‘«كوكب الأرض 2»: عجائب الحياة البرية بأبهى صورة’
20 آذار (مارس)، 2017
زامنت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عرض الجزء الثاني من برنامج «كوكب الأرض» مع مرور عشر سنوات على عرض جزئه الأول ومع الاقتراب من الاحتفال بعيد ميلاد معده ومقدمه السير ديفيد أتينبور التسعين، والذي قضى عقوداً منها في العمل على نقل الطبيعة إلى شاشة التلفزيون. وما زال يحاول المضي في نقلها بأسلوب مشوق مستعيناً في كل مرحلة بالتطورات التقنية، مستفيداً من التقدم السريع والمذهل في حقل التصوير بخاصة، وبحسب قوله لمراسل القناة البريطانية، أثناء حضوره معرض بيع منتجاتها السنوية في ليفربول وبمناسبة عرض منجزه الجديد: «في كل مرة نتوجه للعمل على مشروع جديد نشعر جميعنا (فريق العمل) بأننا لن نضيف كثيراً وسنُعيد تقريباً ما فعلناه سابقاً، لكننا وفي خضم العمل نكتشف أن هناك الكثير المثير في الطبيعة ما يستحق عرضه والتقنيات الحديثة تساعدنا على ذلك، بفضلها لم يعد هناك شيء غير قادرين على فعله!».
مشاهدة الحلقات الست من البرنامج الجديد تبرز حقيقة ما قاله، فالكاميرات المثبتة على طائرات بلا طيار (درون) تسجل من على علوٍ شاهق أدق تفاصيل المشاهد الواسعة وتستطيع التقاط كل ما يتحرك تحتها، كما ترصد الكاميرات الأوتوماتيكية المخفية أدق مظاهر الحياة على الكوكب من قرب، فيما تساعد «مثبتات» الكاميرا الجديدة الشديدة المرونة، المصورين على الاقتراب من أشد الحيوانات خطورة ورصد حركاتها من دون خوف من اهتزاز الصورة. كل ذلك جعل من الجزء الثاني من «كوكب الأرض» تحفة بصرية لا يمكن وصفها بسهولة والأفضل ألف مرة مشاهدتها كما صورت بأيد محترفة صبورة، فكل لقطة لا يتعدى زمنها الثواني أخذت منهم أياماً وأحياناً تعرضت حياتهم بسببها للخطر كما سجلوها بأنفسهم واعتادوا إضافتها إلى نهاية كل حلقة من المسلسل ليتعرف المشاهد إلى طريقة عملهم وإضفاء صدقية كبيرة عليه. لعبت مقدمة الجزء الثاني، دورها في عرض رؤية صناعه إلى المادة التي يشتغلون عليها: الحياة البرية، وكيف اختلفت خلال العقود القليلة الماضية، عما كانت عليه يوم صوروا أول الأفلام الوثائقية عنها.
حين ينظر المرء إليها مجدداً من منظور طائر ربطت على عنقه كاميرا ديجتال صغيرة، أو أن يتأملها بعيون فراشة فإن الأمر يبدو مبهراً ومدعاة للتفكير فيها.
التقنية الجديدة سمحت لفريق العمل بتصوير أحداث دراماتيكية، تم عرضها بصحبة موسيقى كتبت لها خصيصاً، لتظهر كما لم نعرفها من قبل. ليست التقنيات وحدها مَنْ تغيّر بل الأرض نفسها أيضاً، فما يهددها اليوم من أخطار لم تتعرض له خلال ملايين السنين، إلى درجة تطرف في سلوك الكائنات الموجودة فوقها، من أجل الحفاظ على نوعها من الانقراض.
وهكذا صار تصوير سلوك الحيوانات والنباتات البرية ضرورياً لدراسة ما فعلته يد الإنسان بها وأجبرتها على التلاؤم معها، بل أن قسماً منها اضطر، كما القردة في الهند، للانتقال من الغابات إلى المدن طمعاً في الحصول على ما تعيش عليه من قوت، بعد أن يبست الغابات، ومن هنا كانت فكرة الانطلاق أولاً إلى الجزر النائية التي لم تصلها، كما يفترض، شرور الإنسان بعد.
تبدو الحياة هادئة ومستقرة لحيوانات جزيرة إسكودو البنمية، لكننا سرعان ما سنكتشف أن أنواعاً نادرة منها تعاني نقصاً في مصادرها الغذائية، يؤثر سلباً في تكاثرها واستمرارها والسبب؛ وجود نوع طارئ من النمل جاء إلى الجزيرة عبر السفن التجارية الراسية بالقرب منها وهذا بدوره وحفاظاً على نوعه، أكل أنواعاً من الزواحف كانت تلعب دوراً مهماً في عملية التوازن الطبيعي، ما أدى إلى شح الأشجار وبالتالي قلة الأوراق التي تتغذى عليها قرود ليمور بخاصة. هذا الأمر تكرر في جزر مدغشقر حين بدأ الإنسان بقلع الكثير من أشجار غاباتها المطرية وتسبب في هجرة حيواناتها إلى مناطق غريبة، للتلاؤم معها كان عليها تغيير سلوكها وطريقة تغذيتها بالكامل.
لم يدخل الوثائقي التلفزيوني من باب سجالي مباشر إلى تلك العوالم بل عبر رصد الحياة فيها بعدسة كاميرات شديدة الحساسية، تنقل أدق التفاصيل إلى درجة تشعرنا بأننا نعيش بالقرب منها. كل لقطة من الجزء الثاني تحفة بصرية وحين سيذهب صناعه بعيداً في تصويرهم إلى النادر والغامض في الحياة البرية سنكتشف أهمية أن يملك منتجوه تقنيات عالية الجودة بواسطتها يمكننا التعرف في شكل أدق إلى العالم المحيط بنا.
لن يتصور المرء مهما عاش على كوكب الأرض كيف تؤمن ذكور «البطريق» طعام صغارها فوق جزيرة زافودفسكي المتجمدة. قفزها من علو عشرات الأمتار إلى مياه المحيط من أجل الصيد والإتيان به ثانية إلى الجزيرة العارية، قتال حقيقي. يصور الجزء الثاني المعارك الشرسة التي يخوضها الذكور ضد الأمواج العاتية التي تقذفهم إلى الصخور لتتمزق أجسادها بما قد يؤدي إلى موتها.
صور الأفاعي المتطايرة وهي تطارد سحالي جزر نيوزلندا مخيفة كما مشهد نمر بري يصيد تمساحاً وهو أحدث صدمة عند بعض الجمهور الإنكليزي، الذي اعتبره «بشاعة» تدعو إلى الخوف والتقزز.
إلى كل جهات الأرض ذهب المسلسل فصور أنواعاً من الحيوانات نادرة الظهور مثل القطط الوحشية في جبال الهملايا والصقور المعزولة في جزر المحيط وطريقة الصيد الجماعية لدلافين نهر الأمازون إلى صور طيور «الفلامنكو» وهي تتراصف لتشكل دائرة حمراء اللون تخيف خصومها في الأعالي.حلقات «كوكب الأرض 2» مبهرة، تولد مشاهدتها متعة ويمنح نصه المقروء بصوت السير ديفيد أتينبور إحساساً عند المشاهد بالتماهي معه.
[/sociallocker]