“جيش العشائر”.. بحث القبائل السورية عن دور مفقود


تُثار بين الحين والآخر أسئلة عن دور العشائر السورية فيما يجري من تطورات عسكرية شرقي سوريا، وفي خضم المستجدات ولا سيما مع تواتر الحديث عن قرب معركة الرقة، تتعالى الأصوات باحثةً عن الأسباب الحقيقية التي تفسر غياب الحضور الفاعل للقبائل في منطقة يفترض بها أن تكون الحصن الحصين لهم.
وفي سبيل إثبات هذا الدور للعشائر تجري التحضيرات للإعلان عن تجمع عسكري في منطقة تعج بقوى دولية عدة متمثلة بالتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وقوى كردية صاعدة متحالفة مع الروس والنظام، وفصائل أثبتت وجودها بعد تلقيها الدعم التركي، وتنظيم يستميت للدفاع عن مكتسباته.

تشكيل جديد
للوصول إلى هذا الغرض استضافت مدينة “أورفا” التركية الأسبوع الماضي، اجتماعاً حضره نحو 300 شخصية معارضة وقبلية من أبناء المحافظات السورية الشرقية.
وعن ذلك قال المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للعشائر السورية، مضر الأسعد، في تصريح لـ صدى الشام: “لقد سبق عقد هذا الاجتماع مدة طويلة من المباحثات مع أكثر من 50 عشيرة وقبيلة سورية، وبعد جهود مضنية تم عقد الاجتماع”، وأضاف أن “الكثير من أبناء العشائر يشاركون في القتال إلى جانب قوات درع الفرات حالياً، بعد نزوحهم عن مناطقهم، لكن ونتيجة لما يجري في المنطقة الشرقية فإن الجميع اتفق على تشكيل جيش خاص بالعشائر، ليكون من أولى مهامه تحرير مناطق الجزيرة السورية”.
لكن الأسعد أكد في الوقت ذاته أن التشكيل الجديد سيكون امتداداً لمشاركة العشائر في معارك درع الفرات، ما يعني أن هذا التشكيل سيكون موجهاً بالدرجة الأولى ضد تنظيم الدولة، ومن ثم ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري.

واعتبر أن أبناء العشائر السورية هم من أكثر المتضررين من همجية قوات سوريا الديمقراطية، وكذلك تنظيم الدولة والنظام، كاشفاً عن تلقي القائمين على الاجتماع لرسائل دعم من أطراف إقليمية -لم يُسمّها- لمشروع “جيش العشائر”.

 

مؤتمر عام
من جانب آخر ألمح الأسعد إلى قرب الإعلان عن مؤتمر عام للعشائر السورية، معرباً عن أمله أن يتم الإعلان الرسمي عن جيش العشائر والقبائل قبل تنظيم المؤتمر.
وتصف مصادر هذه الخطوة بـ”المتأخرة”، و ترى أن الفراغ الذي خلفه غياب العشائر “صار مزدحماً ومملوءاً بقوى أخرى”.
وبالحديث عن هذا الجانب لا يمكن إلا التوقف مطولاً عند ما قد يبدو شرخاً بين الزعامة التقليدية للقبيلة وبين أفرادها، كما تبينه العديد من الأمثلة التي كان آخرها ذلك السجال الذي جرى بين أبناء قبيلة “البكارة”، على خلفية إعلان شيخها “نواف راغب البشير” عن عودته إلى النظام، وتخليه عن دوره القيادي في المعارضة السورية.
ويعلّق الأسعد على هذا الأمر بالقول “نلاحظ وجود هذا الشرخ في الحالات التي اختار فيها شيخ القبيلة أن يقف إلى جانب النظام، أو إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية، أو التنظيم”، لافتاً إلى رفض أبناء العشائر من الثوار طاعة هؤلاء المشايخ.
لكنه بالمقابل ينفي وجود مثل هذا الشرخ في بنية العشائر التي اختارت قياداتها الوقوف إلى جانب الثورة، ويقول “إن الشرفاء كثر، وقلة من المشايخ من حادَ عن درب الثورة”.
دراسة بمعطيات مختلفة
غير أن ما تحدث عنه الأسعد يأتي مخالفاً لمضمون دراسة صادرة عن معهد “كازنيغي للشرق الأوسط” تحت عنوان “توقعات من الشرق… الدينامية المتغيرة في المناطق القبلية السورية”، إذا اعتبرت الدراسة أن ” شيخ القبيلة لم يعد قادراً على إبرام الاتفاقات مع قوى خارجية نيابة عن كل أفراد قبيلته كما كان سابقاً، لأن الأول اختار الوقوف إلى جانب القوى الدولية، مفضلاً بذلك الحفاظ على موقعه”.
وكما غابت السلطات المركزية (الحكومة) بعد اندلاع الثورة السورية، غابت الزعامة التقليدية للقبيلة في وقت كان فيه أفرادها أحوج ما يكونون إليها، بحسب الدراسة التي تستطرد “لقد ساهم ظهور القوى المتطرفة في المحافظات الشرقية في غياب السلطة المركزية عن القبيلة”، وتوضح “لقد اختار الشباب المسلح الذهاب باتجاه تلك القوى والتنظيمات دون إرادة القبيلة”.
وتضيف الدراسة “لقد قام مشايخ العشائر بإثارة الهويات المحلية لتعبئة السكان، سعياً لتحقيق أهدافهم الخاصة، وتحولوا إلى وكلاء الدول التي تحالفوا معها، ما أدى إلى تضعضع مواقعهم أمام أبناء قبائلهم”.

 

القبيلة إلى أين؟

يجيب الأسعد على هذا السؤال قائلاً: “إن القبيلة ذاهبة باتجاه العصرنة، ويدفع بهذا الاتجاه العناصر القبلية الشابة”، ويتابع “ما يزال وضع القبائل السورية متماسكاً خلافاً لما يتم الترويج له”، مشدداً “إن وجود شيوخ قبائل أقوياء هو الكفيل بإعادة اللحمة إلى العشيرة، مهما كان حالة التشتت كبيرة”.
وبناء على ذلك، يعتقد الأسعد أنه “لا خوف على مستقبل القبائل السورية”، بخلاف الدراسة التي تجزم -بعد شرحها المستفيض للعديد من الأسباب التاريخية والطارئة التي أدت إلى ضعضعة بنية القبيلة- أن ما تبقى من القبائل السورية اليوم ” ليس سوى إرث تاريخي”، وتختم “على الرغم من أن سنوات من الحرب لن تمحو هذا الإرث، إلا أن الديناميات في شرقي سوريا أضافت مستوى جديدًا من عدم اليقين بالنسبة للقبائل وأفرادها”.



صدى الشام