رفقاً بالقوارير… أين أصبحت المرأة السورية في حربٍ لم ترحم أنوثتها؟


طارق الضحيك: المصدر

شهد المجتمع السوري ظروفاً قاسيةً من الاضطهاد والقمع والتمييز من قبل النظام قبل الثورة، وقد وصفت هذه المرحلة بأنها الأسوأ في تاريخ سوريا، إلا أن تصرفات النظام بعد الثورة أصبحت أكثر تغطرساً وطغيانا، وانعكس هذا الأمر بسلبياته كلها على المرأة السورية التي لاقت أسوأ أنواع المعاملة.

وقد أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً عن الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة السورية منذ انطلاق الحراك الشعبي في البلاد في مارس 2011، وأوضح هذا التقرير، الذي حمل عنوان “جرف الياسمين”، أن قوات النظام قتلت ما لا يقل عن 18457 امرأة منذ مارس 2011، عبر عمليات القصف العشوائي بالصواريخ، والمدفعية، والقنابل العنقودية، والغازات السامة، وصولاً إلى عمليات الذبح بالسلاح الأبيض.

ووثقت الشبكة حوالي 6580 حالة اعتقال تعسفي تعرضت لها المرأة السورية منذ بدء الحراك الشعبي، بينهن ما لا يقل عن 225 حالة دون سن الـ 18، وتقدر الشبكة أن هناك ما لا يقل عن 2500 امرأة ما زلن قيد الاحتجاز حتى الآن، بينهن ما لا يقل عن 450 حالة في عداد المختفيات قسريًا، تُنكر قوات النظام احتجازهن لديها.

كما تحدث التقرير عن ارتكاب قوات النظام ما لا يقل عن 7500 حادثة عنف جنسي، بينهن قرابة 850 حادثة حصلت داخل مراكز الاحتجاز، وأيضاً بينهن ما لا يقل عن 400 حالة عنف جنسي لفتيات هن دون سن الـ 18.

كل هذه الجرائم نفذتها قوات النظام منفردة، ما عدا الجرائم التي وثقها التقرير عن انتهاكات نفذها تنظيم “داعش” أو ميليشيات مسلحة تابعة للمعارضة أو الأكراد، وتمتد هذه المعاناة نحو المخيمات ومراكز إيواء النازحين، حيث دفعت الظروف الاقتصادية السيئة سيدات سوريات في الدول المضيفة للتوجه إلى سوق العمل، تحت ظروف صعبة وانتهاكات وظروف سيئة، بعد أن فقدن أزواجهن وآبائهن في الحرب، حيث تمثل نسبة النساء في مخيمات اللجوء داخل سوريا وخارجها 65 في المئة.

وفي جانب آخر تم استغلال الفوضى والحاجة والفاقة التي فرضتها ظروف الحرب، فقام النظام باستغلال الفتيات وتطويعهن في الميليشيات الموالية له كمقاتلات وحارسات وعاملات في الأجهزة الأمنية، وتم استغلالهن كوسيلة إعلامية مهمة أمام الرأي العام الغربي لتقديمهن كمؤشر على علمانية النظام، وهذا ما فعلته الميليشيات الكردية التي فرضت انضمام الفتيات إلى صفوفها واستغلالهن عسكريا وإعلامياً بصورة مجحفة.

لكن ماذا عن الجانب الإيجابي، وهل هذه الصورة المأساوية هي الصورة الوحيدة الموجودة في سوريا، وكيف أثّرت الحرب التي لم ترحم أنوثة المرأة ونعومة أظافر أبنائها؟

بصورة عامة أحدثت الحرب الدائرة أزمة واسعة في المجتمع السوري، إلا أن مساحة من الأمل يمكن أن نراها بوضوح في الداخل حيث تسيطر كتائب الثوار، وتحكم عدة مناطق في محافظة حمص.

“ندى” 27 عاما، من ريف حمص الشمالي، تحدثت لـ “المصدر” عن أحوال النساء في هذه المنطقة التي تسيطر عليها كتائب الثوار بشكل مباشر منذ 2012 وإلى الآن.

وقالت “ندى” إنه بالرغم من ظروف الحرب القاهرة وانتشار الفوضى وعدة مجموعات مقاتلة في المنطقة، لدى النساء هنا مساحة من الحرية، ولم تفرض القوات المسيطرة على المنطقة قوانين خاصة أو لباس معين واكتفت بالالتزام بثقافة المجتمع.

وأشارت إلى أنه في المرحلة السلمية من الثورة كانت فرص المشاركة في الحراك واسعاً جداً، إلا دخول الثورة مرحلة السلاح قللت من هذه الفرص، وأصبحت مشاركة الفتيات تقتصر على التطوع كممرضات في المستشفيات أو مشاركات في المجالات الإغاثية والإنسانية.

العنف الأسري

تعتبر حالات العنف الأسري ظاهرة متدنية ويقابلها المجتمع بسلبية شديدة، بل إن الأعراف لم تعد تتقبل هذه التصرفات خاصة مع ظهور نضج عام بدا واضحاً مع بداية الثورة، ورغم تدني الحالة الاجتماعية وظهور الفقر بشكل أكبر في المجتمع السوري، فإن هذه الظاهرة محاصرة بسبب التوعية التي يتم نشرها بعدة طرق، أهمها رجال الدين الذين يحذرون من التعامل الفظ مع النساء وينكرون دائماً تصرفات التنظيمات المتطرفة في المناطق التي يسيطرون عليها.

التعليم والدراسة

“سلمى” (22 عاما)، من ريف حمص الشمالي، تحدثت لـ “المصدر” عن تجربتها الدراسية، فقالت: “يقوم المسؤولون عن التعليم بمساعدتنا عبر افتتاح مراكز التعليم وتأمين المدارس والكتب والمقررات الدراسية والعمل على افتتاح الدورات، ويقتصر التدخل والمضايقات على أعمال فردية لا تلبث أن تتوقف عندما تلقى ردود فعل جادة”.

وأضافت “وبسبب الحواجز المنتشرة في محيط منطقتنا والتي تفرض حصاراً كاملا، أصبح التحصيل العلمي مقتصراً على المناطق التي يسيطر عليها النظام، وإذا أردت أن أحصل على الشهادة الثانوية لابد أن أعبر هذه الحواجز لتقديم الامتحانات ثم العودة إلى منزلي في المناطق المحررة، وخلال الامتحانات تقوم قوات النظام بفتح معابر خاصة بالطلاب مما يسمح لهم بالعبور ثم العودة تحت خطر الاعتقال والمضايقات، لذلك تقوم بعض المجموعات المقاتلة التي تسيطر على ريف حمص الشمالي بتوجيه تحذيرات وتنبيهات لخطر الخروج نحو مناطق النظام، إلا أنهم لا يقدمون على منعنا بشكل قسري، وفي الحالة الوحيدة التي قامت بها مجموعة من الشبان بإيقاف مجموعة من الطلاب قامت المحاكم القضائية بمنعهم وتركت حرية الاختيار للطلاب، وبالفعل تمت مضايقتنا على حواجز النظام وتم اعتقال عدد من الطلاب”.

الاعتقال والخطف

ولم يسجل في مناطق الثوار بريف حمص الشمالي أعمال اختطاف بحق نساء أو فتيات لأي سبب، وتعتبر هذه التصرفات جريمة نكراء من وجهة نظر المجتمع الذي يلفظ الفاعل ويدينه، كما أنه يتعرض للانتقام والعقاب من قبل أطراف عدة بدءاً من الأفراد وانتهاءً بالمجموعات المقاتلة التي تهدر دمه.

إلا أنه تم تسجيل حالات اعتقال علني ثم إعدام عن طريق الفصائل التي تسيطر على المنطقة، وهذه الإعدامات تتم بعد محاكمات مطوّلة وجلسات تحقيق يشرف عليها وجهاء المنطقة وتكون التهمة الموجهة في معظم الحالات التخابر والتعامل مع النظام وتزويده بإحداثيات تتعلق بالضربات الجوية.

أعمارٌ متدنية للمتزوجات

وتتفاوت أعمار الزواج في المناطق المحررة، ولكنها بصورة مجملة تدنت عن السابق، تهتم الهيئات المتواجدة في المنطقة على تسجيل عقود الزواج وتصديقها وإصدار أوراق ثبوتية، ويلاقي الزواج تشجيعاً وتسهيلاً من قبل الأهالي رغم الظروف الصعبة التي يلاقيها الشباب الذين يلتحق نسبة واسعة منهم بالفصائل المقاتلة، ويتم الرجوع إلى الفتاة وسؤالها عن رأيها في الخاطب، وتعد حالات الإكراه قليلة.

في ميدان العمل

وتشارك النساء في القطاعين الطبي والتعليمي بشكل واسع، ويعملن في التجارة بشكل أقل، وتلقى هذه المشاركة ترحيباً من قبل المجتمع الذي لا يرى ضيراً في ذلك طالما تريد المرأة ذلك، وبما أن المنطقة تساعد على الإنتاج الزراعي تقوم عدة نساء باستثمار ذلك والعمل في المزارع مما يؤمن لهن ولعائلاتهن عائداً مالياً يسد رمقهم.

ويبدو أن طريق النساء السوريات لتحقيق استقلاليتهن وحريتهن صعب ومحفوف بالمخاطر، إلا أنه مع اصطفاف المجتمع السوري إلى جانب قضاياهن العادلة، ومع وجود مساحة من الأمل كالمساحة الموجودة في الداخل السوري حيث تتحرك الفعاليات لمساعدة المرأة السورية على تحقيق ذاتها رغم أهوال الحرب والظروف شديدة القسوة، يستدعي مزيداً من المساعدة وإبراز الجانب الإيجابي لدور هذه الفعاليات وتصرفاتها.





المصدر