جنيف 5 بلا آمال كبيرة


تنطلق جولة جديدة من مسار جنيف التفاوضي، بين المعارضة السورية والنظام غداً الجمعة، بعدما كانت مقررة اليوم، على قاعدة السلال الأربع التي تم الاتفاق عليها في جولة المفاوضات السابقة، وهي قضايا الحكم، والانتخابات، والدستور، والإرهاب، في وقت لا تبدي فيه المعارضة تفاؤلاً كبيراً قبل انطلاق المفاوضات، فيما ترى روسيا أن التسوية السورية تمر في “لحظة حاسمة”. وتأتي هذه الجولة على وقع معارك محتدمة في العاصمة دمشق، وفي ريف حماة الشمالي، من المتوقع أن تلقي بظلالها على جولة جنيف، إذ قد يحاول وفد النظام إلصاق تهم نسف اتفاق التهدئة بالمعارضة، فيما ترى الأخيرة أن الخروقات الجوهرية من قبل قوات النظام والمليشيات الموالية له، هي ما دفعتها للرد. وتؤكد المعارضة أن سلاحها الرئيسي القرارات الدولية التي تدعو إلى حل سياسي يقوم على انتقال سياسي ذي مصداقية، مجددة التأكيد أن هذا الحل خيارها الاستراتيجي، وهو المفتاح للقضاء على الإرهاب، وتهيئة البلاد لمسار ديمقراطي حقيقي.

من جهته، لا يزال الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا يسعى لحشد تأييد دولي وإقليمي لتحقيق تقدّم في جنيف 5، إذ يقوم بزيارات متلاحقة لعواصم لها تأثير مباشر في القضية السورية، وينوب عنه نائبه رمزي عز الدين رمزي في افتتاح الجولة الجديدة، على أن يكون دي ميستورا الجمعة في جنيف، إثر عودته من جولة قادته أولاً إلى الرياض، ثم موسكو وانقرة. كما من المقرر أن يطلع المبعوث الأممي القادة العرب على نتائج المفاوضات، أثناء اجتماعهم في عمان أواخر الشهر الحالي. وبعدما كان من المقرر أن تنطلق المفاوضات اليوم الخميس، أعلن نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، أنها ستبدأ الجمعة.

والتقى المبعوث الأممي أمس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو، الذي شدد على ضرورة تحقيق تقدّم في الجولة الحالية. ووصف لافروف الوضع الحالي في التسوية السورية بأنه “لحظة حاسمة”، داعياً إلى تثبيت التقدّم “الهش” الذي تحقق في الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف. وشدد على ضرورة تضافر الجهود لتحقيق تقدّم حول المسارات الأربعة المحددة للتفاوض، وهي مسائل صياغة الدستور السوري الجديد وإجراء الانتخابات وإطلاق المرحلة الانتقالية ومحاربة الإرهاب. وأضاف: “تعد هذه السلال من المطالب الضرورية الواردة في القرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي”، مشدداً على أهمية المساهمة في تطبيق بنود القرار رقم 2254.

بدوره أعرب دي ميستورا عن قلقه من تصعيد الأوضاع الميدانية في سورية خلال الأيام القليلة الماضية، لكنه أمل في وصول كافة الوفود المدعوة إلى جنيف للمشاركة في المفاوضات، معتبراً أن المشاركة في المفاوضات تؤكد عزم الأطراف على تحقيق تقدّم في التسوية السياسية. وأكد أن السلال الأربع التي تحدث عنها لافروف ستكون في صلب المناقشات في جنيف في سياق تنفيذ بنود القرار 2254 وبيان جنيف. وأعلن دي ميستورا أنه سيغيب عن انطلاق المفاوضات، وربط تأخره بانشغاله بالمشاورات في موسكو وأنقرة، في سياق المساعي لتحقيق تقدّم في العملية السياسية.

وفي مؤتمر صحافي آخر مع نظيره من الكونغو الديمقراطية ليونار شي أوكيتوندو، أعلن لافروف أن موسكو ستواصل الحوار مع تركيا حول ضرورة إشراك الأكراد في مفاوضات جنيف. وقال إنه بحث مع دي ميستورا التحضير لجولة جنيف و”ضرورة تأمين تمثيل واسع للمعارضة السورية في هذه المفاوضات”، مضيفاً: “من الضروري تأمين مشاركة ليس فقط مجموعتي موسكو والقاهرة، بل وكذلك مجموعتي أستانة وحميميم. ومن المهم جداً إيجاد حل لإشراك الأكراد في مفاوضات جنيف”.
وأعلن لافروف أن موسكو تحترم موقف النظام السوري الذي قرر عدم استقبال المبعوث الأممي، إلا أنه أشار إلى ضرورة الحوار. واعتبر أنه يمكن إيجاد عيوب في عمل أي مسؤول دولي مكلف بتسوية أزمة معقدة جداً، مؤكداً أن موسكو تدعم جهود دي ميستورا الذي يسعى إلى إقامة حوار مباشر بين أطراف النزاع السوري، وقال إنه لا يمكن الاستغناء عن ذلك الحوار. وأعرب عن أمله في أن ما توصلت إليه مفاوضات أستانة، بما في ذلك موضوع الدستور، سيساعد على تحريك المفاوضات في جنيف. واعتبر الوزير الروسي أن “محاولات المسلحين توسيع نطاق أنشطتهم في سورية تهدف إلى تقويض مفاوضات السلام في جنيف”، مشيراً إلى أن “مشرفين خارجيين للمعارضة السورية المسلحة بذلوا عشية الاجتماع الأخير في كازاخستان قصارى جهدهم للحيلولة دون قدومها إلى أستانة”.

من جهته، قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في تصريحات صحافية أمس، إن أحداً لا ينتظر حدوث “معجزة” خلال مفاوضات جنيف، “لأن المسألة معقدة جداً وصعبة، ولهذا السبب بالتحديد علينا أن نكون أكثر تصميماً وأن نتحلى بالإرادة السياسية لكي نكون على الطريق الصحيح”.

مقابل ذلك، أكد أحد أعضاء وفد المعارضة المفاوض لـ”العربي الجديد” أن سلاح المعارضة في المعركة السياسية هو القرارات الدولية ذات الصلة، وأن الحل السياسي “خيارنا الاستراتيجي الذي لا نحيد عنه”، مضيفاً أن “المجتمع الدولي بات يدرك هذه الحقيقة”.
ويفتح دي ميستورا أمام المعارضة السورية والنظام، سلاله الأربع التي اتفق عليها الطرفان في الجولة السابقة، في تقدّم إجرائي مهم يوضح حرص الأمم المتحدة والقوى الفاعلة في الملف السوري، على إنجاز تقدّم جاد في قضايا الحكم، والانتخابات، والدستور، والإرهاب، وهي القضايا الأهم والأبرز، التي تشكل مفاتيح الحل في سورية. وأبدت المعارضة “مرونة كبيرة” في الجولة السابقة من خلال الموافقة على إضافة سلة تفاوضية جديدة طلبها النظام، وهي سلة الإرهاب بشرط القيام بتفاوض تراتبي يحتل الانتقال السياسي مكان الصدارة فيه، كما نصّت القرارات الدولية. ولكن النظام، ومن خلفه الموفد الأممي، يريد تفاوضاً متزامناً، من خلال فرق فنية، تعمل في الوقت نفسه على هذه الملفات، في محاولة من النظام للتهرّب من جوهر التفاوض، وهو الانتقال السياسي القائم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات وفق بيان جنيف 1، والقرار الدولي 2218 الذي صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2013.
وذكر أحد أعضاء مستشاري وفد المعارضة لـ”العربي الجديد” قبيل توجّه الوفد إلى جنيف، أن دي ميستورا “يحاول ممارسة خبث سياسي من خلال التأكيد أمام المعارضة على أولوية الانتقال السياسي، فيما يتكلم مع الروس حلفاء النظام كلاماً مغايراً”، مضيفاً: “يصب المبعوث الأممي جهده لإرضاء الروس في ظل غياب الدور الأميركي”، وفق المصدر.
ويذهب وفد المعارضة إلى جنيف، بسقف آمال منخفض، فهو يدرك أن مهمته شاقة، في ظل إصرار النظام على تغيير مجرى التفاوض برمته، من خلال التركيز على موضوعة الإرهاب، محاولاً إظهار المعارضة بمظهر غير الراغب في الحد مما يُسمّيه النظام إرهاباً. وأفادت مصادر من وفد المعارضة التفاوضي، لـ”العربي الجديد”، بأن “الهيئة العليا للمفاوضات والوفد التفاوضي قاموا خلال اجتماعاتهم الأخيرة بالإعداد لمباحثات جنيف 5″، مشيرة إلى أنه “لا يوجد تصور واضح عن استراتيجية إدارة الفريق الأممي للمباحثات، التي ستتبين عقب انتهاء لقاءات اليوم الخميس”، معربة عن “عدم تفاؤلها بجولة المباحثات الجديدة”.

من جهته، قال يحيى العريضي، أحد الاستشاريين المرافقين لوفد المعارضة إلى جنيف، لوكالة “فرانس برس”، إن “الآمال محدودة بحكم تعنت الفريق الأخر وعدم رغبته بالانخراط الجدي في إيجاد حل”. وعن التطورات الميدانية شرقي دمشق، رأى العريضي أن ما يجري هو “دفاع عن النفس، فالناس في حالة حصار وتجويع ويتعرضون للقصف يومياً” مضيفاً “الفعل بحد ذاته رسالة بأنه لن تستتب الأمور للنظام ولا يمكن للناس أن تستكين له”.

ويواجه دي ميستورا، تشكيكاً مزدوجاً من قبل النظام والمعارضة، إذ تتهمه الأخيرة بعدم الالتزام الواضح بالمسار التفاوضي، ومحاولة القفز فوق قرارات دولية لا لبس فيها، تدعو إلى انتقال سياسي يقوم على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، وهو المدخل الواسع إلى القضايا الأخرى المتعلقة بإعادة هيكلة مؤسسة الجيش والمؤسسات الأمنية، واجراء انتخابات نزيهة. فيما يتهم النظام المبعوث الدولي بعدم الحياد، وبالتعاطف مع المعارضة.
واستطاع المبعوث الأممي في الجولة الرابعة من جنيف انتزاع موافقة المعارضة والنظام على جدول أعمال التفاوض في تطور إجرائي يسهم في عدم نسف عملية التفاوض. لكن التراتبية التي تصر عليها المعارضة، والتزامن الذي يدفع باتجاهه النظام، قد يعوّق جهود المبعوث، خصوصاً في ظل تباين كبير في الرؤى بين الطرفين حيال السلال الأربع.

فالمعارضة ترى أن الانتقال السياسي لا يمكن أن يتم من دون قيام هيئة حكم كاملة الصلاحيات تجمع النظام والمعارضة ولكن من دون بشار الأسد وأركان حكمه، وأنه لا حل سياسياً في سورية طالما هو موجود في السلطة. أما النظام فيرى أن حكومة وحدة وطنية من المعارضة والنظام، تكون بمثابة هيئة حكم انتقالي تشرف على كتابة دستور يتيح للأسد الترشح مرة أخرى لمنصب الرئيس، ويرفض بالمطلق استبعاد الأسد في المرحلة الانتقالية، ويعتبره “فوق التفاوض”، وأي طرح آخر لن يوافق عليه. وترفض المعارضة إجراء أي انتخابات قبل الانتقال السياسي الحقيقي القائم على القرارات الدولية، فيما يدعو النظام إلى انتخابات في ظل وجوده، تدخلها المعارضة التي يحصرها النظام بالتيارات التي تتماهى مع رؤيته في حق الأسد بالترشح مرة أخرى.



صدى الشام