on
أستانة السوري اليوم بمن حضر: موسكو مستعجلة لرسم خرائطها
يبدو أن اجتماعات “أستانة 3” حول سورية، التي من المفترض أن تنطلق اليوم، الثلاثاء وتستمر حتى يوم غد، الأربعاء، لتبحث آليات تثبيت ومراقبة وقف إطلاق النار، ماضيةٌ إلى الانعقاد، بمن حضر من الوفود، كما ألمح وزير الخارجية الكازاخستاني، خيرت عبد الرحمنوف، وذلك على الرغم من اتجاه وفد المعارضة السورية العسكري إلى مقاطعة هذه الاجتماعات، للمرة الأولى. وبغض النظر عن حضور المعارضة من عدمه، فإن التمسك الروسي بانعقاد الاجتماعات بموعدها، يؤكد إصرار موسكو، ومعها كل من طهران ودمشق، على أن يحتل جدول الأعمال بنداً لطالما بذلت روسيا جهودها من أجله، ألا وهو إقرار الخرائط التي أعدتها القيادة العسكرية الروسية لما تسميه “فصل مناطق المعارضة عن التنظيمات الإرهابية”. وهنا يكمن الفخّ الروسي، برأي كثيرين، بما أنه ليس سراً أنّ هذه العقدة تواجه حقيقة وجود عدد كبير من المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام، تحت نفوذ فصائل معارضة، بالإضافة إلى تنظيم “فتح الشام”، أي جبهة النصرة سابقاً، المشمولة في جميع تصنيفات الإرهاب، الدولية والتركية حتى. من هنا، فإن الكلمة السحرية للقضاء على فصائل المعارضة، كانت ولا تزال فرض إجماع على ضرب المناطق، التي تتواجد فيها الفصائل المعارضة و”النصرة” معاً، وهو ما كان محور جهود موسكو ــ طهران منذ التدخل الروسي في سورية نهاية عام 2015.
وكان وفد المعارضة قد طالب بتأجيل الجولة الجديدة من اجتماعات أستانة إلى ما بعد 20 مارس/آذار الحالي، مشترطاً كذلك التزام النظام “الكامل بوقف إطلاق النار في مناطق سيطرة الفصائل العسكرية، وإيقاف التهجير القسري في حي الوعر بحمص، واستكمال بحث وثيقة آلية تثبيت وقف إطلاق النار، قبل خوض أي جولة محادثات جديدة”.
ولا ينفصل القرار الذي اتخذته المعارضة عن عدم التزام روسيا بدورها كضامن لاتفاق وقف إطلاق النار، في ظل الانتهاكات المتواصلة من قبل قوات النظام السوري، بغطاء روسي، للاتفاق على أكثر من جبهة، في وقت حضرت فيه الاستعدادات للاجتماع في الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية الروسي ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، أمس الإثنين، بحسب ما أوردت وكالة “سبوتنيك” الروسية. وبحث الوزيران، بحسب البيان الصادر عن الخارجية التركية، التحضير للاجتماع وتنفيذ الاتفاقات المتعلقة بالحفاظ على وقف الأعمال العدائية، وإنشاء مفاوضات سورية فعالة.
في موازاة كل هذه التطورات، يبرز تساؤلٌ هام، حول تأثير غياب المعارضة السورية عن “أستانة 3″، إذا ما تمسكت بموقفها، وكيفية انعكاسات هذه التطورات على مسار مفاوضات جنيف، في الوقت الذي أبدت فيه موسكو أمس، وعلى لسان نائب وزير خارجيتها غينادي غاتيلوف، استعدادها مجدداً “لاستئناف المشاورات (مع واشنطن) حول الشؤون السورية بما في ذلك الأمور التي تشملها عملية جنيف للسلام”.
وحتى مساء أمس، الإثنين، فإن كافة المؤشرات الواردة على لسان قياديين عسكريين في المعارضة السورية، كانت تؤكد رفض الأخيرة المشاركة في “أستانة 3″، على الرغم من أن رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر، العميد أحمد رحال، قال لـ”العربي الجديد”، إن “اجتماعاً حاسماً لوفد المعارضة العسكري، سيُحدد القرار النهائي (مساء الإثنين)”، فيما أكد عضو الوفد العسكري، النقيب سعيد نقرش، أن “الوضع لم يتغير”، في ما يخص “عمليات التهجير” برعاية روسية، واستمرار قصف النظام لمناطق سيطرة الفصائل؛ وهو ما يعني أن المعارضة السورية ذاهبة لمقاطعة “أستانة 3” التي كانت قد طالبت أساساً بتأجيلها. وأوضحُ تأكيدٍ على مقاطعة المعارضة لحضور “أستانة 3″، كان ما ورد على لسان عضو وفد المعارضة العسكري، المتحدث باسمه، أسامة أبو زيد، الذي ذكر في وقت سابق لـ”العربي الجديد”، أن “قرار الجيش السوري الحر هو عدم المشاركة في أستانة 3 بسبب عدم تنفيذ أي من التعهدات الخاصة بوقف إطلاق النار، ورعاية روسيا لتهجير ثوار الوعر”، على حد قوله. واعتبر أنّ “محادثات أستانة السابقة لم تأتِ بأي نتائج إيجابية، وإذا شاركنا (في اجتماعات أستانة 3) في ظل الظروف الحالية، سنكون شهود زور”.
على الرغم من ذلك، فإن اجتماعات “أستانة 3” يبدو أنها ستنعقد بمن حضر، مع تأكيدات المعارضة مقاطعتها حتى مساء أمس، فالوفود المشاركة بدأت بالوصول، بحسب تصريحات وزير الخارجية الكازاخستاني، خيرت عبد الرحمنوف، منذ صباح أمس الإثنين، ومن بينها وفد النظام السوري، الذي قالت وكالة الأنباء التابعة للنظام السوري “سانا” إنه وصل للعاصمة الكازاخستانية برئاسة بشار الجعفري. وتُؤشر مقاطعة المعارضة لاجتماعات أستانة إلى أن الأخيرة اتخذت هذا الموقف نتيجة جزمها بأن هذه الاجتماعات هي مجرد شراء للوقت من قبل حلفاء النظام الضامنين له؛ إذ لم يبد أي التزام بالتعهدات السابقة، خصوصاً في ما يتعلق باتفاقية وقف إطلاق النار، التي لم يلتزم بها النظام، وواصل قضم مزيدٍ من المناطق، التي كانت قبل بدء اجتماعات أستانة الأولى بحوزة سيطرة المعارضة السورية.
ويرى عضو الأمانة المركزية في المجلس الوطني السوري، عبد الرحمن الحاج، أنَّ “الفصائل أخذت دروساً من التجارب السابقة، في أن الروس لم يلتزموا إطلاقاً، بأي تعهدات، وواصلوا عملية شراء الوقت، مع استمرار عمليات النظام العسكرية في مناطق المعارضة، التي استمرت وكأنه لا يوجد أي اتفاق لوقف إطلاق النار أساساً”.
ويضيف الحاج، في حديثه مع “العربي الجديد”، أن “اجتماعات أستانة السابقة وما تمخض عنها، بدت بالنسبة لفصائل الثورة مجرد عملية ابتزاز، والذهاب لأستانة الآن بدون آفاق واضحة مرة أخرى وبدون أي أمل بتحقيق أي إنجاز، سيكون مكسباً للروس والنظام، وبمثابة إضفاء شرعية على عمليات التهجير الحاصلة”. وأشار إلى أن “المخاوف من اتهام المعارضة بتعطيل مسار الحل السياسي إذا ما قاطعت أستانة مُبالغ فيها وغير حقيقية”، لأن “موقف المعارضة بمقاطعة أستانة مُبرر ومنطقي”.
ولم يُحدد جدول أعمال الاجتماعات المُقرر لها أن تستمر حتى يوم غد الأربعاء بشكل واضح، وهو ما كان قد أكده وزير خارجية الدولة المضيفة، الذي قال إن ممثلين عن روسيا وإيران وتركيا، أبدوا استعدادهم لحضور الاجتماعات، مشيراً إلى أن جدول الأعمال سيعتمد على رؤية الدول الثلاث. لكن تصريحات سابقة وردت منذ أيام على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أشارت إلى أن موسكو لن تبحث في أستانة، كما كانت تأمل المعارضة، تثبيت اتفاقية وقف إطلاق النار وحسب، بل سُيصار إلى “تحديد خرائط مواقع تنظيمي داعش والنصرة، لا سيما في ظل سعي المعارضة المسلحة لتثبيت وقف إطلاق النار. ويجب معرفة مواقع الفصائل الموافقة على الهدنة من غيرها”. وإذا كانت مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية”(داعش) واضحة ومعروفة لا لبس فيها، فإن تحديد مواقع تواجد “جبهة فتح الشام”(النصرة) تُعتبر إشكالية كبرى، تواجه المعارضة السورية، بسبب تداخل مواقع السيطرة بين المعارضة و”النصرة” في كثير من المناطق، تحديداً في محافظة إدلب.
ويبدو أن المعارضة السورية، قرأت الموقف الروسي، الذي يستعجل ضرورة فصل مناطق سيطرة “الفصائل الموافقة على الهدنة” من غيرها (أي النصرة وباقي الفصائل غير المُمثلة في أستانة)، ما عزز من أسباب مقاطعتها لاجتماعات اليوم وغداً، تفادياً للوقوع في فخ وضعها حالياً بمواجهةٍ عسكرية مع “النصرة” وباقي الفصائل غير الممثلة في أستانة.
وتعتبر المعارضة السورية المسلحة أن روسيا والنظام وإيران، تعمل حالياً على جرها لحصر جهودها العسكرية في مواجهة “الإرهاب” فقط، وعدم توجيه سلاحها نحو النظام، فيما تؤكد أنها المتضرر الأكبر من “الإرهاب” الذي تحاربه على جبهات عدة. وتصر المعارضة على ضرورة إخراج كافة المقاتلين الأجانب من سورية، وعلى رأسهم عناصر المليشيات اللبنانية والعراقية والإيرانية الداعمة للنظام.
صدى الشام