آخر رجال حلب…البحث عن الإنسانية في خضم الوحشية


حين كانت القنابل تسقط في مدينة حلب، كان رجال “الخوذ البيضاء” يخاطرون بحياتهم من أجل إنقاذ حياة الآخرين العالقين تحت الأنقاض. من أجل إنجاز فيلمه الوثائقي “آخر رجال حلب” رافق المخرج “فراس فياض” المتطوعين لمدة عامين، في أثناء جهودهم ضد التهديدات اليومية عبر الشوارع المدمرة، أيضا كان عملهم كفاحاً ضد مخاوفهم الخاصة، يصور الفيلم  اللحظات الإنسانية والأمل.

حين تسقط القنابل يفر الجميع باستثناء “ذوي الخوذ البيضاء”، فهم يتّجهون إلى مكان سقوطها. إنهم من عامة الناس: فهم خبازون وسائقو سيارات الأجرة، ومعلمون، نذروا حياتهم لمساعدة الآخرين. يقول المخرج “الفيلم يصف الصراع داخل كل سوري: المغادرة أم البقاء؟”، “إن المغادرة ليست في الحقيقة قراراً بل إكراهاً، في فيلمي قرر خالد البقاء مع عائلته، لأنه قال لنفسه: إذا غادرت، سيموت كل يوم ثلاثة أو أربعة أطفال.. لن يكون هناك أحد يساعدهم”.

 

بقيت لأكتب

لم يفكر أصحاب الخوذ البيضاء بالمغادرة ، تماماً مثل الكاتب “نيروز مالك” الذي يبلغ 71 عاما من العمر، لايزال يعيش الكاتب في حلب رغم كل شيء، في كتابه الجديد “متنزه حلب” يصف مالك الحياة هناك. يقول الكاتب “يمكن القول بأنني كتبت النصوص بدم قلبي”. وقال “في الكتاب انطباعات شخصية بحتة، وبعضها كانت عنيفة جداً. هنا لا يوجد على الإطلاق الشعور بالأمان، بالإضافة إلى الشعور الدائم بتربص الموت.

كثيراً ما أجبرت على البقاء في المنزل لفترات طويلة، ولكن عندما تتاح لي الفرصة للخروج مرة أخرى، أشعر وكأنني في سجن آخر أكثر اتساعا”.

الحرب لم تنته بعد، على الرغم من أن سوريا قد اختفت من الأخبار. يصف مالك كيف كان يطوف شوارع حلب، من خلال الأنقاض والأطلال والحواجز، ويصف في أحد النصوص محاولته العبثية لمنع أحد الجنود من إطلاق النار على فتى مصاب بمتلازمة داون، وذلك فقط لأنه لم يدرك الأمر الموجه إليه بالتوقف. وإلى جانب كل هذا البؤس الموصوف، فإن هذا الكتاب يعد في نفس الوقت بمثابة دليل على قوة الثقافة، التي تساعد على الحفاظ على كرامة الإنسان في خضم أهوال الحرب.

إن الإنترنت وسيلة الاتصال الوحيدة لنيروز مالك مع عائلته التي تعيش بعيداً في أوروبا، وأيضا ينشر مالك قصصه في الفيسبوك. في واحدة من القصص يتناول الكاتب أحد المواقف المؤلمة من ابنته وأحفاده الذين يسألونه من ألمانيا القدوم إليهم. لكن مالك لا يريد أن يترك أصدقاءه، كتبه والصور وأسطواناته. سيبقى هنا، في منزله، ما دام على قيد الحياة.

ويبقى نيروز مالك يمثل عنوان كتابه “مُتَنَزِّهُ حلب”. حتى ولو لم يكن مالك كاتباً سياسياً، فإن نشر كتابه في سوريا أمر غير وارد. يقول: “لقد تعرضت منذ بداياتي في الكتابة لضغوط كثيرة، فقد استدعيت في كثير من الأحيان للاستجواب. ربما سوف يلقى القبض علي مرة أخرى مثلما حدث في عام 1996. نحن ببساطة تعودنا على أن نكون مقيدين، يجب أن تكون حذراً دائماً حين تكون كاتباً.

 

“أريد أن أعرض الجرائم ضد الإنسانية”

لقد فاز المخرج فراس فياض مؤخراً عن فيلمه الوثائقي “آخر رجال حلب” بجائزة التحكيم الكبرى في مهرجان سندانس السينمائي في الولايات المتحدة الأمريكية. كان فياض يسافر بسيارته لمرات عديدة من الدنمارك إلى حلب لإنجاز الفيلم. “نحن نبذل قصارى جهدنا للقتال من أجل حرية التعبير والعدالة في بلدنا”، أردت بهذا الفيلم أن أعرض الجرائم ضد الإنسانية. وسوف يكون الفيلم أيضا وثيقة للمستقبل. الأمر الذي سيساعد على جلب المذنبين إلى العدالة. “لقد اعتقل المخرج وعذب قبل ذلك مرتين نتيجة لنشاطه.

في فيلمه يعرض “ذوي الخوذ البيضاء” مقطع فيديو وحشي مسرب من سجون الأسد. يتساءل أحد المتطوعين “أين هو العالم؟ أين هم العرب؟” “لا أحد يأبه، لقد ماتت الكرامة”. رغم كل اليأس، فإنهم لن يتوقفوا عن مهمتهم. آخر رجال حلب يرفعون القيم والإنسانية عالياً.

ضوء أبيض صغير في سواد الحرب القاتم.

 

رابط المادة الأصلي: هنا.



صدى الشام