هولندا تختار ليبيراليين و «تصفع» اليمين المتطرف


لم يكتم قادة أوروبيون ارتياحهم لفوز رئيس الوزراء الهولندي الليبرالي مارك روتي على منافسه غيرت فيلدرز، المناهض للإسلام وللاتحاد الأوروبي، في انتخابات عامة « صفعت» التيار الشعبوي اليميني المتطرف في البلاد، على رغم أنه عزّز مقاعده في البرلمان.
وتكمن أهمية النتيجة في أن الأحزاب التقليدية في أوروبا، يمينية ويسارية، تأمل بأن تُحدِث هذه النتيجة تأثيرَ «الدومينو» في القارة، وتمكّنَها من كبح زخم الأحزاب الشعبوية، إذ شكّلت «كرة ثلج» عصفت بالقارة، بعد نجاح الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، و «إعصار» فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة.

وتتطلّع تلك الأحزاب إلى الاستفادة من فوز روتي لـ «مصالحة» قواعدها وإبعاد شبح اليمين المتطرف، وإن يُستَبعَد أن تطفئ جذوة مشاعر مناهضةٍ للمهاجرين وللإسلام، ومؤيِّدة لإضعاف الاتحاد الأوروبي أو تفكيكه. وستخوض تلك الأحزاب معركة حاسمة في فرنسا الشهر المقبل، إذ ترجّح استطلاعات رأي أن تفوز رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف مارين لوبن بالدورة الأولى في انتخابات الرئاسة، على أن تخسر في الدورة الثانية المرتقبة في أيار (مايو) المقبل.

ثم تخوض الأحزاب التقليدية اختبارات انتخابية في دول أساسية في أوروبا هذا العام، بينها ألمانيا وإيطاليا وبلغاريا، وستمتحن قدرتها على إعادة وصل ما انقطع مع ناخبين ينفرون من بيروقراطية الاتحاد الأوروبي، ويحبطهم الركود الاقتصادي.
ووسط تكهنات بتضرّر فيلدرز من انتقادات عنيفة وجّهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لهولندا بعد أزمة التجمّعات التركية على أراضيها، ومن تخبّط ترامب بعد تنصيبه، نبّه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى «تشابه» الأحزاب في هولندا، معتبراً أنها تشارك فيلدرز «عقلية تأخذ أوروبا نحو هاوية»، وزاد: «قريباً ربما تندلع حروب دينية، تبدأ في أوروبا».

أما رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، فرأى أن نتائج الانتخابات الهولندية أظهرت «تأثيراً تركياً ومساهمةً في فرملة العنصرية في أوروبا»، معتبراً أن الدول الأوروبية «باتت تبني سياساتها وفقاً لتركيا».
وأفادت وكالة الأنباء الهولندية بأن «حزب الشعب للحرية والديموقراطية» الذي يتزعمه روتي، نال بعد فرز نحو 99 في المئة من الأصوات، 33 من المقاعد الـ150 في البرلمان، بعد حصوله على 41 مقعداً في انتخابات 2012. وحلّ «حزب الحرية» بزعامة فيلدرز ثانياً، بـ20 مقعداً، فيما تساوى «حزب النداء الديموقراطي المسيحي» وحزب «الديموقراطيون 66» الوسطي في المركز الثالث بـ19 مقعداً. وكان لافتاً أن حزب «دينك» الذي يدعمه الهولنديون الأتراك يتّجه للفوز بثلاثة مقاعد، ولأن يصبح أول حزب يمثّل أقلية عرقية يدخل البرلمان. وبلغت نسبة التصويت 80 في المئة، وهي الأعلى في 10 سنوات.

وشكّل الاقتراع صدمة لحزب فيلدرز، بعدما رجّحت استطلاعات الرأي نيله أعلى نسبة من الأصوات. لكن ذلك لا يعني تراجعه، إذ زاد رصيده بخمسة مقاعد، وإن كان حصل عام 2010 على 24 مقعداً. وعبّر فيلدرز عن مرارة قائلاً: «نحن الحزب الثاني الأبرز، تهانينا. كنا نفضّل أن نكون أبرز حزب». وأعرب عن رغبته في المشاركة في محادثات لتشكيل ائتلاف، علماً أن الأحزاب التقليدية استبعدت العمل معه.

أما روتي، الفائز بولاية ثالثة، فرأى أن نصره يعكس كبح الهولنديين «النوع الخاطئ من الشعبوية، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي و(نتيجة) الانتخابات الأميركية». ونبّه إلى أنه يحتاج إلى وقت لتشكيل حكومة يُرجّح أن تواصل تشديد سياسات الهجرة في هولندا، علماً أن حزبه وأحزاباً أخرى تبنّت غالبية سياسات فيلدرز المناهضة للمهاجرين، وإن لم تؤيّد خطابه المعادي للإسلام.

وأعربت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل عن «سعادة غامرة» بـ «نتيجة مؤيّدة بشدة لأوروبا»، مذكرة بأن هولندا «شريك وصديق وجار» لبلادها. واعتبر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الانتخابات «نصراً واضحاً على التطرف»، فيما شدد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر على أنها تمثّل «إلهاماً للجميع».



صدى الشام