‘في ضبط الكراهية: دمشق اليوم’

13 آذار (مارس)، 2017
4 minutes

لينا سنجاب

في دمشق طبقات من الحياة. حيوات متوازية وغير متقاطعة. وجوه لا تنتمي الى المكان، بل تستوطنه عنوةً، وأخرى جرفها طوفان الحرب لتستقر في مآوٍ لا تشبهها، ولا تشبه حياتها السابقة.

في دمشق، خطوط خفية ترسم مآلات الناس وانتماءاتهم. ثمة رائحة ما زالت تذكّرنا بالمدينة التي كانت. ثمة جدران وأرصفة وأبنية. ثمة وجوه آثرت ان تتشبث بجذورها، على رغم غربتها في مدينتها.

انقسامات السوريين لم ترسمها حدود الحرب فقط. طالما كانت هناك شروخ مخفية قبل الثورة وأصبحت الآن جلية المعالم. مخفية كانت حياة السجون على معظم سكان دمشق التي تعج بالحياة و «التمدن»، كما يراهما قاطنوها. المدينة التي يعشقها السياح ويعجب صحافيون غربيون بحاناتها وقوة نسائها «المتحررات». مخفية حكايا الأحياء الشعبية الفقيرة، لا مقاهي فاخرة فيها ولا أولادها يحظون بفرص عمل وحياة كما سكان المدينة. هي قبلة السوريين يأتونها من كل البقاع، من سورية المنسية اقتصادياً واجتماعياً، لتصب خيراتها في يد نخبة صغيرة تقطن بيوتاً فاخرة في العاصمة.

الانقسامات في سورية الآن، بعد ستة أعوام من الثورة، لم تعد بين فقير وغني، متنفذ وضعيف، رجل سلطة ومواطن عادي. لم تعد بين الشمال والجنوب، او مركز المدينة وريفها، بين منطقة نظام ومنطقة محاصرة. الانقسامات باتت تحيط بنا اينما نظرنا.

دمشق العاصمة، التي تنعم بأمان عززته القوات النظامية، كدرس منها لمناطق خرجت عن سيطرتها فدفّعها النظام ثمناً من القصف والدمار والتهجير، باتت شاحبة بحزنها وتفتيتها.

لا يعلم رواد البارات بامرأة تعبر الحواجز يومياً لتهرّب الطعام الى مناطق محاصرة على بعد كيلومترات. يصل الطعام الى بلدات جائعة باسعار مضاعفة، تدفع هي للحارس على الحاجز وللسائق أتاوات حتى تصل حصص من الطعام قد تسد رمق بعض الأسر القادرة على دفع ثمن الطعام أضعافاً مضاعفة.

تتغاضى السلطة عن أمراء الحرب الذين تحولوا الى متنفذين في مناطقهم وتحولوا الى «سلاطين» يحكمون من حولهم. كل شارع وكل حي له أمير يتحكم به. «المنفوش» اسم ذو نفوذ يأتي بالعلف الى دوما المحاصرة في غوطة دمشق ويوصل البانها واجبانها الى قلب العاصمة بينما اهلها محاصرون.

في البناء عينه، عائلة تصدح بالصوت العالي لقربها من السلطة وعائلة تهمس خوفها وهي تبحث عن ابنها المعتقل وتبيع كل ما تملك لتدفع مئات الآلاف لمن يعدها بإيجاده او إطلاق سراحه. في غالب الأمر، يكون قد دفن كمجهول في مقبرة ما او تعفنت جثته على قارعة طريق او ربما في معتقل.

ازداد عدد السيارات الفاخرة التي تطوف الأحياء باستعراض للقوة وتصدح بأغانٍ طائفية غريبة عن أهل المدينة وإرثهم. في الوقت ذاته، تزداد وجوه اخرى شحوباً ونحولاً.

باتت عاصمة «قلب العروبة النابض» ملونة بألوان دول تريد لنظامها البقاء. بعض رواد البارات يحتسون الفودكا وهم يرفعون نخب القيصر، ورواد المزارات يطوفون بأناشيد تهتف لولاية الفقيه، بينما تستمر السلطة في التغني بالنصر والاستقلال.

السوريون انفسهم تباعدوا، تشرذموا. الداخل حانق على الخارج، الخارج يعتبر معظم من في الداخل موالياً وشريكاً في القتل. اتسعت الهوة، وكل في مربعه يصارع للبقاء، لحياة يعيشها بخسارة أقل. لم يعد الانقسام بين موالٍ ومعارض، مع النظام وضده، فالانقسام الآن انقسام روح قبل الجسد، انقسام منتفع ومتضرر، نزيه ومتسلق، قاتل ومقتول، شره وجائع. والساحة لا تخلو من الأمل، لكنه بات قليلاً.

“الحياة”

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]