رحيل ديرك والكوت: الذهب الطالع من النخيل


توفي يوم الجمعة الماضي، الشاعر والكاتب المسرحي الكاريبي، ديريك والكوت، إثر أزمة صحية عن عمر يناهز 87 عاماً.
ووالكوت، الذي ولد في 23 يناير 1930 في سانت لوسيا، هو من أهم الشعراء والكتاب العالميين الذين يكتبون بالانكليزية في النصف الثاني من القرن العشرين. تضمن شعره جماليات منطقة الكاريبي وتناقضاتها . عمل محاضرًا في جامعات في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، عيَّن عام 1981 أستاذًا للغة الانكليزية في جامعة بوسطن الأمريكية، ونال جائزة نوبل للآداب عام 1992.

من أعماله: “في ليلة خضراء” قصائد 1948 ـ 1960 (نشر في عام 1962) و”الناجي كم الغرق وقصائد أخرى” 1965، و”عنب البحر” 1976، و”مملكة التفاح النجمي” 1977، و”الخليج” 1969، و”المسافر المحظوظ” 1981، و”منتصف صيف” 1982، و”طقوس كاريبية” 1984، و”قصائد لدخول الملكوت” 1987، و”العودة الى الرحم” 1991، كما نشرت قصائده المختارة في عام 1993. توقف تقرير لجنة نوبل، في تبرير منحه الجائزة، عند الحس التاريخي العميق في شعرية والكوت الذي عمل على مزج ثقافات عالمية ومحلية في أعماله الشعرية.

هنا ترجمة لبعض قصائده:

أن تعود إلى الأشجار

إلى جون فيغوروا

عتيقة، هذه السنديانة،

عتيقة، شجرةُ لوز البحرِ هذه

لا تجفلُ تحت الرذاذ

في هذا البستان الشّائخ

على الطريق البحريّة إلى كومانا.

أن تعودَ إلى الأشجار،

أن تذويَ مثل هذه الشجرة،

السنديانة الراسخة

للواعظ الـمُرعدِ بِن جونسون!

أو هل تراني أتمدّدُ

كتلك اللوزةِ المقطوعة

حين أكتبُ مُتَطَلِّعاً لأنْ أهرمَ-

شاعراً متغضّناً

مُلْتَحٍ بالزّوبعة،

أوزانُه كالرّعدِ؟

ليس الأمرُ البحرَ وحده،

لا، إذ في الصّباحات المخضوضرة العاصفةِ

أتقرّى ما يطرأ على جبلِ مورْنِ كوكو،

من الشّروق السّافر

إلى نهايتِه الشاحبة؛

اصّاعدَ الرماديّ كما لا أقوى على احتمالِه،

لم يَعُدْ محايداً،

لم تعُدْ رايةُ الإقدامِ

المتسخة تتعفّر تحتَه،

تبقّعتْ بتَدَرُّجِ الألوانِ

كما الـمَرْوُ، متباينةٌ هيَ

كما السّأمُ،

الرّماديُّ الآنَ سديمٌ

بِللوريٌّ، ألماسةٌ كَلِيْلَةٌ،

حجرٌ مُغْبَرٌّ ورواقيّ،

الرّماديُّ قلبُ السّلامِ،

أشدُّ بأساً من المُحارِبِ

وهو يتخطّى الفصائلَ،

إنّه التّرقُّبُ الشّموليُّ

عندما ترتكزُ أعمدةُ الهيكلِ

على أكُفِّ شمشونَ

وهي راسخة، راسخة،

تلك الهنيهة

عندما تغفو صخرةُ العالَمِ الثّقيلةُ

كطفلٍ

على عاتقيِّ أطلسَ الرّاجفتين

وعيناهُ مُغْمَضتانِ،

رزْحٌ ما هو إلا التّوازنُ.

سينيكا، ذلك الملولُ الخرافيّ،

ولاتينيتُه العُقَديّةُ، الوعرة

التي لا أقرؤها إلا في نثار

من لحاءٍ مُهَشَّمٍ، وأبطالُه

الذين طوّعتْهمُ الزّوابعُ،

والذين ينظرون مُستعِينينَ بكلمةِ

“حكيمة،” بعينيها الاثنتين،

من خلال أفرُعِ هذه الشجرة،

إلى ما وراء الغبطة،

إلى ما وراء اللفظ الـمُغنّى،

شجرة اللوز السّادرةُ هذه

تذهبُ بهذه اللغةِ

في الرّملِ، بطيئةً،

مع حُبيباتِ الرملِ، مع القرون.

وظيفة غريبة للكلب- الثورُ[1]

تتهيّأُ لبلوى،

لكنّ أخرى تأتي.

لا يُشبه الأمرُ الطقسَ،

وليس بوسعك أن تُحصِّنَ نفسَك،

عدم الاستعداد هو لبّ المسألة.

رفيقك، المرأة،

الصديق إلى جوارك،

الطّفلُ قربَك،

والكلب،

نرتجفُ لأجلهم،

نتطلَّعُ صوبَ البحرِ آملين

أن تمطر.

علينا أن نتأهّبَ للمطر؛

لستَ تجد صِلةً

بين أشعّةِ الشمس إذ تغيّرُ

الدّفلى الآخذةَ بالاسوداد

في حديقة البحر،

وبين الذهب الطّالع من النخيلِ.

ولا تجد صلةً

بين نُقط الرّذاذ

على جلدك،

وبين عويلِ الكلب،

العاصفة لا تُخيف،

الاستعداد هو لبُّ المسألة؛

وما يأتيك من الزهو

يقصدُ أن يُعْلِمك

بأنّ الصّمتَ هو لبُّ المسألة:

أنه أعمقُ من الاستعداد،

أنه بعمقِ البحر،

بعمقِ الأرض،

بعمقِ الحبّ.

الصّمتُ

أعتى من الرّعد،

نحن مُبتَلُون بالغفلة والعمق

كما الأنعامُ التي لا تتلفظ بالحُبِّ أبداً

كما نفعلُ، إلا

أنه يصبح عصيّاً عن التلفّظ

ولا مناص من أن يُقالَ،

عويلاً،

دموعاً،

في الرّذاذ الذي يأتي أعيننَا

دون أن يتلفظ باسمِ الشيء المحبوب،

صمت الموتى،

صمت أعمقِ حُبٍّ دفين هو

الصمت الأوحد،

وإنْ نَكُنَّهُ للبهيمة،

أو للطفل أو للمرأة أو للصديق،

فإنه الحبُّ الأوحد، هو ذاته،

وهو المُبارَكَةُ

إذ تتجلى عميقةً بالفقد

هو المُبارَكَةُ، هو المبارَكَة.

ناسك كوڤا

إلى كينيث رامتشاند

عندما يتردَّدُ الغروبُ، والناقوس النحاسيّ،

في كوڤا،

أُدرِكُ روحي، طليقةً خارج غمدِها،

كسربِ طيورٍ بيضاءَ يتضاءلُ

فوقَ محيطٍ من قصبِ المساء،

أمكثُ هادئاً، بانتظارِ أن يعودَ

مثل قطيع خنازير تلطخت بالوحل،

إذ أنَّ الهندَ، بالنسبةِ إلى روحي، بعيدةُ المنال.

ونحو ذاك الناقوس

تحتشدُ غيومٌ عقيمةٌ في أرديةٍ زعفرانيةٍ

مقدّسَةٌ للمساء،

مقدَّسةٌ حتى لـِ راملوشان[2]،

وهو ينشِدُ أغنياتٍ هنديّةً من أرجوحتِه القنَّبِيَّة

بينما المساءُ يمسحُ الخواصرَ

والأبواقَ الفضّيّةَ لِعَرَبَتِه الكستنائيةِ العمومية،

في حينِ يطنّ البعّوض بتعاويذ مسائه،

صديقتي بعوضة الملاريا[3]، على السِّيْتارِ[4]،

واليراعات تُحيلُ كلَّ غَسَقٍ إلى دِيْوَاْلِيْ[5].

عَقَدتُّ رأسيَ بغيمةٍ،

تَسَمَّرَ شارِبايَ كقرنين،

يداي هَشّتان مثل صحائفِ الـ رامايانا[6].

ذات يوم تناسلتْ القِرَدَةُ المقدَّسَةُ كالأفْرُعِ

في المعابدِ القديمة؛

لم أحنَّ إليها،

لأنَّ هذه الحقول أنشَدَتِ الـ بِنْغال،

هناك خلف مشغلِ راملوشان كانت ولايةُ أُتّار برادِشْ[7]؛

لكنّ الزّمنَ يهدرُ في أُذنيَّ مثلَ نهرٍ،

العصرُ القديمُ حريقٌ هائلٌ

عاتٍ كما حرائق القصب وقتَ الحصاد.

سأعبرُ هؤلاء البشر عبورَ غيمةٍ،

سَيَرون طائراً أبيضَ يقهرُ بحرَ القصبِ

المسائيَّ وراء كوڤا،

فَمَنْ سيُشِيرُ إليهِ على أنّه روحيَ خارجَ غِمدِها؟

لا اللغةُ المقدسةُ للعريسُ في الخَرَزِ،

وللعروسِ في براقعِها،

على لوحِ الإعلان السينمائيّ.

تحدثتُ أكثر مما ينبغي إلى مجلسٍ كوڤا القرويّ.

تحدّثتُ بصوتٍ خافت، لكنَّ صوتيَ اختنقَ

بمكبراتِ الصَّوتِ أمام المتاجرِ

أو مكبّرات الصّوتِ مع الصّورِ الأكثر ضخامةً.

أنا أنسبُ مَن يتخطّرُ كطائرِ من سربٍ أبيض

ينتصب على ساقين كالعِيدان، ثم يعْلقُ عند المعبَرِ

بينَ القصبِ على طريقٍ ريفية في المساء.

ألعبُ دور الأخِ الرّاشد. لا مزيد من الأخوةِ الراشدين.

هناك العجائزُ وحسْب.

يبصقُ أصدقائي على الحكومة.

لا أظنّ أن الأمر وقْفٌ على الحكومة وحدها.

أتحسبُ أن كلَّ الآلهة عجائز،

أتحسب أنهم موتى وأن هناك من يحرقهم،

متخيِّلاً ما يُشبِه قطّاعةَ قصبٍ

تشرعُ في تقطيعِ الأفاعي بمنجلٍ

يسومُ الإلهَ ذا الأذرعِ الأفعوانيّة صنوفَ البترِ،

أتحسبُ

أنّ صيّاداً ما قدِ احتجزَ

هانومان[8] بخبثه في قفصِ القرود.

أتحسبُ أن الآلهةَ قاطبةً قد أعدمتْ بالمصباح الكهربائي؟

الغروبُ، كموقد، يهدرُ في أذنيَّ؛

جمراتٌ من سنونوّاتٍ منتفجةٍ تحومُ وتزعقُ،

حولَ مِحرقةِ جُثثِها،

كنساءٍ ذاهلاتٍ.

وأرتقي سريريَ المصنوعَ من خشبِ الصَّنْدَل النّديّ.



صدى الشام