الجنائية الدولية ..”عصا” العدالة العاجزة عن محاسبة الأسد


حفِلَ الملف السوري خلال سنوات الثورة الماضية بجرائم حرب ارتُكبت وبقيت بلا عقاب، حيث ثبت ضلوع النظام على وجه الخصوص بانتهاكات لا تُعدّ ولا تُحصى، غير أنه حتى اليوم لم تتدخّل أي جهة دولية أو إقليمية لتضع حدّاً لهذه الجرائم أو تعاقب مرتكبيها حسب القانون أو تدينها، وهذا أضعف الإيمان.

وعلى الرغم من إنشاء عدّة مؤسسات ومنظمات معنية بتوثيق الجرائم وملاحقة مرتكبيها إلّا أنه حتى الآن لا يُوجد أي تبنٍّ فعلي لمحاكمة المتورطين.

وتتوقف “صدى الشام” في هذا التقرير عند أبرز الجرائم التي ارتكبتها قوات النظام في سوريا، وأسباب عدم تدخّل ” المحكمة الجنائية الدولية” أو لعب أي دور في متابعتها رغم ما يُعرف عنها من قدرتها –نظرياً- على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم ضد الإنسانية.

 

مجازر وثّقها التاريخ

على امتداد أعوام الثورة في سوريا، ارتكب نظام الأسد عدّة مجازر، تأتي في مقدّمتها مجزرة الحولة التي قُتل خلالها أكثر من 100 مدني، ثم جاءت بعدها مجزرة داريا في السادس وعشرين من آب عام 2012، والتي قُتل خلالها حوالي 500 مدني، وتلتها عدّة مجازر في مدينة حمص، ومنها مجزرة بابا عمرو، ومجزرة كرم الزيتون، إضافةً إلى مجزرة التريمسة في حماة، في الثاني عشر من تموز من عام 2012، والتي قُتل خلالها أكثر من 300 شخص.

ومن ضمن مجازر الحرب التي جرت أيضاً هناك قصف الأسواق في مدن حلب وإدلب وأريحا، والتي أدّت لمقتل وإصابة عشرات المدنيين بينما كانوا في منطقة مأهولة يتسوّقون حاجاتهم اليومية.

ويُضاف إلى ذلك مجزرة حي الجورة والقصور أو “الثلاثاء الأسود” وفق ما سمّاها السكّان هناك كونها وقعت يوم الثلاثاء في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول عام 2012، حيث اكتشف الأهالي 84 جثّة في منطقة المقابر عند المدينة الجامعية لجامعة الفرات، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ تم إعدامهم ميدانياً أثناء محاولتهم الفرار من المدينة.

وبعيداً عن المجازر، فإن تقرير “المسلخ البشري” الذي أعدته منظمة العفو الدولية “آمينستي” عن سجن صيدنايا وكشفت فيه أن نظام الأسد أعدم خلال سنوات الحرب 13 ألف معتقلٍ داخل هذا السجن، الذي وُصف بأنه أقبح مكان على وجه الكرة الأرضية.

كل هذا السجل الدموي يكفي ليكون مادة لأية جهة دولية معنية بالمسائل القانونية بما يمهد لإحلال العدالة الانتقاليّة.

 

 

 ما هي الجنائية الدولية؟

تأسست المحكمة الجنائية الدولية بصفة قانونية في الأول من تموز 2002 بموجب ميثاق روما، الذي دخل حيز التنفيذ في 11 نيسان من السنة نفسها، بعد تجاوز عدد الدول المصادقة عليه ستين دولة.

ويلفت مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني إلى أن المحكمة تتميّز بكونها “تستطيع محاسبة أفراد ومسؤولين متورطين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب أو جرائم جماعية”.

ويضيف في لقاء مع “صدى الشام” أنه بإمكان الجنائية الدولية ملاحقة المتورطين بالجرائم، وإصدار أحكام بحقهم وذلك بغض النظر عن صفة هؤلاء الأشخاص أكانوا رؤساء أو ضباطًا، لافتاً إلى أن الملاحقة تكون من قبل الإنتربول (الشرطة الدولية) وتتم المطالبة بهم وتُعمّم أسمائهم على أنهم مجرمو حرب ومرتكبو جرائم ضد الإنسانية.

وبيّن عبد الغني أن الشخص المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية يُصبح غير قادرٍ على السفر ومُلاحقاً من قِبل معظم دول العالم باستثناء بعض الدول الدكتاتورية التي من الممكن أن تقوم باحتضانه “لكنه يتم فضحها دولياً”.

وتابع أنه من مميزات محكمة الجنايات الدولية أنها تستطيع أن تأتي بالمطلوب إلى مقرها وتحاكمه وتصدر حكماً عليه وتنفذه، ولديها السلطة بذلك، مشيراً إلى أن المحكمة لديها اختصاص عالمي للدول الموقّعة على ميثاقها.

 

 

لماذا لم يُحاكم الأسد؟

رداً على سؤالنا عن الخلل في الملف السوري والذي يجعله غير مؤهل ليدخل ضمن عمل الجنائية الدولية أجاب عبد الغني أن هذا الملف “جاهز ولا ينقصه أي شيء”، وأوضح أنه: “من الناحية التوثيقية فإن المعلومات الموجودة تؤهله ليكون في المحكمة، وهناك قضايا جاهزة ضد النظام وروسيا، وضد حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي وضد تنظيم داعش وفصائل أخرى لِعرضها أمام المحكمة”.

وأضاف أن الملفات الجنائية تم تحضيرها بشكلٍ جيد لكن عدم رفعها أمام الجنائية الدولية يأتي لأن سوريا ليست من اختصاصها.

وشرح عبد الغني أن نظام الأسد لم يوقّع على ميثاق الجنائية الدولية، وبما أن النظام غير مُوقّع فإن سوريا خارج اختصاص هذه المحكمة، ومهما تم ارتكاب جرائم فيها فإن المحكمة لا تتدخّل من الناحية القانونية، لافتاً إلى أن ما ينقص الملف السوري هو أن يقوم مجلس الأمن بإعطاء المحكمة اختصاصاً للعمل داخل سوريا، لأنها لم تصادق على ميثاق المحكمة وبالتالي فذلك يتطلّب توسيع اختصاصها من قبل مجلس الأمن ليشمل سوريا.

وأضاف عبد الغني أن توسيع الاختصاص من قبل مجلس الأمن لم يحدث بسبب العرقلة المستمرة لاتخاذ هذا القرار من قبل روسيا والصين، والتي تستخدم حق النقض “فيتو” ضد أي مشروع يدين نظام الأسد.

 

حلول مقترحة

يقترح خبراء قانونيون أن تتم إحالة الملف السوري إلى العدالة لمعاقبة المرتكبين بعيداً عن محكمة الجنايات الدولية بسبب تعثّر هذا الأمر.

ومن أبرز الاقتراحات التي وُضعت هي المحكمة الدولية الخاصة من خلال مطالبة بعض الأطراف، ومنها الولايات المتحدة الأميركية، بإنشاء محكمة دولية خاصّة على غرار ما حصل بالنسبة لرواندا ويوغسلافيا السابقة، وذلك بغية محاولة إرساء محاكمة فاعلة لعدد كبير من المتّهمين.

ولكن سواء تم تفعيل المحاسبة في سوريا من خلال تدخل مجلس الأمن –رغم صعوبته- أو من خلال مقترحات بديلة أو خاصة فالمهم بالنسبة للسوريين أن لا يبقى القاتل طليقاً لأن الانتقال إلى سوريا المستقبل لا يمكن أن يحدث فعلياً بدون محاسبة المجرمين.



صدى الشام