مطالبات بدَور أوروبي أكبر لمحاكمة مجرمي “الحرب” السوريين 


 

كانت الساعة تشير إلى الثالثة فجراً، ومعظم نُزلاء “الكامب” نيام، باستثناء مجموعة من المقاتلين السابقين في صفوف قوات النظام كانوا ما يزالون مستيقظين حتى ساعات الفجر الأولى، ويلعبون الورق على أنغام المُغنّي “علي الديك”.

رغم ما توحي به هذه الأجواء إلا أن الحادثة لم تجرِ في أحد مهاجع الخدمة العسكرية التابعة للنظام، وإنما في أحد الكامبات الألمانية، والتي اكتظت كغيرها بآلاف اللاجئين السوريين، ومن ضمنهم مجرمي حرب.

بفعل حركة اللجوء التي اجتاحت أوروبا هاجر الكثيرون ممن شاركوا في العمليات العسكرية بسوريا أو من تورطوا بارتكاب عمليات تعذيب في الأفرع الأمنية، أو شاركوا بالإعدامات، وبات من الصعب الوصول إلى هؤلاء بين مئات آلاف اللاجئين، ولا سيما مع صعوبة إيجاد الدلائل والتفريق بين مجرم الحرب والمدني العادي.

 

بين النظام والمعارضة

خليط من مقاتلين سابقين بصفوف النظام والمعارضة كانوا من ضمن اللاجئين، وأمام القوانين الأوروبية لا فرق بينهم، رغم أن المعارضة كانت بموقع الدفاع عن المتظاهرين، ولم تشن هجمات ضد مدنيين كما فعلت قوات نظام الأسد.

يقول مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني لـ “صدى الشام”: “إن المحاكم الأوروبية لا  تفرق بين قوات النظام أو فصائل المعارضة لأن القانون ينظر للجريمة وليس للمرتكب”٬ وأضاف أن هناك فوارق في الهيكلية والتفاصيل عند محاكمة عنصر في النظام أو من المعارضة، ولكن من الناحية المبدئية فإن المحكمة تستند إلى التحقيق وتفاصيل القضية، ولذلك قد تظهر بعض الفروق، موضحاً أن الحكم يصدر على أساس الأدلة والوقائع وحجم الجريمة وليس على أساس أي تفاصيل أخرى.

من جهته انتقد محامٍ سوريٌ مقيم في الدنمارك، رفض الكشف عن هويته، الإجراءت حيال المعارضين، وقال لـ “صدى الشام”: “إنه من غير المنطقي أن تتم محاكمة عنصر من المعارضة كما يتم محاكمة أفراد الميليشيات التي قاتلت إلى جانب النظام وهاجمت السوريين دون أن تكون معرّضة لأية أخطار أو يتم إجبارها على قتل السوريين”.

 

 

محاكمات خجولة

في مطلع شهر آذار الحالي تقدّم سبعة سوريين تعرضوا للتعذيب، ومحاميان، ومجموعة لحقوق الإنسان بشكوى جنائية في ألمانيا ضد مسؤولين في الأجهزة الأمنية بنظام الأسد٬ وتطالب الشكوى بإصدار مذكرات اعتقال دولية بحق ستة من كبار المسؤولين في “شعبة الاستخبارات العسكرية” السورية التي قال المشتكون إنهم تعرضوا للتعذيب في سجونها في دمشق أو شهدوا عمليات تعذيب آخرين فيها.

وبحسب إفادة الشهود فقد تعرض السجناء إلى الضرب بالأنابيب والعصي وخطافات اللحم المثبتة في سلاسل، وتعرضوا أيضاً إلى الصعق بالكهرباء والحرق بمواد كيمياوية تستخدم للتنظيف، والطعن بأقلام الرصاص بحيث تبقى رؤوس الأقلام عند انكسارها داخل أجسادهم.

من جهته قال ولفغانغ كاليك رئيس “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان”: “لا يمكننا فقط التفرّج على الفظائع في سوريا بل يجب أن نبدأ في وصف ما يحدث في سوريا بالكلمات والتصنيفات القانونية”٬ وأضاف أن “ألمانيا تستطيع ويجب أن ترد على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومن بينها التعذيب والمجازر والعنف الجنسي في سوريا”.

ورحب الادعاء الفيدرالي الألماني بالقضية، وقال الناطق باسمه: “إنها يمكن أن تشكل دليلاً جديداً يدعم تحقيقها الحالي الذي أطلقته عام 2011 حول جرائم الحرب في سوريا”.

المحامي مازن درويش الذي اعتُقل من قبل النظام وشارك بالدعوى قال إنه “في سوريا هناك حصانة تامة من المحاسبة وهو ما يولّد المزيد من العنف” مشيراً إلى أنه من دون تحقيق العدالة لا يمكن التوصل إلى حل سياسي.

من جهتها كانت السويد قد حاكمت قبل فترة عنصراً من مقاتلي المعارضة السورية بعد أن انتشرت صورةً له وهو يقوم يقتل عناصر من نظام الأسد.

 

دور أوروبي محدود

رغم المحاكمتين السابقتين إلى أنه لم تجرِ محاكمة مجرمي الحرب على نطاق واسع لهم مقارنة بالعدد الكبير للمتهمين الذين تمكّنوا من الوصول إلى أوروبا.

لكن مجموعة من الناشطين تحت مسمى “مجرمون لا لاجئون” تمكنت من توثيق عددٍ كبير من الحالات لعناصر في جيش النظام أو الميليشيات المحلية التي قاتلت في صفوفه وارتكبت جرائم حربٍ في الداخل السوري.

يقول مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني: “إن هناك الكثير من عناصر النظام الذين أخذوا حق اللجوء في القارّة الأوروبية، وكانوا منخرطين في الميليشيات الطائفية التي قتلت المتظاهرين وارتكبت انتهاكات بحق الأهالي، وهناك قسم منهم كانوا في جيش النظام وقوى الأمن”٬ ويتابع: “نحن طلبنا ونطلب دائماً من القضاء ومحاكم الدول الأوروبية أن تفتح أبوابها وتتحرّك بشكل أكبر من الواقع الحالي لمحاكمة مجرمي الحرب”، مؤكّداً أنه التحرّك مقتصر حالياً على السويد وألمانيا واسبانيا وفرنسا، وشدّد على ضرورة أن تنتقل هذه الإجراءات إلى دول أوروبا الأخرى.

وبيّن عبد الغني أن كشف عناصر النظام الذين وصلوا إلى أوروبا وحصلوا هو بالدرجة الأولى مسؤولية الجالية السورية واللاجئين السوريين، إضافةً إلى الجالية العربية.



صدى الشام