on
“الثورة بلا قيادات”: تحت تأثير 2011
في عام 2005، صدر كتاب “العالم مسطح” لـ توم فريدمان، حاول فيه الكاتب الأميركي تحليل العولمة من خلال النظام السوق الجديد، معتبراً أن هذا النظام يعطي الفرص نفسها للمتنافسين، مشيراً إلى الحاجة إلى تغيّرات كبرى على مستوى الشركات والمجتمعات والأفراد لكي يكونوا جديرين ببيئة المنافسة الجديدة. تناول فريدمان مواضيع الاقتصاد والديمقراطية والدولة والسياسة والبيئة والإرهاب، محاولاً فهمها من خلال فهم تغيرات السوق. وعلى العكس من هذا الكتاب، الذي حقّق لدى صدوره المرتبة الأولى في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، يأتي مضمون كتاب “الثورات بلا قادة” للكاتب البريطاني كارين روس والذي صدرت ترجمته حديثاً عن “سلسلة عالم المعرفة” ونقله إلى العربية فاضل جنكر. وإن كان كتاب فريدمان يحاول تقديم تفاسير للكيفية التي يعمل بها النظام العالمي اليوم، ففي هذه النقطة يلتقي معه كتاب روس، حيث أن “الثورات بلا قادة” هو عين جديدة تحاول أيضاً تقديم تفسير للنظام العالمي نفسه ولكن بطريقة سهلة وواضحة بعيدة عن التعقيد. زاوية جديدة يتخذها روس، لينظر إلى القضايا المعاصرة بهدف فهم آليات الهيمنة والسيطرة الجديدة التي تسيطر على مجتمعات العالم التي باتت تشعر بالعجز أمام هذا النظام الذي يبدو أنه استقر على أن الديمقراطية والليبرالية وفقاً لـ روس، هما الشكل الأخير للنظام السياسي العالمي، لا سيما بعد أن أخفقت كل الخيارات الأخرى في البقاء مع نهاية الصراع الأيديولوجي مع الشيوعية. لكن كتاب “الثورات بلا قادة” يظهر أنه حتى وفي الأنظمة الديمقراطية والليبرالية فإن الشعوب تشعر أنها مستنزفة ومستغلة من قبل أي نظام سياسي أو اقتصادي. أما من جهة الحكومات فهي تثبت بجدارة، بحسب روس، أن قدرتها تتراجع في التأثير على مشاكل العولمة وما جرّته معها من صراعات وإرهاب وشعور مستمر بالتهديد. من هنا، يسعى العمل إلى التصدي لتلك النزعة المتفائلة والساذجة التي ظهرت مع ترويج دُعاة العولمة لها، ومن بينهم فريدمان، معتبراً أنهم مروّجون لمنظومة من الهشاشة الاقتصادية واللامساوة الفظيعة التي ينبغي التصدي لها. ويعتبر روس أن ليس ثمة وسيلة لفعل ذلك إلا بالتحرّك الفردي من قبل كل من يشعر أنه المؤسسة تهمله وتتسبّب في شقائه وتحاربه في قوته اليومي ومعيشته وتجعله يعيش صراعاً من أجل إبقاء رأسه فوق الماء.
المفارقة أن كتاب روس الأناركي الذي ينتقد الأنظمة الغربية بقوة، يأتي من قبل رجل، دبلوماسي وخبير في الشأن العراقي، من داخل المؤسسة نفسها، يناقش كيف يمكن للناس العاديين الاستيلاء على السلطة وتغيير السياسات في القرن الواحد والعشرين. المفارقة الأخرى أن شعوب العالم الأول التي ترزح تحت استبداد المنظومة الاقتصادية، والتي توفر لها الأنظمة خدمات يومية لا تنتبه إلى أنها واقعة تحت هذا الشكل من الاستغلال الاقتصادي، لكن الكتاب (2012) استلهم تفاؤله حين كان العالم ما زال تحت تأثير ما حدث في البلاد العربية عام 2011.
صدى الشام