on
انتهاكات النظام تُربك المسار السياسي .. وتنافسٌ دولي على “تحرير” الرقة
شهدت العملية السياسية بين قوى المعارضة السورية والنظام انتكاسة بسبب إصرار قوات النظام وداعميها الروس والايرانيين على خرق اتفاق وقف إطلاق النار ومواصلة عمليات الحصار والتهجير بحق العديد من المناطق، وهو ما دفع فصائل المعارضة إلى تعليق مشاركتها في مفاوضات أستانا المقررة هذا الأسبوع، إلى أن يلتزم النظام بتعهداته، وهو ما قد يؤثر على المسار الآخر للمفاوضات المقرر أن يستأنف في جنيف في 23 الشهر الجاري.
واشترط وفد “قوى الثورة العسكري” للمشاركة في الجولة الثالثة من مباحثات “أستانا” التزام النظام الكامل بوقف إطلاق النار، وإيقاف التهجير القسري والتغيير الديموغرافي في حي الوعر وغيره من المناطق السورية، وتأجيل موعد مباحثات “أستانا” إلى ما بعد نهاية الهدنة المعلنة من 07 حتى 20 آذار الجاري، على أن ترتبط استمرارية الاجتماعات بتقييم مدى الالتزام بوقف إطلاق النار، إضافة إلى مواصلة مناقشة وثيقة آليات وقف إطلاق النار قبل الذهاب إلى أستانا، كما كان متفقاً عليه في أنقرة.
وكان من المقرر أن يتم في أستانا، وفق قائد إدارة العمليات العامة في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية سيرغي رودسكوي، إنشاء مجموعة عمل لتبادل الأسرى بين نظام الأسد والمعارضة ومناقشة تشكيل لجنة دستورية، والانتهاء من وضع خريطة موحدة بشأن وجود “المنظمات الإرهابية في سوريا”.
وكان المبعوث الدولي إلى سوري ستيفان دي ميستورا أعلن أن مفاوضات أستانا سوف تتناول على غرار الجولات السابقة، سبل تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وآليات مراقبة تنفيذ الاتفاق، إضافة إلى قضية “مكافحة الارهاب” التي اتفق على أن يتم توزيعها على محطتي أستانا وجنيف، بحيث يتم في الأولى تناول التنظيمات المصنفة إرهابياً، بينما يتم في الثانية بحث “استراتيجيات مكافحة الإرهاب”، وهو مفهوم أشمل يتعلق، وفق مصدر في المعارضة السورية، بتجفيف منابع الإرهاب والتصدي الفكري والاقتصادي لهذه الظاهرة، بما قد يشمل مسألة إعادة الإعمار باعتبار ذلك في أحد جوانبه يسهم في القضاء على الفقر ويفتح فرصاً للشباب للعمل، بدل التوجه إلى التطرف والقتال.
لكن مصادر في المعارضة السورية أعربت في حديث لـ”صدى الشام” عن تشكيكها في صدور نتائج مرضية عن مفاوضات أستانا إذا قيض لها الانعقاد بسبب الازدواجية بين ما تصرح به الخارجية الروسية، وما تقوم به قاعدة حميميم على الأرض، خاصة أن جميع نتائج الاجتماعات السابقة لم تترجم على الأرض.
ومن الواضح أن قرار فصائل المعارضة بتعليق المشاركة في مفاوضات أستانا اتخذ بالتنسيق مع الجانب التركي وبعد عودة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من زيارته إلى موسكو حيث تركزت مباحثاته هناك مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على سبل التعاون بين الجانبين في العديد من الملفت وفي مقدمتها “الأزمة” السورية.
وترافقت زيارة أردوغان للعاصمة الروسية مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والذي ركز خلالها على بحث سبل مكافحة تزايد الحضور الإيراني في سوريا.
وكانت ميليشيا “النجباء” العراقية أعلنت من طهران عن تشكيل فيلق مجهز بأسلحة “استراتيجية”، بحجة تحرير الجولان السوري المحتل، وهو ما دفع مصادر إسرائيلية إلى توجيه تحذيرات لإيران باستهداف مصالحها في سوريا وذلك في ظل مؤشرات عن مسعى إسرائيلي أميركي لإقناع موسكو بخطة لتحجيم الحضور الإيراني في سوريا.
وعلى الوتر نفسه، عزفت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي والتي دعت إلى “إخراج إيران ووكلائها” من سوريا، فيما نفى الكرملين تقارير إعلامية تحدثت عن موافقة موسكو على عمليات إسرائيلية ضد حزب الله من الأجواء السورية.
من أستانا إلى جنيف
وإضافة إلى الأتراك تشمل مشاورات المعارضة التي تسبق أستانا وجنيف مجموعة “أصدقاء الشعب السوري” حيث اجتمعت الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض في اسطنبول مع ممثلي وسفراء هذه الدول .
كما تحفل الأجندة التي تسبق مفاوضات جنيف بمزيد من النشاطات حيث تجتمع الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري في اسطنبول يومي ١٥- ١٦ الجاري بغية إجراء مزيد من البحث والإعداد لمؤتمر جنيف فيما تجتمع الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض يومي ١٧ – ١٨ الجاري للغرض نفسه أيضاً قبل انعقاد جولة المفاوضات المقررة في ٢٣ الشهر الجاري.
يأتي ذلك بعد أن قدّم المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا عرضاً أمام مجلس الأمن لنتائج جولة جنيف الأخيرة من المفاوضات بين وفدي نظام الأسد والمعارضة السوريّة، معلناً عقد جولة خامسة في جنيف في 23 آذار الجاري، وقال دي ميستورا خلال مؤتمر صحفي عقده في نيويورك إنه أطلع مجلس الأمن في اجتماع مغلق على نتائج جنيف 4 مشيراً إلى أن المفاوضات في جنيف 5، وعلى غرار الجولة السابقة ، لن تكون مباشرة .
سخونة الميدان
وفي موازاة الجهود السياسية المرتبكة، نشطت العمليات العسكرية على الأرض خاصة في شرقي البلاد وريف حلب الغربي، إضافة إلى الغوطة وشرقي دمشق ودرعا.
وفي حين وصلت مجموعة من أفراد مشاة البحرية الأمريكية “مارينز” إلى سوريا لمساعدة ميليشيا قوات سورية الديمقراطية في عمليتها العسكرية للسيطرة على مدينة الرقة، وذلك بعد أيام من الكشف عن خطة جديدة وضعتها وزارة الدفاع الأمريكية للسيطرة على هذه المدينة، واصلت قوات نظام الأسد تقدمها إلى الجنوب من مدينة الباب في ريف حلب الشرقي حيث تسعى تلك القوات إلى الوصول لأطراف مدينة الرقة، وسيطرت تلك القوات على مطار الجراح العسكري القريب من بلدة الخفسة والتي كانت سيطرت عليها قبل يومين، كما سيطرت قوات النظام على عدة قرى في محيط بلدة الخفسة كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة وعلى جميع التلال المحيطة بها، وتمكنت من الوصول إلى نهر الفرات، وبدأت في تأمين المضخات وإجراء الإصلاحات اللازمة لإعادة ضخ المياه إلى مدينة حلب من محطة الخفسة.
وقال ناشطون إن تنظيم الدولة سحب معظم عناصره من مدينة “مسكنة” المجاورة إلى مدينة دير حافر، ومن ثم إلى البادية، ليبقِي على 200 عنصر فقط داخل المدينة، متوقعين سيطرة قوات النظام على مناطق الريف الشرقي لحلب بشكل كامل خلال فترة قصيرة ولو أنه شن في الأيام الأخيرة هجمات مضادة استعاد خلالها بعض القرى التي خسرها في تلك المنطقة.
ولاحظ هؤلاء أن المقاومة الضعيفة من جانب مقاتلي تنظيم الدولة تجعل الأمر يبدو وكأنه اتفاق “استلام وتسليم” بين قوات النظام ومقاتلي التنظيم الذين قاتلوا بشراسة أمام قوات “درع الفرات” خلال عملية السيطرة على مدينة الباب والتي استغرقت عدة أشهر، بينما سيطرت قوات النظام خلال هذه الفترة على نحو 140 قرية وبلدة في المنطقة نفسها.
ومن جانبه، واصل الطيران الروسي، ومعه طيران التحالف الدولي ارتكاب مزيد من المجازر في تلك المنطقة بحق المدنيين على غرار القصف جوي على مدينة مسكنة الواقعة على بعد 100 كم شرقي مدينة حلب والذي أسفر عن مقتل نحو عشرين شخصاً، إضافة إلى مجازر أخرى في دير الزور وريف الرقة حصدت أرواح عشرات المدنيين.
كما ارتكبت الطائرات الروسية مجزرة في مدينة كفرنبل جنوبي إدلب راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى.
فيما أعلنت “قوات سورية الديموقراطية” المكونة بشكل رئيس من الوحدات الكردية، أنها وصلت إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات في محافظة دير الزور شرقي سوريا بعد معارك مع تنظيم الدولة، وكانت هذه القوات قالت إنها قطعت الطريق الرئيس شرقي نهر الفرات الواصل بين مناطق سيطرة التنظيم في الرقة ودير الزور.
إلى ذلك سلّم “مجلس منبج العسكري” الذي تهيمن عليه الوحدات الكردية عدداً إضافياً من القرى لقوات نظام الأسد، في خطوة تهدف لتجنب المواجهة مع قوات “درعا الفرات”، ووصف متحدث باسم المجلس عملية التسليم بأنها “شكلية”، وقال إنها اقتصرت على رفع الأعلام السورية داخل نحو عشر قرى.
محنة النازحين
وتسبب القصف الجوي والمدفعي الذي تقوم به قوات النظام والطائرات الروسية على المنطقة بنزوح آلاف المدنيين من بيوتهم بالرغم من محاولات تنظيم الدولة منع وصولهم إلى مدينة منبج، فيما منعت ميليشيا الوحدات الكردية مئات النازحين من بلدة مسكنة في ريف حلب الشرقي من الدخول إلى مدينة رأس العين واشترطت وجود كفيل للسماح لهم بالدخول.
وقال المجلس المحلي لمدينة مسكنة إن قوات الأسد منعت الأهالي من النزوح نحو مناطق سيطرة قوات “درع الفرات”، واعتقلت الرجال وأخذتهم لمخيم جبرين، وسرقت المجوهرات والنقود التي بحوزة النساء.
وذكر رئيس المجلس المحلي، إبراهيم المحمد، أن “تعداد سكان المدينة وريفها يصل إلى نحو 150 ألف نسمة، إضافة لخمسين ألف من نازحي مدينة الباب ومدن أخرى، مشيراً إلى أن قوات الأسد قطعت الطريق الواصل بين مدينة مسكنة ومناطق سيطرة الجيش السوري الحر، الأمر الذي أجبر الأهالي على النزوح نحو مدينة الرقة وريفها الخاضعين لسيطرة تنظيم الدولة”.
وكان المجلس المحلي لمدينة مسكنة بريف حلب الشرقي وجه نداء استغاثة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتأمين ممرات إنسانية للنازحين من المدينة بعد أن قطعت قوات النظام الطريق نحو ريف حلب الشمالي.
وأكد ناشطون أن أوضاع المدنيين في منطقة مسكنة سيئة جداً، وقد فرض تنظيم الدولة حصاراً عليهم لمنعهم من مغادرة البلدة التي لا يفارق طيران النظام أجواءها.
صراع إقليمي ودولي
ويتكثف في شرقي البلاد صراع إقليمي ودولي تحت يافطة التسابق على محاربة تنظيم الدولة، بينما يسعى كل طرف إلى تثبيت موطئ قدم له في المنطقة على حساب الأطراف الأخرى.
وفيما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن العسكريين الأمريكيين والروس ينسقون عملياتهم البرية في سوريا أكثر من السابق، طالبت أنقرة الولايات المتحدة وروسيا بالاختيار بين تركيا وميليشيا الوحدات الكردية، وذلك مع اقتراب موعد إطلاق معركة السيطرة على مدينة الرقة عاصمة “تنظيم الدولة” في سوريا، حيث تصر تركيا على المشاركة في هذه المعركة واستبعاد ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية” منها.
وانتقد نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، وضع جنود روس شارات الميليشيا على ذراعهم، على غرار ما فعله جنود أمريكيون سابقاً، وقال “قورتولموش”: “على الولايات المتحدة وروسيا أن تقرر، هل ستفضل 3-5 آلاف مسلح من ميليشيا “الوحدات” الكردية على الدولة التركية ذات 80 مليون نسمة، والتي تتمتع بالاستقرار وتمتلك أكبر جيش في المنطقة”.
تهجير الوعر
في غضون ذلك واصل نظام الأسد سياسة التهجير بحق المناطق المعارضة، ووصل قطار التهجير مجدداً إلى حي الوعر الحمصي المحاصر منذ أكثر من عامين، ويقضي الاتفاق الذي توصل إليه وفد النظام مع وفد من أهالي المنطقة برعاية روسية -والذي تعثر تطبيقه مرات عدة- بخروج من يرغب من الحي على دفعات إلى الشمال السوري.
وقال الناشط أسامة أبو زيد إن الاتفاق ينص على “خروج من يرغب من الحي على دفعات؛ كل سبعة أيام دفعة تضم ما يصل إلى ١٥٠٠ شخص إلى أن ينتهي عدد الخارجين”، ومن المتوقع أن يخرج بموجب هذا الاتفاق نحو عشرين ألف شخص من مقاتلين وعائلاتهم إضافة إلى الراغبين بالخروج، على أن يكون الرحيل إلى محافظة إدلب وإلى الريف الشمالي لحمص، حيث تحفّظ النظام على مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي.
صدى الشام