باتت على أبواب الحرية… وأحرارها ينادون (قمحانة لينا وماهي لبيت الأسد)
24 مارس، 2017
خالد عبد الرحمن: المصدر
أثارت بلدة “قمحانة” الكثير من التساؤلات في الآونة الأخيرة بعد أن شغلت السوريين ونُسِجت حولها القصص والحكايات، حيث لجأ إليها كل راغب ثراء وطالب تشبيح مما يجاورها من المدن والقرى ونسب نفسه وأفعاله إليها وربما قتل ودفن فيها.
على مسافة أقل عشرة كيلومترات إلى الشمال من حماة تقع بلدة قمحانة وتمتد من سفح جبل زين العابدين شرقاً إلى ضفة العاصي الشرقية غرباً، وتتبعها سبع مزارع وتحيطها شبكة معقدة من الوديان والتضاريس ما يفسر أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للنظام كحصن قوي وأخير للحفاظ على حماة التي طالما قضت مضجعه منذ نشأته قبل أربعين سنة.
وتذكر كتب التاريخ أن قمحانة كانت مسرحاً لمعارك السيطرة على مدينة حماة على مر العصور أشهرها معركة قرون حماة (قمحانة حالياً) ومنها “وقد ساعد الانتصار الذي حققَّه صلاح الدين في (قرون حماة) على تثبيت مركزه تماماً في بلاد الشام، كما أضعف مركز مناوئيه تماماً في بلاد الشام، ودفعه إلى أن يتلقَّب (ملك مصر والشام) ودُعي له على منابرها، كما صكَّ نقوداً ذهبية باسمه”، بحسب كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس.
يسكنها حوالي عشرين ألف نسمة، جميعهم من السنة الشافعية باستثناء عائلة شيعية واحدة (ثلاثة أخوة وأبناؤهم) وهم حديثو العهد بالتشيع، وهذا الحال إلى ما قبيل الثورة، أما اليوم فيعد فيها أبناء الطائفة الشيعية بالعشرات لا أكثر.
في أولى مظاهرات حماة ومن أمام جامع عمر بن الخطاب، شارك أبناء قمحانة مع بقية أبناء المدينة في مظاهرات المدينة لتنهال عليهم قطعان الأمن العسكري وتعتقل العديد من المتظاهرين ثلثهم من قمحانة، ولتخرج بعدها أولى المظاهرات في قمحانة في جمعة أطفال الحرية، وكانت أغلب مظاهراتها تنتهي بصدامات مع المؤيدين مخلفة إصابات وجرحى.
فتحت قمحانة أبوابها عشية نزوح أهالي مدينة حماة 2011، وكانت حينها السطوة للأحرار على مستوى حماة وريفها بما فيها قمحانة، ليرتقي يومها أول شهيد على يد الجيش (ماهر عبدالرحمن)، وداهمتها قوات النظام والجيش برتل ضخم في نهاية فبراير/شباط 2012، واعتقل منها المئات (أغلبهم ما زالوا مغيبون) وجعلوا منها مركزاً لقواته وكان ذلك آخر عهد الثوار فيها وبداية الفترة الذهبية للشبيحة وبداية سطوتهم ليسقط أول شهيد على أيديهم (محمد سودين).
ويمكن تصنيف سكانها (بشكل تقريبي) على الشكل الآتي:
– ثلاثون في المئة من أبناء البلدة من عائلات كبيرة تعمل بالزراعة، كانت مشاركتها الثورية خجولة وفي نفس الوقت لم تلتحق بركب النظام ومازالت.
– ثلاثون بالمئة من أبنائها معارضون ومنهم نسبة كبيرة من الناشطين والثوار، أشهرهم الشهيد الاعلامي مصور بابا عمرو “أحمد حمادة” الذي استشهد في حي البياضة في حمص والشهيد معاذ العمر (أصغر إعلاميي الثورة) الذي استشهد في كفرزيتا والقائد العسكري في الجبهة الإسلامية في المليحة الشهيد أبو خالد حيدرة (محمد حمادة) بالإضافة إلى حوالي30 شهيداً جميعهم في المعارك أو المعتقلات.
لها عدة كتائب مقاتلة ومعروفة في الريف الشمالي، عرفوا بامتناعهم عن الإعلام بسبب الظروف الأمنية ووجود ذويهم بين يدي الشبيحة، فلم يُعلن يوماً عن اسم شهيد من قمحانة رغم أنهم فاقوا العشرين، دفنوا غرباء عن أرضهم بصمت، ومنهم من لم يعلم آباؤهم وأمهاتهم باستشهادهم إلا بعد حين. ناهيك عن عدد لا بأس به من أبنائها الذين غادروها بعد دخول قوات النظام إليها ويتوزعون الآن في قرى ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي.
– الأربعون في المئة المتبقيين من أبنائها مؤيدون للنظام، التحق جزء كبير من شبابهم بالدفاع الوطني وحمل السلاح وكثير منهم اكتفى بالعمل الإعلامي أو ضمن مؤسسات مثل “بصمة شباب سوريا”.
وتعددت أسباب التشبيح، فمنهم من تشبّح عن اعتقاد، ومنهم من تشبّح لكسب ثروة، ومنهم من تشبّح لاتّقاء شرّ الشبيحة أنفسهم! ومنهم من تشبّح لأسباب عائلية وطائفية، ورغبة في إطفاء حقد قديم، وكل ذلك بدراية ووعي وإدراك من استخبارات النظام الذي أراد لقمحانة ذلك المكان بحكم أهميتها له كموقع استراتيجي.
أخيراً؛ قمحانة لها ما لها وعليها ما عليها وقد حكمتها ظروف السياسة والجغرافية، واليوم هي أقرب ما تكون إلى الحرية والتحرر من الشبيحة بعد أن بات الثوار قريبين منها أكثر من أي وقت مضى، فهل سيكون ثوارنا محررين لها مخلصين لمدنييها الذي أحكم عليهم الشبيحة الخناق، منصفين لمعتقليها وشهدائها، أم سيأخذون الصالح بذنب الطالح وستغلب لغة الانتقام على لغة التحرير؟، يتساءل أحد أحرار البلدة.
[sociallocker] المصدر[/sociallocker]