on
سياسة ترامب تدفع السعودية وإسرائيل باتجاه الصين.. هل يبدل الشرق الأوسط مرجعيته؟
يبدو أن العلاقات بين دول الشرق الأوسط من جهة ودول آسيا من جهة بدأت تتجه نحو المزيد من التعاون وتقوية الصلات في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة والرئيس دونالد ترامب. ويقول خبراء إن الزيارات الأخيرة لقادة دول المنطقة، مثل السعودية وإسرائيل، إلى جنوب شرق آسيا، تعكس رغبة تلك الدول بزيادة التعاون السياسي والاقتصادي.
فخلال اجتماعه مع نظيره الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، دعا رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، إلى توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين الجانبين، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الصينية الرسمية حول زيارة نتنياهو التي تستمر لثلاثة أيام، وهي الثانية له إلى جنوب شرق آسيا منذ بداية 2017، بعد زيارة أولى في فبراير/شباط الماضي شملت سنغافورة وأستراليا.
زيارة نتنياهو جاءت بعد أقل من أسبوع على جولة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، التي استغرقت قرابة شهر، وشملت اندونيسيا وماليزيا واليابان أيضا. وقد علق نيك بيسلي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “لا تروب” على هذه التطورات بالقول لـCNN، إن دول الشرق الأوسط بدأت تعيد التفكير في موقعها العالمي مع الانسحاب الأمريكي المتزايد من مسرح السياسة الدولية.
وقال بيسلي شارحا وجهة نظره: “إسرائيل والسعودية كانا في طليعة الدول التي بدأت هذا المسار، ورغم أن الشرق الأوسط لن يبدل اسمه إلا أن وصفه الأدق سيكون من الآن فصاعدا جنوب غرب آسيا، أي أنه منطقة اتصال بين الشرق والغرب.”
ولكن روجر شناهان، الباحث في “مركز لوي” الأسترالي للأبحاث، قال إن إسرائيل والسعودية لن يتخليا قريبا عن الروابط الكبيرة التي تجمعهما مع الولايات المتحدة مضيفا: “زيارة واحدة قد تُحدث ضجة كبيرة وتعطي الانطباع بأن هناك تحولات كبيرة، ولكن زيارة واحدة لن تكون كافية لإظهار وجود تحوّل في الاتجاه.”
شعار أمريكا أولا ينفّر الحلفاء
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يخف سرا بطرحه لسياسة “أمريكا أولا”، وجاء ذلك بعد ثمانية أعوام من سياسة “باردة” طبقها الرئيس السابق، باراك أوباما، تجاه حلفائه في المنطقة، مثل السعودية وإسرائيل، وبالتالي كان من الطبيعي – وفقا لخبراء – أن يعيد الحلفاء في الشرق الأوسط تقييم الموقف وبحث الخيارات.
ويقول شناهان: “هناك رغبة بأخذ الاحتياطات للمستقبل لأن تلك الدول تعتقد أن أمريكا لن تزيد من تدخلها في الشرق الأوسط عسكريا، وهم محقون في هذا الاعتقاد. ولذلك لديهم إحساس بضرورة امتلاك المزيد من الاستقلالية.” أما بيسلي فيرى أن السعودية تبحث عن المزيد من الحلفاء الأقوياء في العالم، وهي تقترب أكثر فأكثر من الصين كي يكون لديها خيارات بحال قررت النأي بنفسها عن أمريكا التي تتصرف بشكل سياسي عدائي حاليا تجاه الدول ذات الغالبية الإسلامية.
ويشرح بيسلي وجهة نظره بالقول: “برأي السعودية، إذ قررت أمريكا الانسحاب من المشهد فسيكون من الجيد الحصول على صديق قوي وكبير مثل الصين.”
الجانب الاقتصادي
ولكن للعلاقات بين الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا جوانب اقتصادية واضحة أيضا، فدول الشرق الأوسط تحاول ضمان مستقبلها الاقتصادي من خلال تمتين علاقاتها الآسيوية خاصة وأن القارة تضم نصف سكان كوكب الأرض وفيها الدول الأسرع نموا في العالم، مثل الصين والهند وإندونيسيا، والتي ستواصل استهلاك النفط بكميات كبيرة.
ويقول بيسلي إن دول الشرق الأوسط المصدّرة للنفط تدرك أن آسيا ستكون المركز الاقتصادي للعالم طوال العقدين المقبلين على الأقل، ولذلك فهي ترغب بضمان سوق لنفطها، ولكنها ترغب أيضا بالاستفادة من الاستثمارات الآسيوية الكبيرة، وخاصة السيولة الهائلة التي لدى بكين وخططها الاقتصادية لبناء طرق تجارية جديدة تربطا بأوروبا عبر الشرق الأوسط.
وتخطط الصين لإنفاق 900 مليار دولار على مشاريع البنية التحتية لبناء مطارات ومرافئ وخطوط أنابيب على طول تلك الطريق التجارية، ما يفتح شهية دول مثل السعودية وإسرائيل وسائر بلدان الشرق الأوسط للاستفادة من تلك المشاريع التي ستفيدها اقتصاديا دون ضرورة لتحمّل ما يرافق المشاريع الغربية عادة من ضغوطات بملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ولكن رغم الحماس الشديد للاستفادة من الاستثمارات الصينية، فإن لدى العديد من دول الشرق الأوسط ما يكفي من الأسباب التي تدعوها للقلق حيال مستقبل العملاق الآسيوي، وهذا ما يشرحه شناهان بالقول: “الإحساس بأن قوة الاندفاعة الاقتصادية الصينية لن تستمر قد يكون كفيلا لإقناع الدول بضرورة تجنب الاعتماد الزائد على بكين باعتبار الأمر ليس خيارا طويل الأمد.”
ويضيف شناهان أن تمتين العلاقات بين الصين والشرق الأوسط لن يتحقق بمجرد زيارة بل يحتاج إلى لقاءات طويلة واجتماعات بين المسؤولين تستغرق ما بين عام وعام ونصف قبل أن تترسخ بشكل جدي.
صدى الشام