في أهميّة الكلمات التي نستخدمها حين الحديث عن الإرهاب

1 أبريل، 2017

كانت عبارة “الإرهاب الإسلامي الأصوليّ” موضِعَ جدالٍ متجدّدٍ في الأسابيع الأخيرة. في كلمته الأولى التي ألقاها أمام الكونغرس الشّهر الماضي، قال الرئيس دونالد ترامب إنَّ إدارتهُ “تتّخذُ التدابير اللازمة لحماية أمَّتِنا من الإرهاب الأصوليّ الإسلامي.” وقد حَذّرَ مستشار الرئيس للأمن القومي، هربرت رايموند ماكماستر من أنَّ تعبيراً كهذا التعبير الذي ذكَرَه ترامب قد يؤدّي إلى نفور الحلفاء داخل المجتمات الإسلامية، في حين غرَّدَ سيباستيان غوركا، مساعد نائب الرئيس على حسابه في تويتر قائلاً بأنَّ كلمات “الإرهاب الأصولي الإسلامي” تُعتَبَرُ “كلماتٍ مفتاحيةً أساسيّةً في الانتصار على الجهاد العالمي”.

ما يتّفِقُ حوله هؤلاء الثلاثة الذين ذكرناهُم، وماهُم مُحقّون بشأنه، هو أنَّ للكلمات معناها وتَبِعاتها فيما يتعلّق بالقرارات السياسية وبالجماهير على حدّ سواء. وعادةً ما يتمّ تناول هذه المسألة في النقاشات السياسية الأمريكية وفقَ اللغة والمفاهيم التي يستخدمها الأمريكيّون لوصفِ الجهاديين. غيرَ أنَّ الأقلّ شيوعاً هي المناقشات البينيّة حول الموضوع نفسه والتي تجري بينَ الجهاديين والعلماء المسلمين المعنيّين بفَضحِهِم. إنَّ من شأن إظهار كيفيّة استغلال هؤلاء الجهاديين لتعاليم الإسلام، أن يجعلَنا نفهم على نحوٍ أكثر وضوحاً مقوّمات جاذبية هذه المجموعات ونقاط ضعهفا أيضاً، كما أنَّ من شأن ذلك أن يُفضي إلى سياساتٍ أكثر ذكاءً في هزيمتها وإلى توثيق العلاقات مع حلفائنا المسلمين على الخطوط الأماميّة في مواجهة الجهاديين.  

لا يكفي تسليمُنا ببساطةٍ أنَّ هؤلاء الجهاديين ينتمون إلى أديديولوجيّة سياسية تُعرَفُ بالإسلامَويّة. بدلاً من ذلك، من النّاجِعِ بمكان أن نفهمَ كيفَ يُفلِحُ جهاديّون مثل جهاديّي تنظيم الدولة الإسلامية في خلقِ جاذبية “إسلاميّة” عميقة وفريدة تستقطبُ العناصر الذين يلتحقون بصفوف التنظيم، وذلك من خلال مزاعم صِحَّةِ العقيدة والخطاب الفقهي والمصادر التي يستخدمها التنظيم. وبعبارة آخرى، فإنَّ التنظيمات الجهادية مثلَ تنظيم الدولة الإسلامية، وخلافاً للمشروع السياسيّ الإسلامي المتمثِّل بحركة الأخوان المسلمين وما شاكَلَها (والذي يتركّزُ على أن يتبوأ الإسلام موقعاً بارزاً في الحياة العامة والسياسية)، خلافاً لهذا المشروع، فإنَّ الجهاديين معنيّون أكثر بنوعية ذلك الإسلام، وليس فقط بصدارتِه.

وباستعراض المنشورات التي أصدرَها التنظيم باللغة العربية منذ عام 2014 وحتى اليوم، يتبيّنُ وجود قدرٍ لا بأس به من أطروحات القرون الوسطى بين تلك المنشورات، ليس فقط الأطروحات التي تحمل طابعاً عنفيّاً أو جهادياً، بل أيضاً تلك التي تنتمي إلى المنهج الإسلامي السائد فيما يخصُّ مسائل كالنحو والبلاغة والشِّعر. حتى أنَّ كثيراً من الكتب تُنشَرُ من دون أي تعديل مثلَ إصدار تنظيم الدولة الإسلامية للأطروحة النحوية التي تعود إلى القرن الثالث عشر والمعروفة “بالعجرُميّة”.

غيرَ أنَّ الجماعة تعمَدُ في مناسباتٍ أخرى إلى إدراج موضوعاتٍ جهادية بشكلٍ مُعلَن وذلك في مواد لا يكون محتواها على صِلَةٍ بالموضوعة الجهادية-على سبيل المثال، أُدرِجَت رسالةٌ من “أبو مصعب الزرقاوي”، مؤسس تنظيم القاعدة في العراق، داخِلَ كتابٍ للأطفال يحتوي على مختارات شعرية لشعراء معروفين لأي شخصٍ على دراية بكلاسيكيّات الشعر العربي.

من خلال تلاعبها بأدبيات الشريعة الإسلامية على هذا النحو— وهو ما يواصل تنظيم الدولة الإسلامية فِعلَهُ عبر نشر النصوص القروسطية في معرِضِ دفاعه عن المناطق الخاضعة لسيطرته في العراق وسوريا — فإنَّ الجماعة تهدِفُ إلى تحديد نسخَتِها للمسلم المثاليّ، وليس المقاتل فَحَسْبْ. ومن خلال هذا المسعى المتواصل لخلق منهجها الخاص، فهي تأمل أيضاً في مواصلةِ استقطاب المجنَّدين حينما تفقد كامل المناطق التي تُسيطر عليها وذلك على اعتبار أنّ هنالك ما يُثبِتُ مؤهلاتها الدينية.

إنَّ مسألةَ تحديد من هو المسلم ومن هو غير المسلم ليست مأخوذةً على محمَلِ الجدّ من قِبَلِ كلٍّ من العلماء المسلمين وقادة المجتمع، كما أنَّ هؤلاء يَبدون خَجِلينَ من إطلاق حكمٍ حول هذه المسألة اليوم كما كانوا في السابق أيضاً. ذلك لأنَّ تقرير ما إذا كان المرءُ مسلماً يُعتَبَرُ أمراً بالغ الحساسية لدرجة أنَّ وصفَ وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري لمقاتلي التنظيم “بالمرتّدين” أثارَ الانتقاد في العالم الإسلامي.

يُشكِّلُ التكفير جوهر العقيدة الجهادية التي تستند إلى مدرسةٍ فقهية تشكّل أقليّةً في اللاهوت الإسلامي وتَنُصُّ على أنَّ إيمان المرء ينعكسُ من خلال أفعاله. بِدَورِهم، يذهب الجهاديون بهذا الرأي خطوةً نحو الأمام ليعتبروا أنَّ أيَّةَ أفعال لا تتفقُ مع فهمهم الضيّق للإسلام هي بمثابةِ انفصالٍ واضح عن الدين، وعلى هذا الأساس فإنهم يبرّرونُ حقّهم باستخدام العنف إزاء مرتكبيها.

يتبع معظمُ مُسلِمي التيار السائد في العالم الرأي الفقهي المُهيمِن الذي يعتَبِرُ أنَّ القلبَ هو موضِعُ الإيمان (ولا أحد يعلم ما في القلوب سوى خالقها)، وعليهِ فإنَّ مجرّد الإثبات اللفظي لإيمان المرء كافٍ لاعتباره مسلماً. ويؤثِّرُ هذا السياق على المحادثات التي عادةً ما تجري بين الإسلاميين حول مقاتلي تنظيم الدولة وغيرهم من الجهاديين. عام 2014، وفي “رسالةٍ مفتوحة” إلى زعيم تنظيم الدولة الإسلامية “أبو بكر البغدادي” وجّهها له نحو 126 عالماً من علماء المسلمين الذين يمثّلون مجموعةً من التوجُّهات السنيّة، أحجمَ هؤلاء عن نَعتِ أعضاء التنظيم بأنّهم غير مسلمين.

 

بدلاً من ذلك فإنَّ الرسالة تعرِضُ المفاهيم التي يروّجها تنظيم الدولة الإسلامية وتُبيِّنُ العيوب التي تعتري فهمَ التنظيم لتلك المفاهيم.

يعكس كلٌّ من أسلوب الرسالة ونبرَتِها رغبة الأصوات السُنِّيّة الأخرى الراغبة في فضح التنظيم عبْرَ التركيز على توضيح إٍساءة فهمه للإسلام، ولكن نادراً— إن لم يكن بتاتاً— ما تَصِفُ أعضاء التنظيم بأنّهم غير مسلمين مؤثِرَةً بدلاً من ذلك أن تطلق عليهم تسمية “المنحرِفين” أو “الضالّين”. وتخشى المجتمعات الإسلامية أنّها بتكفيرِ أعضاء تنظيم الدولة والجهاديين الآخرين فإنّها بذلك تُحاكي فِكرَهُم ذاته وتُغذِّيه ولن تكون مختلفةً عنهم حينئذ.

ولكن ماذا عن النقاش الأمريكي؟ لقد أصبح الجهاديّون على درايةٍ مميّزة بكِلا الرّهانَين العقائدي والسياسيّ بحذافيرِهِما. فهم يواكبون القراءات الغربية وقد أظهروا سُرعةً أقلَمةِ استراتيجيّاتِهم إزاء السياسة الأمريكية ومفرداتها المتعلقة “بالإرهاب” و”التطرُّف”، وكذلك إزاءَ التصنيفات الداخلية من قبيل “إسلامويين” و”سلفيين” و”جهاديين”. نادراً ما تَصِفُ أكثر الجماعات الجهادية حِنكَةً، وبالتالي نجاحاً، نفسَها بأنّها “إٍسلاموية” أو “جهادية” أو حتّى “سلفيّة”، وتُفضِّلُ مصطلحات من قبيل “سُنّيّة” و”إسلاميّة” و”توحيديّة”، وهي مصطلحاتٌ تلقى استحساناً تاريخيّاً لدى السكان المحلّيين.

يحمِلُ هذا الاستخدام لمصطلح “سُنِّي”-وكذلك لمصطلحاتٍ مثل “مسلم” و”موحّد”- بدلاً من استخدام “سلفيّ” و”جهاديّ” معاني تاريخية ودينية إضافية ذات مغزى، ولذا فإنّها تُعتَبَرُ مصطلحاتٍ إشكالية بالنسبة إلى غيرهم من المسلمين، وذلك هو السبب الذي يُحتِّمُ على صنَّاع السياسة الأمريكية الانتباه إلى أهميتها أيضاً. فَبدلاً من الاستخدام غير المتّسِق لكلمات مثل “مسلّحين” و”مقاتلين” أو تجنّب ربطهم بالإسلام برمَّته عن طريق استخدام عباراتٍ مثل “التطرّف العنيف”؛ بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها الركون إلى استخدام لغةٍ تعكس بدِقَّةٍ التوجهات الأيديولوجية للجماعات الجهادية.

 

رابط المادة الأصلي : هنا.

 

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]