أجواء معركة دمشق تطغى على مفاوضات جنيف


بعد أسابيع من الضغط العسكري المكثف لقوات النظام على العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في العاصمة دمشق ومحيطها، أطلقت الفصائل فجر الأحد الماضي معركة كبيرة ضد قوات النظام والميليشيات المساندة له في حي جوبر وفي منطقة القابون، وتمكنت من إحراز تقدم على الأرض، وسط تخبط  لدى النظام ونزوح للسكان في المناطق الخاضعة لسيطرته، ورغم أن فصائل المعارضة اضطرت للتراجع نسبياً والانسحاب من بعض المواقع التي سيطرت عليها، إلا أن هذه المعركة شكلت صدمة كبيرة للنظام الذي شعر لأول مرة منذ أكثر من عامين بأنه مهدد في عقر حكمه، وعلى بعد كيلومترات قليلة من القصر الجمهوري.

وقد وصلت فصائل المعارضة في ذروة تقدمها الى كراجات العباسيين، ووصلت منطقتي جوبر والقابون ببعضهما بعد أن سيطرت على معامل الغزل والنسيج والحلو والسادكوب وشركة الكهرباء والخماسية ومعمل كراش في المنطقة الصناعية في حي القابون شرقي دمشق، في حين أغلق النظام جميع الطرق الواصلة بين ساحة العباسيين والقابون من جهة الكراجات.

وبعد أن اتبعت الطائرات الروسية سياسة الأرض المحروقة من خلال تنفيذها عشرات الغارات الجوية، اضطرت الفصائل للانسحاب من بعض تلك المناطق والتي تعتبر مناطق مكشوفة ومن الصعب الثبات فيها، لتتركز المعارك في المنطقة الصناعية وفي رحبتي المرسيدس والدبابات، وسط قصف مكثف يطال المناطق التي تقدمت إليها المعارضة، ومحاولة من قوات النظام والميليشيات لاحتلال معامل كراش والغزل والنسيج والخماسية وشركة الكهرباء، بينما تشهد الأبنية المطلة على اوتستراد دمشق – حلب عمليات كر وفر بين الجانبين.

 

ووفق معطيات عدة فان خسائر قوات النظام والميليشيات جراء هذه المعارك زادت عن 100 قتيل بينهم ضباط كبار إضافة إلى أسر 50  آخرين، مع الاستحواذ على دبابتين ومستودع للذخيرة.

وبدأت المعركة التي شاركت فيها فصائل عدة أبرزها “فيلق الرحمن”، و”أحرار الشام” و”هيئة تحرير الشام”،  فجر الأحد بتفجير مفخختين على جبهتي جوبر والقابون استهدفت إحداهما غرفة عمليات النظام ما أسفر عن تدميرها بالكامل ومقتل جميع الضباط والعناصر بداخلها، بينما ضربت الثانية حاجز سيرونيكس ما أسفر عن مقتل وجرح جميع عناصر الحاجز، وتلا ذلك اندلاع اشتباكات عنيفة تمكنت قوات المعارضة على إثرها من السيطرة على عدة مبان استراتيجية، تطلُّ على أجزاء من حي العباسيين في دمشق.

ورجّح مراقبون أن يكون هدف المعركة إضافة إلى وصل منطقتي جوبر والقابون تخفيف الضغط على جبهات الغوطة وحيي تشرين وبرزة، وقطع الطريق على الهجوم المتوقع الذي يُعِدّ له النظام باتجاه الغوطة الشرقية.

ويبعد حي جوبر عن حي القابون كيلومترات قليلة مشغولة غالباً بورش صناعية وبساتين.

ولاحظ المراقبون أن مقاتلي المعارضة دخلوا المعركة خلافاً لمعارك سابقة، وهم موحدون في الغوطة وشرقي دمشق بعد طي صفحة الخلافات خاصة بعد الهجوم على بساتين برزة وحرستا والقابون من جانب قوات النظام والذي استطاع مقاتلو المعارضة خلاله تدمير عدة دبابات لقوات النظام وتكبيدها خسائر كبيرة، واعتبر هؤلاء أن مجرد التفكير بهجوم من هذا القبيل يعتبر خطوة بطولية في ظل الضغط الكبير الذي مارسه النظام على تلك المناطق قصفاً وحصاراً خلال الشهور والسنوات الماضية علما أن النظام قام بتحصين جبهة جوبر بشكل “حديدي” خلال الفترة الماضية تحسباً لأي هجوم من هذا القبيل.

 

 

تخبط النظام

وبدت الآثار الصادمة للهجوم المباغت على النظام من خلال حالة التخبط التي عاشها خاصة في ساحة العباسيين وحي التجارة وشارع فارس خوري، وفي ظل هذا التخبط أصابت إحدى الغارات الجوية بالخطأ قوة تابعة للنظام قرب حي العدوي ما أوقع خسائر في صفوفها، فيما شهد حي التجارة التابع للنظام حركة نزوح باتجاه وسط العاصمة بالرغم من المحاولات المستميتة من جانب وسائل إعلام النظام لطمأنة الأهالي والادعاء بأن الحياة طبيعية، وأن قوات النظام صدت الهجوم بشكل كامل.

لكن على الأرض فرضت قوات النظام نوعاً من حظر التجول في المناطق القريبة من القتال وأعلنت بداية إغلاق كلية الزراعة القريبة من مواقع الاشتباكات، قبل أن تعلن يوم الهجوم عطلة رسمية في جميع أنحاء البلاد، بحجة الاحتفال بعيد الأم.

كما أقدمت قوات النظام على قطع أوتستراد العدوي والطريق الواصل إلى مساكن برزة من الكراجات والطريق الواصل إلى الزبلطاني، إضافة إلى قطع شارع فارس الخوري الواصل بين كراجات العباسيين والساحة، مع إغلاق بقية الطرق التي تصل الكراجات بساحة العباسيين.

وقالت صفحات موالية للنظام إن قذائف عدة سقطت على بعض أحياء العاصمة دمشق خاصة تلك القريبة من مناطق الاشتباكات مثل شارع فارس خوري والعباسيين والمهاجرين وباب توما والتجارة، وضاحية الأسد .

وكانت فصائل المعارضة تصدت خلال الأسبوع الماضي لعدة محاولات لقوات النظام التقدم باتجاه جبهة  بساتين برزة في دمشق وحي تشرين وجبهة الريحان ودمرت لها عدة آليات.

وتكمن أهمية حي جوبر في قربه من ساحة العباسيين وسط العاصمة دمشق التي تحمل أهمية رمزية كبيرة، كما تحتوي على مواقع إستراتيجية، أهمها مقر المخابرات الجوية، وملعب العباسيين الذي تحول منذ بداية الثورة لثكنة عسكرية.

ويعد الحي في مقدمة المناطق التي خرجت فيها التظاهرات المناوئة للنظام، وتسببت الحملة الواسعة التي تشنّها قوات النظام عليه في تهجير سكانه نحو أحياء دمشق الأخرى ونحو غوطتها الشرقية والأراضي اللبنانية.

كما شهد الأسبوع الماضي عدة ضربات اسرائيلية على أهداف للنظام في محيط دمشق تخلل أحداها على الأقل محاولة من جانب الدفاعات الجوية التابعة للنظام التصدي للطائرات الإسرائيلية، وبعد أن ضربت تلك الطائرات أهدافاً عسكرية قرب مدينة تدمر وسط البلاد يعتقد أنها شحنة أسلحة متطورة لميليشيا حزب الله، عاودت الطائرات الإسرائيلية استهداف سيارة على الطريق بين دمشق وخان أرنبة في مدينة القنيطرة كان يقودها شخص لم يتم التثبت من هويته، لكن مصادر النظام قالت إنه عضو في ميليشيا الدفاع الوطني، كما شنت الطائرات الاسرائيلية هجوماً جديداً في اليوم التالي استهدف مواقع النظام في القلمون الغربي، وذلك تنفيذاً لتهديد وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي وعد النظام بتدمير منظومة الدفاع الجوي إذا أطلقت قذائف مجدداً على مقاتلاته في الأجواء السورية.

 

دي ميستورا وجنيف

وعلى الصعيد السياسي، واصل المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، مساعيه للتحضير لمفاوضات جنيف التي تعقد في 23 الشهر الجاري، حيث زار العاصمة السعودية الرياض والتقى هناك مع الهيئة العليا للتفاوض بينما رفض نظام الأسد استقباله على خلفية رفض دي ميستورا وضع دستور جديد للبلاد في ظل النظام.

ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية، عن مصدر في نظام الأسد لم تسمه قوله “إن دي ميستورا بات شخصاً غير مرحب به في دمشق لا اليوم ولا في المستقبل”.

وفي إطار هذه التحضيرات، زار دي ميستورا أيضاً العاصمة الروسية موسكو، حيث أجرى مباحثات مع المسؤولين هناك، في ظل تضاؤل الآمال في تحقيق انفراج جدّي في الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف مع التباين الكبير حول أولويات التفاوض وتراتبية القضايا التي اعتمدها دي ميستورا في جدول أعمال العملية السياسية.

وأشارت مصادر في الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية إلى أنّ دي ميستورا لم يأتِ بجديد إلى العاصمة السعودية الرياض، مؤكدة أنّ الانتقال السياسي هو جوهر المفاوضات وغايتها وفق القرارات الأممية.

وفي سياق تحضير ملفاتها للمشاركة في هذه الجولة بعد أن قاطعت اجتماعات أستانا التي ترعاها روسيا، عقدت الهيئة السياسية للائتلاف المعارض اجتماعات في اسطنبول اختتمتها بالتأكيد على مرجعية جنيف في مفاوضات التسوية، وأولوية عملية الانتقال السياسي، كما عقدت الهيئة العليا للمفاوضات اجتماعات في الرياض لبحث التحضير لمفاوضات جنيف تخللها خلافات بين الهيئة السياسية في الائتلاف وهيئة التفاوض بسبب رفض الأخيرة تنفيذ قرار الائتلاف المتعلق باستبدال اثنين من ممثليها في الهيئة بآخرين، حيث قرر الائتلاف في ١٦ الشهر الجاري (خلال اجتماع الهيئة السياسية للائتلاف في ١٥ و ١٦ آذار الجاري) استبدال كل من سالم مسلط ومنذر ماخوس بـ “عبد الإله فهد و بدر جاموس”، وذلك وسط شائعات بأن الائتلاف قد يقرر الانسحاب من الهيئة العليا للمفاوضات والتقدم للمشاركة في مفاوضات جنيف كمنصة مستقلة.

يأتي ذلك في وقت كان المأمّل أن يسعى وفد المعارضة الى توحيد صفوفه وضم بقية المنصات مثل موسكو القاهرة إلى الوفد الرئيس في الرياض، وفي ظل محاولات روسية حثيثة للتملص من مرجعية جنيف باتجاه إرساء مرجعيات جديدة للمفاوضات.



صدى الشام