‘«صرخة من سورية» في التلفزيون السويدي’
30 آذار (مارس)، 2017
على مدى ساعتين يقارب الفيلم الوثائقي «صرخة من سورية» للمخرج الأميركي من أصل روسي يفغيني أفينيفسكي المأساة السورية من الزاوية ذاتها التي بدأت منذ ست سنوات في التعاطي مع هذا الشأن، اذ يعترف صناع الفيلم بأنه صور بكاميرات السوريين. أي أن في ذلك إحالة متعمدة الى هوية ونوع الصور التي تستخدم على نطاق واسع في ريبورتاجات كثيرة تجري إعادة توليفها في الهواء الطلق كما حدث مع أفلام وثائقية كثيرة سجلت لـ «الدراما» السورية على أرض منهكة، وصار لزاماً إعادة قراءة هذا الذي صور وقدم هذه المأساة من زوايا مختلفة، لكنها تتشابه في بعضها بسبب غياب الرؤية المتفردة التي يمكن أن تقول شيئاً مختلفاً عما سبق وقيل في أفلام الآخرين.
يقدم الفيلم الذي عرض على التلفزيون السويدي وجبة من الصور العنيفة محذراً من مشاهدتها لمن لا يقوى على ذلك. بمعنى ما ينفض أفينيفسكي يده منها لا لسبب، الا لأن مواقع التواصل الاجتماعي قد سبقته في ذلك، وهي بالمناسبة تحفل بوجبات أعنف، لكنها – ربما– لم تقدم في سياق درامي مصور كذلك الذي يقدمه هذا المخرج، الذي يبدو واضحاً من سيرته أنه يقدم أعمالاً أقرب ما يمكن الى «طلبيات» جاهزة مع لمسات واضحة في المعاينة والمعالجة الدراميتين.
لا شك في أن فيلم «صرخة من سورية» يستدعي قراءة مختلفة عن كل ما سبقه من أفلام تعرضت للمأساة السورية. ربما يحتمل ذلك التوليف الذكي للكثير من المشاهد والصور ما يدعو بالفعل الى تأمله من الزوايا ذاتها التي أراد العبور منها الى عقل المشاهد، وان ساء بعض اللقاءات المصورة في الفيلم عدم الاعتناء بالتكوينات والزوايا والإضاءة مقارنة بتلك التي حظي بها المخرج من مشاهد مصورة بأيدي بعض «المحترفين»، أو الذين تدربوا على صناعة الأفلام الوثائقية في خضم الأزمة.
الفيلم لقي صدى واسعاً عند الجمهور السويدي وفق الناقد السينمائي ليف ستينبرغ الذي استضافه التلفزيون السويدي في نهاية العرض، وهذه من المرات القليلة التي يجري تقويم فيلم مباشرة بعد عرضه على الشاشة الصغيرة السويدية.
كثيرة هي الشخصيات التي ظهرت في الفيلم. قالت أشياء كثيرة عن بداية «الثورة السورية» السلمية قبل أن تتحول الى مواجهات دامية مع النظام وتأخذ منحى الحرب الأهلية كما يشير الى ذلك أحد فصول الفيلم.
لم تكن هناك مفاجآت بالطبع في استعراض الأسباب التي دفعت بالجميع الى هنا، وباستثناء ظهور – محسوب بدقة – لزعيم جبهة «النصرة» في بلاد الشام أبو محمد الجولاني ليعلن بدء معركة تحرير البلاد من ظلم الطواغيت قبل أن يتحول الى تنظيم فتح «الشام»، فليس هناك من انعطافات أخرى على مدار الساعتين، اذ بقيت أصوات الرصاص والقذائف والانشقاقات المتوالية من عناصر وضباط الجيش السوري سيدة المشهد مع عودة مبرمجة الى ضيوف الفيلم، وبعضهم أصبحوا ضيوفاً في أفلام كثيرة مثل عبدالباسط الساروت وشقيقة غياث مطر وسواهما.
فيلم «صرخة من سورية» يقدم عنفاً مدروساً على الطريقة السورية. المشاهد الذي يبحث في جذور الأزمة بحثاً عن مسالك ودروب جديدة في محاولة قراءتها من زوايا قد تشكل اختلافاً عن سابقاتها قد لا يجد ما يشفي غليله، اذ تبدو مواقع التواصل الاجتماعي قد سبقت الجميع الى هناك بفارق أنها قد لا تستدعي ذلك النشاط المحموم في إعادة توليف القصة كما لو أنها تدور للمرة الأولى في عقل المشاهد، وليس أمامه إلا التقاط الرسائل التي يعيد المخرج بعثها من خلال التركيب الذكي وربط الأحداث ببعضها لتبدو وكأنها مستجلبة من نسق مختلف لا يتكرر معه بعد أن أعيت المأساة السوريين وصناع الأفلام على حد سواء، وقد صار من الصعب قول شيء مختلف، لأن في معظم ما يبث ويشاهد قد لا يلبي الحرفة أو الصنعة الوثائقية.
بالتأكيد تغير زمن عبقري السينما الوثائقية روبرت فلاهرتي حين كان يعايش أبطاله على مدى عامين أو أكثر ليقول شيئاً عنهم، أو لتقدح شرارة الالهام كما كان يعبر عن ذلك، وهو بذلك كان يكسر وهم «الطلبيات» التي كانت تطلبها هوليوود منه وينتصر للسينما الوثائقية الخالصة.
اليوم مع الانفجار الإعلامي الرقمي الكوني ربما لم يعد ممكناً الحديث عن شرارة الالهام بالطريقة ذاتها، وإلا اعتبر ذلك خيانة لهذا الزمن. بعض شخصيات فيلم «صرخة من سورية» وعلى رغم صغر السن يرى في ذلك انتصاراً شخصياً على نفسه، وهذا بحد ذاته تغيير في وجه التاريخ الذي ينتسبون اليه، وإلا لما تواجدوا في فيلم يفغيني أفينيفسكي.
[/sociallocker]