on
تدخل ترامب مغامرة شديدة الخطورة في سورية
العنوان الأصلي: وجهة نظر الأوبزيرفر حول إرسال قوات أمريكية إلى سوريا
من الغريب أن قرار دونالد ترامب في نشر مئات مشاة البحرية الأمريكية في الشمال السوري الأسبوع الماضي لم يحظَ بالكثير من الاهتمام. إن عملية الانتشار هذه تُلقي بجنود أمريكيين، عديمي الخبرة، وسط ساحة معركة محمومة متعددة الجبهات تضم ميليشيات كردية تم اختبارها في القتال وقوات من الجيش السوري ومقاتلين مناهضين للنظام وقوات روسية وإيرانية وتركية.
وتقول إدارة ترامب إن الهدف من ذلك إنما يتمثل في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “Isis”، من خلال تقديم المساعدة في السيطرة على مقر الإرهابيين الرئيس في مدينة الرقة. وتُعَدُّ هذه الحملة القادمة متممة للحصار المستمر لمدينة الموصل التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في الشمال العراقي.
ولا يخفى على أحد أن هزيمة تنظيم الدولة تعد غاية منشودة إلى حد كبير كما أن الجهود الدولية للقيام بتلك المهمة تتجه ببطء لتصل إلى ذروتها. أما بالنسبة للمخاوف المتزايدة في بريطانيا وأوروبا حول الخطر الذي تمثله عودة مجندي تنظيم الدولة الإرهابيين، إنما هي أدلة على الاعتقاد السائد في العواصم الغربية بأن هذه المنظمة الخبيثة والخلافة الساذجة التي تدّعيها قريباً ما سيتم طردها من معاقلها الرئيسة.
لكن الفكرة الساذجة، التي طرحها ترامب، والتي تقتضي أن القضاء على تنظيم الدولة وفكره العقائدي المشوه من الممكن أن يتم بالقوة فهي فكرة غبية وسخيفة. والأخطر من ذلك هو اعتقاد ترامب الواضح بقدرة الولايات المتحدة على التركيز على القضاء على تلك المنظمة لوحدها وتجاهل قضايا أكبر وأكثر أهمية حول مستقبل سوريا. وفي غضون بضعة أسابيع تملؤها الفوضى، أبطل ترامب 8 أعوام من السياسة الحذرة كان قد اتبعها باراك أوباما في الشأن السوري. وعلى خلاف العراق، التي تتعاون فيها واشنطن مع حكومة ودية في الغالب، تواجه الولايات المتحدة عدائية نظام بشار الأسد، الذي ما تزال تسعى إلى إسقاطه رسمياً.
علاوةً على ذلك، فإن قوات المارينز وقوات العمليات الخاصة، البالغ عددها قرابة ألف شخص، معرضة للهجوم من قبل مجموعات أكبر وأكثر اعتياداً على تضاريس المنطقة. ولا يمكن للمرء سوى أن يتصور العواقب الوخيمة لذلك، كأن يقوم تنظيم الدولة بخطف أحد الجنود الأمريكيين رهينة لديه. وفي الوقت نفسه، لا يمكن الاعتماد على حلفاء الولايات المتحدة الظاهريين كتركيا مثلاً، بينما لا يمتلك داعما الأسد الأساسيان؛ روسيا وإيران، أية مصلحة في التخلي عن الأرض والنفوذ.
أما المعركة الأساسية وطويلة الأمد فليست حول مصير تنظيم داعش، إنما حول السيطرة السياسية والسلامة الإقليمية للشمال السوري وبالتالي العراق. ولكل طرف من الأطراف الخارجية مصالح متباينة ؛ فالأسد يريد استعادة بلاده كاملة وتريد تركيا أن تُخضع لسيطرتها “منطقة آمنة” حدودية، وذلك للحد بصورة رئيسة من تطلعات الحصول على الحكم الذاتي لدى الأكراد السوريين الذين تدعمهم أمريكا. ومن جهتهم يريد الأكراد أن يتخلصوا من ذل دمشق، بينما يود البعض أن ينضم إلى القوات التي تنتمي إلى الإدارة الكردية الإقليمية ذاتية الحكم في مدينة الرقة الشمالية، وهذا أفق تراه أنقرة تهديداً وجودياً نظراً لوجود عدد كبير من السكان الأكراد الساخطين فيها.
وأياً كان ما يعتقده ترامب حول الحقبة الجديدة وعلاقته بموسكو وروسيا والقوة العسكرية الحقيقية في الجو وعلى الأرض في سوريا، فذلك لن يساعده. فهي تريد تقليل النفوذ الأمريكي بالتماشي مع محاولات فلاديمير بوتين لعرض نفوذ موسكو في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان.
وقد كان هذا الهدف أساس القمة المنعقدة الأسبوع الماضي بين بوتين و “رجب طيب أردوغان”، الرئيس التركي، والتي دفن الرئيسان فيها الخلافات القديمة حول سوريا والتزما وتعهّدا بالعمل معاً لمكافحة الإرهاب وهزيمته. ويعني هذا، من وجهة نظر أردوغان، أن الأكراد السوريين المدعومين أمريكياً يشبهون ميليشيات تنظيم داعش، هذا إن لم يكونوا أسوأ. وقال أردوغان إن روسيا قد وافقت على رفع جميع العقوبات المتبقية بعد أن أسقطت تركيا طائرة حربية روسية فوق الحدود السورية في عام 2015. وعلى الصعيد الدبلوماسي، فإن تركيا تدعم في الوقت نفسه “خطة سلام” روسية إيرانية من أجل سوريا، ما يهمش دور الولايات المتحدة وأوروبا.
ومن السهل لنا أن ننسى أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي ومتقدمة بطلب للانتساب إلى الاتحاد الأوروبي. وفي الواقع ينضم أردوغان الآن إلى روسيا وإيران في دعم الأسد، ويأتي ذلك في تحدٍّ صريح للغرب وتغيير موقفه السابق. وكان أردوغان قد أعلن الأسبوع الماضي في موسكو ما يلي: “إننا نعمل معاً في تعاون عسكري تام سوريا، فرؤساء الأركان ووزراء الخارجية ووكالات الاستخبارات يتعاونون على نحو مكثف”.
والنتيجة الطبيعية المؤسفة، ولكن ربما الحتمية، لهذا الوفاق الروسي التركي هي تهديد أنقرة المتكرر للحد من زيادة التعاون الأمني مع الولايات المتحدة ما لم تتخلَّ الأخيرة عن الأكراد السوريين، وهذا ما رفضت أمريكا القيام به حتى الآن. وبذلك، فالمواجهات المباشرة بين القوات الأمريكية والتركية والوكلاء المتنافسين لكل منهما؛ أي قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري الحر، اللذين تقتضي مهمة القوات الأمريكية الفصل بينهما في مدينة منبج الشمالية، فتلك المواجهات واردة الحدوث.
وقال “روبرت فورد”، السفير الأمريكي السابق في دمشق، لصحيفة واشنطن بوست إن تدخل ترامب في سوريا “محفوف بالمخاطر”. وأضاف: “إنه تغيير سياسي ضخم”. كما أن احتمال التصعيد العسكري أو “تسلل بعثة ما”، في حال وقوع القوات البرية الأمريكية في مأزق، واضح وكبير ومثير للقلق. الشمال السوري مستنقع، قفز فيه ترامب مباشرة.
رابط المادة الأصلي: هنا.
صدى الشام