ما الذي يجري في ريف الرقة؟.. توسيع نفوذ ورسائل خطيرة لما بعد المعركة الكبرى


مراد القوتلي - خاص السورية نت

يشهد ريف الرقة تطورات سريعة ومتلاحقة، تسبق البداية الفعلية لمعركة الرقة ضد معقل تنظيم "الدولة الإسلامية" وعاصمته في سوريا، والتي يتوقع أن تبدأ في أبريل/ نيسان المقبل، بحسب تصريحات لفرنسا وميليشيا "وحدات حماية الشعب" الكردية.

وتشهد معركة الرقة تشهد تنافساً دولياً حاداً لبسط النفوذ في الشمال السوري، عبر دعم الأطراف المتقاتلة على الأرض، ولكي تتصدر المشهد في الحرب المفتوحة على التنظيم تحت مسمى "مكافحة الإرهاب"، كما تضع تحالفات على المحك وتُخضع علاقات أمريكا وتركيا لاختبار بسبب التباين الكبير بين البلدين حول موقفهما من مشاركة الميليشيات الكردية بالمعارك.

ودخلت المواجهات مرحلة جديدة بانتقالها إلى سد الفرات (سد الطبقة)، ومطار الطبقة العسكري في ريف الرقة، في خطوة من التحالف الدولي الذي يدعم الميليشيات الكردية التي تشكل أساس قوات "سوريا الديمقراطية"، لفرض مزيد من الحصار على التنظيم، المتمركز عسكرياً بشكل قوي في مدينة الرقة، والذي يتوقع أن يستشرس في الدفاع عنها، فيما تتهدد عشرات آلاف السكان الذين أصبحوا عالقين بين سياسات التنظيم وضربات التحالف.

وكان التطور الأبرز خلال الساعات الـ 24 الماضية، سيطرة الميليشيات الكردية على مطار الطبقة العسكري، إذا قال المتحدث باسم قوات "سوريا الديمقراطية"، طلال سلو، إنهم سيطروا بشكل كامل على المطار، متحدثاً عن عمليات تمشيط وإزالة الألغام التي زرعها التنظيم داخل ومحيط المطار.

ويهدف التحالف الدولي من سيطرة الميليشيات الكردية على مطار الطبقة، إلى تحويله لمركز إمداد وقاعدة لانطلاق العمليات العسكرية نحو الرقة، ومدينة الطبقة الواقعة بريف الرقة الغربي.

وتأتي أهمية مدينة الطبقة لكونها ثاني أكبر مدينة في محافظة الرقة، وتعتبر بمثابة خط الدفاع الأول عن مواقع التنظيم داخل مدينة الرقة، وتمثل خسارتها خطراً كبيراً للتنظيم، لأنه في هذه الحالة سيزداد الحصار عليه، كما ستكون الخطوة المقبلة للتحالف الدولي والقوات التي يدعمها على الأرض الهجوم الواسع على الرقة.

وفي يوم الجمعة 24 مارس/ آذار 2017، قالت قوات "سوريا الديمقراطية" إنها وصلت إلى سد الطبقة، وأنها بدأت في الاشتباك مع مقاتلي "تنظيم الدولة" الذين يسيطرون عليه، وأشعلت هذه المعارك المخاوف من انهيار محتمل للسد جراء تعرضه للقصف من قبل طيران التحالف، أو المواجهات العنيفة التي تدور حوله.

ويمتد السد الواقع بريف الرقة وهو الأكبر على نهر الفرات لمسافة أربعة كيلومترات عبر النهر إلى الضفة الجنوبية، وهو واحد من عدد قليل من نقاط العبور المتبقية بعد تدمير الكثير من الجسور التي تسهل الانتقال بين ضفاف نهر الفرات.

وفي هذا السياق، يشير فابريس بالونش مدير الأبحاث في جامعة ليون وزميل معهد "واشنطن" لسياسة الشرق الأدنى، إلى أن سلسلة الغارات الجوية التي شنها التحالف بقيادة أمريكا في أيلول/ سبتمبر 2016، دمرت جميع الجسور المتبقية العابرة للفرات بين الحدود العراقية وشرق الرقة؛ لافتاً أنه نتيجة لذلك، ستصبح الرقة محاصرة فيما لو سيطرت "سوريا الديمقراطية" على الفرات، ناهيك عن أن لنهر يشكل حاجزاً طبيعياً يحاصر "تنظيم  الدولة" في المدينة.

ومنذ مساء أمس الأحد 26 مارس/ آذار 2017، أثيرت الكثير من المخاوف عن انهيار سد الفرات، وذلك بعدما ادعى "تنظيم الدولة" أن السد قد ينهار، بسبب ضربات التحالف وارتفاع منسوب المياه، وقال فني داخل السد لوكالة الأنباء الفرنسية، إن السد خرج عن الخدمة بسبب توقف محطة الكهرباء عن العمل ما يهدد بارتفاع منسوب المياه.

من جانبها، نفت قوات "سوريا الديمقراطية" أن يكون طيران التحالف قد استهدف السد أو أنه مهدد بالانهيار، إلا أن صوراً كذّبت رواية تلك القوات، وأظهرت أضراراً أصابت السد نتيجة القصف، خصوصاً غرف التحكم والعمليات، ولذلك أعلنت قوات "سوريا الديمقراطية"، اليوم الإثنين 27 مارس/ آذار 2017 أنها علقت العمليات العسكرية عند سد الفرات 4 ساعات، بدءاً من الواحدة ظهراً وحتى الخامسة عصراً، مع احتمالية تمديد جديد للوقت. وبررت القوات هذه الخطوة كي يتسنى لفريق من المهندسين الدخول إلى السد للقيام بمهامهم.

يؤكد مختصون أن الخوف على سد الفرات، ينحصر في الأسباب التقنية والميكانيكية، وليس بقدرة السد على التحمل، باعتبار أن السد متين وراسخ وذو قدرة على تحمل بعض الضربات المعقولة على جسمه.

ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، الأمريكية، فإن الكولونيل جوزيف سكروكا المتحدث باسم الجيش الأمريكي، ضمن التحالف الذي تقوده واشنطن، قال إن "تقييماتهم تستبعد أي خطر وشيك ما لم يخطط داعش لتدميره"، على حد قوله.

ورغم استبعاد انهيار السد، إلا أن أبرز المخاوف من حصول ذلك تتمثل في أن انهياره سيؤدي إلى غرق مدينة الرقة بالكامل، ووصول المياه إلى دير الزور والبوكمال، والقضاء على البنية التحتية لهذه المناطق، وتهديد حياة أكثر من 3 ملايين نسمة، والقضاء على 80 في المئة من الثروة الإنتاجية النفطية، وطمس معالم أثرية بين الرقة والحدود العراقية يتجاوز عمر بعضها آلاف السنين.

القوى على الأرض

وبشكل أساسي يتولى الهجوم على محافظة الرقة الميليشيات الكردية التي تشكل النسبة الأكبر من قوات "سوريا الديمقراطية"، مدعومة بطيران التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، والتي خصصت لهذا الغرض نحو ألف مقاتل موجودين على الأرض، فيما يبدو أنه تجسيد لما أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعزمه مواجهة التنظيم في سوريا، عبر بوابة دعم الميليشيات الكردية.

وأفاد "نوار أوليفر" مدير وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات، في تصريح لـ"السورية نت" أن المشاركين في المعارك بمنطقة الطبقة بحسب الفعالية، هم "قوات أمريكية برية، وخبراء فرنسيين، ووحدات حماية الشعب الكردية (ضمن قوات سوريا الديمقراطية)، في حين أن المشاركين بالهجوم على الجبهات الشرقية لريف الرقة كل من وحدات حماية الشعب الكردية، ومقاتلين من قوات النخبة التابعة لأحمد الجربا".

واللافت في هذه المعارك شبه غياب كامل للمقاتلين العرب، في وقت تدعي فيه الميليشيات الكردية مشاركة كبيرة لهؤلاء المقاتلين، وذلك لتهدئة مخاوف سكان المناطق التي تهاجمها والتي تسكنها غالبية عربية.

ووفقاً لمعلومات حصلت عليها "السورية نت" من الناشط الرقاوي "أبو شام الرقة" فإن عدد المقاتلين العرب المشاركين في معارك ريف الرقة لا يتجاوز عددهم 200 مقاتل.

أخطار متوقعة

ويبقى الأمر المثير للقلق تهميش دور القوات العربية في السيطرة على الرقة، إذ أن الميليشيات الكردية تلعب الدور الأساسي في المعارك، ما يثير تساؤلات عن المقابل الذي تنتظره تلك الميليشيات لقاء مشاركتها الواسعة في المواجهات ضد معقل التنظيم في سوريا.

وفي هذا الصدد، قالت صحيفة "nizavisimaya" الروسية، الجمعة 25 مارس/ آذار 2017، إن "القوات الكردية لن تقاتل ضد تنظيم داعش دون مقابل، مما يؤكد أن هدفها الرئيسي من تحرير هذه المنطقة هو الحصول على كيان كردي مستقل في المنطقة المسماة غرب كردستان".

وفيما يبدو أن توقعات الصحيفة تسير بالاتجاه الصحيح، لمح رئيس حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي، صالح مسلم، اليوم الإثنين، إلى احتمالية ضم الرقة بعد طرد "تنظيم الدولة" منها إلى ما أسماه "نظام حكم لا مركزي" تابع للأكراد.

وزعم مسلم في تصريحات لوكالة رويترز: أن "الأمر سيرجع لأهل الرقة لاتخاذ قرار بشأن مستقبلهم بمجرد تحرير المدينة من الدولة الإسلامية"، لكنه أعرب عن اعتقاده بأنها ستنضم إلى "فيدراليات شمال سوريا"، على حد وصفه. وأضاف: "نتوقع (هذا) لأن مشروعنا لكل سوريا… وممكن أن الرقة تكون جزءاً منه"، وفق قوله.

ومن شأن جهود الميليشيات الكردية لجعل الرقة ضمن مشروع "فيدراليات شمال سوريا" كما يطلقون عليه، أن يتعمق الشرخ بين المكونات العربية والكردية في سوريا. إذ تخشى المعارضة السورية من تغيير ديمغرافي تمضي به الميليشيات الكردية عبر سيطرتها على مناطق ذات أغلبية عربية في الشمال السوري، فارضةً قوانينها ولغتها على السكان هناك.

كما تتعزز مخاوف المعارضة من أن الميليشيات الكردية لم يُعهد عنها أنها خرجت من مناطق سيطرت عليها بعد طرد "تنظيم الدولة" منها، بما في ذلك منبج التي تدعي تلك الميليشيات أنها انسحبت منها، إلا أن مقاتليها لا يزالون موجودون بالاختباء وراء مسمى قوات "سوريا الديمقراطية".

وفي السياق ذاته، فإن ضم الميليشيات الكردية إلى مشروعهم الفيدرالي، سيثير قلق تركيا التي تعتبر ذلك تهديداً مباشراً لحدودها مع الأراضي السورية، كما أنه سيؤدي إلى مزيد من التوتر مع الولايات المتحدة التي تبدو حتى الآن داعمة لجميع تحركات تلك الميليشيات.




المصدر