روسيا وسياسة العصا والجزرة مع الوعر.. قصة المفاوضات التي أفرغت مدينة حمص من المعارضة
12 آذار (مارس)، 2017
من المقرر أن يوقع، اليوم الأحد، اتفاق بين فصائل المعارضة السورية في حي الوعر المحاصر بمدينة حمص، ونظام بشار الأسد، لترتيب خروج مقاتلي المعارضة والأهالي إلى 3 مناطق متوقعة هي إدلب، ومدينة جرابلس بريف حلب، وريف حمص الشمالي.
ولم تحسم حتى الآن النقطة المتعلقة بانتقال المقاتلين والمدنيين إلى جرابلس، حيث يرفض النظام توجههم إلى هناك، مع إصراره على انتقالهم إلى محافظة إدلب شمال سوريا.
وبذلك تكون قد طويت صفحة واحد من أكثر الأحياء التي تعرضت للقصف والحصار في مدينة حمص من قبل نظام الأسد وميليشياته ومن ورائه روسيا، بعد محاولات كثيرة لدخول الحي عسكرياً وجميعها باءت بالفشل، ليبقى التساؤل عن كيف وصلت الأمور بالحي إلى ما هي عليه الآن، وكيف حسمت “المفاوضات” مصيره، لتبقى مدينة حمص بلا مناطق للمعارضة.
تعد روسيا اللاعب الأساسي في الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين النظام والمعارضة لخروج الأخيرة من الوعر، واتبعت موسكو عبر مسؤوليها الموجودين في سوريا سياسة “العصا والجزرة” لتحقيق هدفها وهدف النظام في تهجير سكان الحي، استكمالاً لمشروع التهجير الكبير الذي يعمل الطرفان بمشاركة إيرانية أيضاً على المضي به في سوريا.
ترغيب وترهيب
ويشير مراسل “السورية نت” في حمص، يعرب الدالي، إلى أن قرار الروس في الدخول بمفاوضات مع حي الوعر جاء بعد قناعة تولدت بأن دخول الحي عبر الحسم العسكري أمر صعب ومكلف، رغم المجازر التي ارتكبتها روسيا والأسد ومحاولتهما إحراج فصائل المعارضة بتحميلها مسؤولية “فاتورة الضحايا الكبيرة من المدنيين الذين ماتوا أو أصيبوا في القصف”.
منذ بداية العام 2016 اتخذ قرار بالمضي في خط المفاوضات، وتقرر ذلك في اجتماع للجنة الأمنية (التي تضم فروعاً أمنية تابعة للنظام) في حمص. ويشير مراسلنا أن النظام انخرط في المفاوضات بناءً على طلب من روسيا، سيما مع فشله بالتقدم عسكرياً نهاية عام 2015، مدعوماً بسلاح الجو الروسي، حيث شنت الطائرات 500 طلعة جوية خلال 3 أشهر، وإغلاق للمعابر في محاولة لخنق المدنيين، وبالتزامن مع إصرار النظام على عرقلة وصول المساعدات للمنكوبين في الحي.
سياسة الروس مع حي الوعر كانت واضحة للغاية، فمن جهة إيهام بالتعاون وتخفيف المعاناة عن المدنيين، ومن جهة أخرى قصف وتدمير لإرغام المعارضة على المفاوضات.
ويقول الدالي إن أول ما فعله الروس حينها أنهم سمحوا بإدخال مواد غذائية إلى الريف الشمالي لحمص، وحي الوعر، مقابل قبول المعارضة بالجلوس مع الروس للبدء في المفاوضات.
وفي هذا السياق، قال أحد أعضاء “المحكمة الشرعية العليا” في ريف حمص الشمالي لـ”السورية نت” – طالباً عدم ذكر اسمه – أن من “بدأ المفاوضات مع المعارضة هم الروس، من خلال الأمن العسكري”، مشيراً أن من نصب نفسه في البداية للقيام بالمفاوضات نيابة عن المعارضة “كان بعض سكان مدن الريف وحي الوعر ممن لازالوا موظفين في بلديات النظام أو مجلس محافظة حمص، ومن خلال علاقاتهم مع طلال برازي محافظة حمص وبعض الرموز من داخل النظام وكان هؤلاء بشكل دائم يقدمون عروضاً للمعارضة حول هدن ومصالحات”.
وتعد “المحكمة الشرعية العليا” وهي الجهة الأعلى سلطة في حمص وريفها في إدارة ملف التفاوض مع النظام، بالتنسيق مع باقي الجهات العسكرية والمدنية.
ويضيف المصدر أن “المحكمة العليا وبالتنسيق مع باقي الجهات، قررت أن تدير ملف التفاوض مع النظام انطلاقاً من تدهور الوضع المعيشي للسكان، ومن جهة أخرى كي لا تظهر المعارضة أنها مفككة ويستغل النظام بعض الأشخاص والجهات كي يوقع معهم اتفاقيات جانبية قد تضر المنطقة، مستغلاً الوضع المعيشي السيئ للسكان خلال الحصار، خاصة وأنه بدأت تتكشف بعض الاتصالات السرية من جهات وأشخاص مع الروس والنظام”.
ووفقاً لمعلومات حصلت عليها “السورية نت” من أشخاص في وفد المعارضة، فإن “حسن دعبول رئيس فرع الأمن العسكري السابق (الذي قتل بهجوم الشهر الماضي في حمص) هو من قدم خطة المفاوضات مع مناطق المعارضة ضمن اجتماع اللجنة الأمنية في حمص”.
وعلل دعبول ذلك بأن “اقتحام مناطق المعارضة عسكرياً سوف يكون مكلفاً جداً للنظام، وأن حصارها ليس بالأمر اليسير، لكونها مناطق زراعية واسعة”.
التطور الملفت في سير المفاوضات، كان عندما التقت شخصيات من طرف المعارضة مع ضباط روس، أبدوا استعداداً كبيراً لتقديم التسهيلات، لكن الهدف منها المراوغة وإيهام المعارضة بأن موسكو “جادة” في إنهاء أزمة الوعر، للوصول إلى الهدف النهائي بتهجير سكانه وإخراجه من معادلة المواجهة لتخفيف العبء عن النظام في حمص.
ولتحقيق ذلك، يشير مراسل “السورية نت” إلى أن مسؤولين روس عملوا على فتح معابر إلى الوعر والريف الشمالي لإدخال مواد غذائية بشكل يومي، كما توقفت الغارات الروسية عن مناطق المعارضة، لكن في ذات الوقت صعد النظام من قصفه على مناطق الريف كي تبقى سياسة “العصا والجزرة”.
التهجير هدف أساسي
ويكشف جلال التلاوي وهو ناشط إعلامي من حي الوعر، بعض التفاصيل عن المفاوضات الأخيرة مع الروس والتبدل في موقفهم، مشيراً أنه “تم عقد لقاء بين وفد الروس متمثلاً بالجنرال غريغور شخصياً وهو قائد مركز حميميم للمصالحات الوطنية السورية”، مضيفاً: “كان اللقاء مختلفاً تماماً عن توقعات المعارضة، فقد اعتادوا من الوسطاء أن تكون لهجة الروس رقيقة معهم، لكن هذه المرة كان غريغور غاضب جداً حتى أنه قام بتكسير طاولة الإجتماع وتهديد سكان الوعر بأنه إذا لم يقبلوا بإخلاء الحي خلال أيام قليلة سوف يقوم الطيران السوري والروسي بقصف الحي وبشكل عنيف”.
ويشير التلاوي أن وفد المعارضة انسحب من الاجتماع غير مهتم بالتهديد، وأكد للجنرال الروسي أنه إذا لم يقبل الروس بشروطهم لن يخرجوا من الحي حتى إذا تهدم فوق ساكنيه.
ويتابع الناشط أنه “بعد ذلك تدخل العميد ديب زيتونة مدير شعبة المخابرات العامة وتصدر هو مشهد المفاوضات مع المعارضة لحل الخلاف؟”، إلا أن تم التوصل إلى الاتفاق المتوقع توقيعه اليوم.
ويتضمن الاتفاق المبدئي على خروج من يرغب من الحي على دفعات، وبضمان روسي، على أن تكون كل أسبوع دفعة بحوالي ١٥٠٠ شخص. كما ينص على تسوية أوضاع من يرغب بالبقاء تحت “بند العودة لحضن الوطن”، بعد ستة أيام من توقيع الاتفاق، في حين يبقى نحو 300 مسلح لضمان أمن الحي، ويكون تنسيقهم مع قوات النظام، في حين تضمن الأخيرة فتح الطريق لعودة أهالي الوعر وخروج الموظفين والطلاب وإدخال الطعام ومستلزمات الحي.
وبحسب الناشط التلاوي فإن الجنرال الروسي غريغور أشار إلى الدور الإيراني في تعطيل المفاوضات طيلة عام ونص، وقال إن الجنرال “عندما كان غاضباً توجه بالصراخ على الوفد المفاوض وقال إن الروس أصبحوا هم مسيطرين على الإيرانيين والنظام معاً، وأنه ليس هناك أي سبب للخوف”.
وتعهد غريغور بأنه “إذا تطلب الأمر سوف يدخل كتيبة روسية كاملة إلى حي الوعر لحماية من يبقى من السكان”، وفقاً لما ذكرته مصادر من وفد المعارضة.
وكانت الميليشيات الشيعية قد أدت في مرات كثيرة لتعطيل محاولات التهدئة في حي الوعر بين النظام والمعارضة، كما منعت مرات عدة إدخال المساعدات للحي المنكوب، فيما بدا حينها أنه خلاف إيراني روسي قائم على طرف يفضل الخيار العسكري وآخر المفاوضات لترتيب تهجير سكان الحي.
ويشار إلى أن النظام قد توصل في سبتمبر/ أيلول 2016 إلى اتفاق يقضي بخروج مئات المقاتلين من المعارضة في حي الوعر، مقابل كشفه عن مصير معتقلين طالبت بهم المعارضة ووصل عددهم لقرابة 7 آلاف.
ويعيش في حي الوعر المحاصر نحو 50 ألف نسمة، وهم محاصرون منذ قرابة 4 سنوات، وسط حملات عسكرية قصف ضد مناطقهم أدت إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.
[sociallocker] [/sociallocker]