الداعم العسكري والسياسي للأسد.
إدارة محلية ناجحة
منبج تقع في الشمال السوري، وتبعد عن مدينة حلب 90 كم تجاه الشمال الشرقي، بينما تبعد عن الحدود التركية 35 كم، ويفصلها عن نهر الفرات 40 كم من جهة الغرب.
وتبلغ مساحة المدينة حوالي 100 كيلو متر مربع، أما عدد سكانها، ووفق إحصاء 2014، فيبلغ قرابة 600 ألف نسمة، معظمهم من العرب بنسبة تتجاوز 90%، إضافة إلى مكونات أخرى، مثل الكرد والتركمان والشركس، وقد تعايشوا مع بعضهم البعض على مر التاريخ بسلام.
وعايشت منبج، وهي ثاني أكبر مدن محافظة حلب، مختلف التقلبات التي شهدتها سوريا منذ اندلاع الاحتجاجات في مارس/ آذار 2011، حيث شاركت في الحراك الشعبي ضد نظام الأسد.
وسيطرت قوات المعارضة السورية على المدينة، في 17 يوليو/ تموز 2012، وتمت إدارتها من قبل سكانها عبر مجلس محلي، فشكلت نموذجا ناجحا للمناطق التي أدارتها المعارضة السورية.
واستمر الوضع حتى مارس/ آذار 2013، حيث بدأ “تنظيم الدولة” في غزو المنطقة فكرياً، إلى أن أتم سيطرته عليها بالسلاح في يناير/ كانون الثاني من العام التالي، لتمثل أول نقطة لتغيير وجه المدينة والمنطقة، التي ضمت آلاف الأسر النازحة من قصف النظام لمختلف المناطق السورية.
الميليشيات الكردية
وبعد أكثر من عام من سيطرة التنظيم على منبج، أطلقت ما ميليشيا قوات “سوريا الديمقراطية” عملية باتجاه منبج، في 31 مايو/ أيار 2015، بدعم جوي وبري ضخم من التحالف الدولي ضد التنظيم، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وهدفت الميليشيات الكردية من هذه العملية إلى ربط طرفي نهر الفرات الغربي والشرقي وبسط نفوذه عليهما، وبالتالي السيطرة على مسافة تمتد على طول الحدود السورية – التركية، من محافظة الحسكة (شمالي سوريا) شرقاً إلى منبج غرباً، ومن ثم التقدم في ريف حلب الشمالي حتى مدينة عفرين.
وبالفعل، تمكنت هذه القوات، بقيادة الميليشيات الكردية، من إحكام السيطرة على منبج، في أغسطس/ آب الماضي، غير أن عملية “درع الفرات”، التي انطلقت في الشهر ذاته وسيطرت على مساحات واسعة في ريفي حلب الشمالي والشرقي بهدف تأمين الحدود السورية مع تركيا، شكلت سدا أمام مخطط الميليشيات، وحالت دون أن تواصل تقدمها باتجاه عفرين.
و”تسببت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على منبج في حركة نزوح كبيرة لأهالي المنتمين إلى الجيش السوري الحر”، وفق ما صرح به لوكالة الأناضول النقيب المهندس سعد الدين أبو الحزم، قائد اللواء الأول التابع لــ”فيلق الشام”، أحد أبرز فصائل “درع الفرات”.
أبو الحزم أوضح أن “أهالي منبج الذين هُجِّروا منذ ثلاث سنوات ونصف، إثر سيطرة داعش على المدينة، متوزعين حالياً بين مدينة إعزاز وريفها وجرابلس، وينتظرون لحظة تحريرها من ميليشيات ب ي د من أجل العودة إلى مدينتهم”.
وعود أمريكية دون تنفيذ
ورغم الوعود التي حصلت عليها تركيا من الولايات المتحدة الأمريكية بخروج مقاتلي الميليشيات الكردية من منبج بعد طرد “تنظيم الدولة” من المدينة، إلا أن تلك الوعود لم تنفذ، ولا يزال الآلاف من مقاتلي المنظمة ينتشرون في منبج وريفها أمام أعين القوات الأمريكية، التي زادت مؤخراً من وجودها، وتمركزت في بعض نقاط التماس مع فصائل الجيش السوري الحر، لتنضم بذلك على ما يبدو إلى الجهات التي تعمل على منع تقدم “درع الفرات” باتجاه المدينة.
ومنذ سيطرتها على منبج مارست الميليشيات الكردية مختلف الأعمال، لترسيخ وجودها في المدينة، ومنها إدعائها تسليم إدارة منبج إلى العرب، في حين أنها هي المسيطرة فعليا على المدينة.
كما عمدت المنظمة إلى رفع العلم الأمريكي في بعض مناطق منبج، للإيحاء بوجود قوات أمريكية في المدينة، والاحتماء بها ضد أي هجوم محتمل. كذلك أصدرت الميليشيات الكردية بطاقات هوية ممهورة بختمها، ومنحتها لسكان منبج، في خطوة نحو شرعنة وجودها في المدينة، التي تسيطر عليها بقوة السلاح.
الطريق إلى معقل التنظيم
ووفق قياديين في الجيش السوري الحر من أبناء منبج، فإن للمدينة أهمية في المعركة القادمة باتجاه معقل “تنظيم الدولة” الرئيس في الرقة.
وقال العقيد هيثم العفسي، قائد الفرفة 51، أحد تشكيلات الجيش الحر المشارك في “درع الفرات”، إن “دخول الرقة يكون من أحد محورين، إما من تل أبيض أو من منبج حصراً، فهناك طريق ثالث من دير حافر لكنه تحت سيطرة داعش، وسيضطرنا إلى المرور في مناطق يسيطر عليها النظام السوري”.
في حين قال النقيب أبو الحزم إن “منبج ترتبط مع الرقة بحدود طويلة، حيث تمتد من مسكنة (شمال شرق) وريفها إلى مدينة الطبقة، وهي بوابة الوصول إلى الرقة، فضلا عن امتداد غاية في الأهمية، وهو الامتداد السكاني العشائري بين منبج والرقة”.
وعقب تحرير مدينة الباب السورية على أيدي قوات “درع الفرات”، سارع كل من النظام والميليشيات الكردية إلى إغلاق الطريق باتجاه مدينة الرقة، وظهر التعاون الوثيق بين الطرفين، في محاولة لفرملة تقدم “درع الفرات” نحو منبج بغرض السيطرة عليها.
[sociallocker] [/sociallocker]