on
الروائي أديب اليوسف يضيف ملحمة جديدة إلى الأدب السوري .. “رحلة الخلود”.. بحثاً عن إجابات للأسئلة المحرّمة
شهد المعرض الدولي للكتاب الذي أقيم مؤخّراً في مدينة “إسطنبول” التركية ولادة الجزء الأول، المعنون بـ”رحلة الخلود”، من الملحمة الكاملة التي تمتد على عشرة فصول، للروائي السوري أديب يوسف، ليكون الكتاب باكورة نتاجه الأدبي.
ويوسف هو من مواليد عام 1977 في بلدة الشيوخ التابعة لمدينة جرابلس بريف حلب، درس الطب البشري في جامعة حلب، وبعد أن تخصص في مجال طب الأطفال عمل منذ بداية الثورة في المجال الصحي، وتنقل خلال هذه الفترة بين المشافي الحدودية.
“صدى الشام” حاورت وريث عراقة الفرات الذي حاول أن يلخّص حكايا التجاعيد القديمة التي خلفها التاريخ في ملحمته.
– قد تكون الملحمة كلغة أدبية غير ملائمة لعصرنا، فلماذا أردتها ملحمة؟ ولماذا رحلة الخلود؟
هي ملحمة لأنها قصة طويلة تغطي أحداثها قروناً من الزمن، فهي تروي خفايا الصراع الأزلي بين الخير والشر، وبين الأسئلة المحرمة والأجوبة الممنوعة، بين هواجس النفس وثوابت العقل التي تحتاج لدليل مقنع لرسوخها أو تكيّفها مع حقيقة الوجود، شخوصها خارقون لكنهم أشخاص حقيقيون؛ أناس يعيشون بيننا، هم مثلنا من دم ولحم لكن الطبيعة هيأت لهم أسباب قوتهم الخارقة المقنعة، هم يشبهون الأنبياء في بعض صفاتهم ويعايشون بعض اللحظات الحقيقية المجتزأة التي عاينها الأنبياء في محنتهم خلال رسمهم لطريق الحقيقة المفضي إلى خلود الفكرة.
بعض أشخاص الملحمة عاش مئات السنين كرمز للسلطة المستبدة التي تدوم رغم تعاقب أشخاص عديدين في الموقع الفاعل ذاته، ومثال ذلك زعيم المملكة العشيرة الذي أبى إلا أن يلوي عنق النبوءة المرسلة كي تمر به لحظة المجد القدرية، لكنه عندما فعل اصطدم بنهر الخلود، وهو الفرات، في معركة انتهت بابتلاع النهر لرجولته المصطنعة، وهنالك امرأة قدرية أخرى تدعى زرقاء العينين عاشت مئات السنين أيضاً مجسدة الحكمة المناهضة للاستبداد بثوب أنثى قاومت المخرز ببؤبؤ العين المبصرة.
– هل استدعت البيئة المتنوعة لمنطقة جرابلس أن تذهب إلى قالب الملحمة؟ مع وجود نهر الفرات؟
نعم، هي رحلة لأنها قصة طويلة اتبعت مجرى نهر الفرات بدءاً من “دير قنشري” في شمالي بلاد الشام لتمرّ فصول الحكاية بشخوصها بالأهوار المظلمة ثم الشط العظيم للعراق الخالد، وتبحر في الخليج لتصل عرش بلقيس قبل اختطافه ثم تكمل الإبحار عبر الأحمر فالميت فالأبيض من البحار، لتصل إلى أرض التين والزيتون، والرحلة الطويلة تلك لم تصمم إلا لهدف توخى منه الباحثون عن الحقيقة الإجابة عن الكثير من الأسئلة المحرمة التي كان يُلقى سائلها في بئر الترهات لتتناهشه ضباع هلامية تعيش في سراديب الوهم وتعتاش على مظلومية قديمة هي أبعد ما تكون عنها وأقرب ما تجسد دور الظالم فيها.
-الملحمة الصغرى، جزء من الملحمة الكاملة التي يبلغ عدد فصولها عشرة، لماذا قسمتها إلى فصول كثيفة ولكل فصل عنوان؟
الملحمة كتبت بطريقة الرُّقم الفخارية، وكأنك عثرت عليها في ردم حكايات منسي، وبتلمسك لها تنفض عنها غبار السنين الماضية لتجد نفسك وأنت تقرؤها كأنك شخصًا من شخوصها، بإمكانك أن تبدأ القراءة من أي رُقُمٍ وقعت عينك عليه فستجد بعضاً من ضالتك، ولن ينقص من فهمك للأحداث ما ضاع من الرُّقُم السابقة، فهي لوحات مستقلة لكنها مرتبطة وهي كافية بحد ذاتها لتوصل المقولة المقصودة التي تتعاضد مع المقولات الأخرى لكل فصل من الفصول.
– كيف أمكنك الانتقال بشخوص الملحمة من مكان وزمان إلى أمكنة وأزمنة أخرى خلال فترة طويلة، وكيف حافظت في الوقت نفسه على وحدة القصة وترابط أحداثها؟.
لعلّ تعدد الرواة في القصة وتنوع أساليب قصّهم للأحداث هو ما أتاح للقصص المروية أن تنساب بانسجام وترابط مع المجرى الرئيس للأحداث، فهنالك رواية مباشرة وهنالك إخبار بالحلم والتداعي وهنالك سرد داخل سرد يشبه قصة كليلة ودمنة.
– استغرقت الملحمة منك 20 عاماً من الكتابة، ستة أعوام منها في الثورة السورية، هل استدعت الأخيرة منك تغيراً في جوهر الملحمة؟
بكل تأكيد، إن الضباع الهلامية تشير إلى قوى الاستبداد، والتي جاءت من الجبال، وانتشرت على كل البقعة السورية، بعد أن كان انتشارها مقتصراً على حماة وجسر الشغور.
– ماذا عن الصراع القومي والثقافي الذي تشهده البلاد عموماً، ومنطقة الفرات خصوصاً، أي الصراع بين مكونات الشعب السوري من كرد وعرب وغيرهم؟
للأسف فإن التاريخ يتعرض للتزوير، البعض شرَعَ بتغيير أسماء حقيقية، على سبيل المثال في تسمية “عين العرب” التي أنتمي إليها، هذه المدينة سميت بهذا الاسم قبل أن تسمى بكوباني، على اسم الشركة الألمانية التي بنت السكة الحديدية فيها، نحن منذ مئات السنين أبناء المنطقة، واليوم نحن محرومون من قرانا وبلداتنا، بحجة أنها مناطق كردية، لسنا ضد الكرد فهم أهلنا منذ القدم، بل نحن ضد شريحة منهم.
– هل صحيح أن جهات سينمائية دولية طلبت بعض أجزاء الملحمة، لتحويلها إلى فيلم سينمائي؟
ما زالت الأمور في بداياتها، نعم هناك جهة سينمائية لها شهرتها في السينما العالمية طلبت ذلك، والآن نحن في طور الدراسة.
– يقال إن الكاتب يكتب عما يعجبه، وينتقي من الأحداث ما يحبه، وبناءً على هذا يَحضُر السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم تعجب الثورة إلا قلة من الأدباء السوريين، بينما بقي جزء كبير منهم إلى جانب النظام؟ وهل أنت راضٍ عن الأدب الذي يحسب على أنه نتاج للثورة السورية؟
سأجيب على الشق الأخير للسؤال أولاً، بالتأكيد لست راضياً عن أدب الثورة، لأن هذا الأدب لم يستوعب ولم يتناول كل القصص المأساوية والجميلة التي صنعتها هذه الثورة، مع كل يوم جديد هناك المئات من القصص الإنسانية التي تصلح أحداثها لرواية، ولأن الحال كذلك يجب أن تُكتب الآلاف من الكتب الأدبية لتخليد هذه الثورة العظيمة، أما لماذا اختار الكتّاب والأدباء الوقوف إلى جانب النظام، فأقول هنا إن وجودهم بمنظومة اتحاد الكتاب العرب كان مسؤولاً إلى حد بعيد عن ذلك، ثم إن ارتباط النشر بمنظومة النظام أيضاً له دور كبير، إن حياتنا الثقافية في سوريا تختلف عن كل بلدان العالم وحتى العربية منها، مثل لبنان والإمارات، لأن ما ينشر في سوريا من نتاج إدبي وفكري لا ينشر إلا عن طريق الجهات الرسمية، والكاتب هو إنسان بالنهاية، وهذا الإنسان يخاف على مصلحته كما غيره.
– قد يكون السكوت على جرائم النظام “جريمة بحد ذاتها”، فكيف بهؤلاء الأدباء الذين ذهبوا إلى أبعد من السكوت، أي الوقوف إلى جانب هذا الجلاد، الذي قتل وشرّد شعبه؟
نعم السكوت جريمة مكتملة الأركان، المطلوب من الكلمة أن تكون رصاصة دائماً بوجه الظلم، بيد أنهم اختاروا لرصاصهم المظلوم، وأبعد من ذلك لقد صدعوا رؤوسنا سابقاً بالأدب الثوري، والأدب الواقعي، فأين هم من الواقع السوري؟ لقد صمتوا وصوّروا أنفسهم على أنهم ضد الظلم وضد الاستبداد، وحين جاءت الحقيقة صمتوا، ولم نعد نسمع بأصواتهم المقيتة،
أيضاً دعني أشير وبكل أسف، إلى أن بعض الشعراء والأدباء كانوا معارضين للنظام قبل اندلاع الثورة السورية، لكن وبعد الثورة صاروا دعاة لمحاربة الفتنة، وصاروا دعاة للحفاظ على الوحدة الوطنية، أي صاروا يتسترون خلف شعارات محقة، لكنهم يريدون بها باطلاً.
– بعض المراقبين يرى أن ذلك من تدبير النظام، أي أن النظام أوجد طبقة مثقفة مفصلة على قياسه لكي يستفيد منها الآن، كما أوجد طبقة اقتصادية ومالية، وكذلك عسكرية، و….؟
قام “شيخ العشيرة” أحد شخصيات الملحمة وهو رمز “السلطة” بتدجين الشعراء وأصحاب العمائم، لكي يوافقوا ما يريده هو، ولذلك عندما أراد هذا الشيخ أن يرجع زوجته “مروى” إلى عصمته بعد أن طلقها لثلاث مرات، أمروا بأن تكون مياه نهر الفرات هي المحلل الشرعي لها، فمن سوف يستطيع أن يتزوج بزوجة شيخ العشيرة، ولذلك عندما خالطت مياه مروى مياه النهر حملت بعد تلقح بويضتها بعناصر الطبيعة الأربعة؛ ببطل القصة الذي حمل رسالة ضد الظالمين والطغاة.
-ماذا عن أجواء توقيع الملحمة خلال المعرض الدولي للكتاب في مدينة “إسطنبول” التركية، كيف كانت الأصداء؟
لقد كانت أجواء التوقيع أكثر من رائعة، لكن المعرض عموماً عانى من إقبال ضعيف، قد يكون مرده إلى العوامل التقليدية المعروفة، وهي ضعف الإقبال العربي على القراءة، وكذلك إلى حيثيات اقتصادية متعلقة بغلاء سعر الكتب مقارنة بالظروف الاقتصادية المتردية التي تعيشها الجالية السورية خصوصاً في المدينة.
صدى الشام