فقد زوجته بعد رحيله.. قصة لاجئ سوري بألمانيا وتعقيدات لمّ الشمل


وجد عدنان غنيمة (33عاماً) نفسه أمام خيارين: الحرب أو البحر. ففضل، على غرار الكثير من الآباء السوريين، المخاطرة بحياته بمفرده  للوصول إلى ألمانيا، وبالتالي لتجنيب عائلته مخاطر الفرار، آملا في أن يقوم في وقت لاحق  بلمّ شمل أسرته بشكل قانوني وآمن .

كان ذلك هدفه الأساسي من رحلة اللجوء التي رافقه خلالها أخوه وابن أخيه منذ عام تقريباً. لكن بعد مرور شهر على وصوله لألمانيا، اكتشف اللاجئ السوري أن الأمر ليس سهلاً.

فبعد وصول الأب السوري لألمانيا وتقديم طلب لَمّ الشمل وانتظاره طويلاً لاستكمال الوثائق المطلوبة، تفاجأ بخبر وفاة زوجته الحامل في شهرها الخامس وإصابة طفليه إثر تفجير حدث في سوريا.

وعلم عدنان بهذه الحادثة صدفة من خلال رؤية  فيديو نُشر على الفيس بوك حول انتشال جثة زوجته وأبنائه المصابين، حيث تدهورت حالته النفسية بسبب الخوف على طفليه وشعوره بالذنب لتركهما دون أم بين مخالب تلك الحرب الشرسة.

وفي ظل تعقيدات إجراءات لمّ الشمل التي واجهته آنذاك، لم يكن أمامه سوى خيار السفر بنفسه لتركيا واستقدام أبنائه.

ويصف عدنان معاناته النفسية آنذاك بنبرة حزنة ويقول: "مكثت خمسة أشهر وحدي بغرفة صغيرة في بيت أخي بميونخ، لم أغادرها ولم أر أحدا ولم أتكلم مع أحد ولم أكن أعلم أي شيء عن مصير طفليَ على مدى خمسة أشهر، انتظرتها،  قبل الحصول على تأشيرة السفر لتركيا.  وفي نهاية الأمر تمكنت من السفر واستقدام ابني أحمد وبنتي مريم".

وبعد مضي ستة أشهر تقريباً على استقدام عدنان للطفلين أحمد (4 أعوام) ومريم (8 أعوام) لألمانيا، وبعد العيش معهم في بيت مستقل، وجد الأب السوري نفسه أمام تحديات كثيرة، فقد كان يحاول من جهة تخفيف آثار الصدمة النفسية التي أصابت الطفلين وملء الفراغ الذي تركته الأم، ومن جهة أخرى كان يحرص على إدماجهم داخل المجتمع الجديد.

وبعد تجهيز الطفلين للذهاب للمدرسة والقيام بالأشغال المنزلية كان الأب يتوجه بدوره للمدرسة من أجل تعلم اللغة، التي لايزال يجد صعوبات في تعلمها بالرغم من مرور تسعة أشهر على بداية تعلمها، ويتساءل: "كيف لي التعلم والاستيعاب ونفسيتي غير مرتاحة، حيث الشعور بالخوف الدائم من التقصير في تربيتهما في ظروف غياب الأم؟".

أجرى عدنان مؤخراً عملية  جراحية على أنفه، وبالرغم من حالته الصحية الحرجة، رفض البقاء في المستشفى لخمسة أيام، وترك أبنائه لوحدهما بالبيت.

ويرى عدنان أن بناء حياته من جديد  والاندماج بالمجتمع الألماني، في ظل الصدمة النفسية التي عاشتها الأسرة تشكل أكبر التحديات بالنسبة له في الوقت الحالي.

وفي البحث عن حياة أكثر استقراراً في بلد اللجوء، قرر الأب الزواج  من جديد، ووقع اختياره على فتاة مقيمة في سوريا. "هذه الفتاة كانت ترعى أبنائي أثناء فترة تدريب مهني  لزوجتي كممرضة حينها. كان أحمد ومريم يقضيان معها يومياً أربع إلى ست ساعات، فتعلقا بها  كثيراً وبقيا على تواصل معها حتى عند المجئ إلى ألمانيا".

وبعد أن لاحظ عدنان مدى تعلق الطفلين بهذه الفتاة، ومدى حبها لهما وتعاملها معهما كأم، حيث تتغير نفسيتهما إلى الأفضل عند الحديث معها بالهاتف، فضل الزواج منها على الزواج من فتاة أخرى بألمانيا، بالرغم من صعوبات لم الشمل: "صارحت ابنتي، التي هي أكثر وعياً من ابني الأصغر  بقرار زواجي، فلاحظت وجود أثر ايجابي عليها ".

 تم عقد قران عدنان بالفتاة السورية، التي تدرس الأدب الفرنسي بسوريا "عبر الهاتف". والآن يريد عدنان البدء في إجراءات لم الشمل مع زوجته، وهو يخشى العقبات التي تنتظره في ذلك. ومن أبرزها مقاررة زواجه بالمحكمة واصدار جواز سفر لزوجته السورية.

ولتقييم الوضع القانوني لعدنان وامكانية وجود استثناءات في القانون الألماني لمساعدته ومساعدة غيره من اللاجئين في مثل هذه الأوضاع يرى خبير قانوني، فضَل عدم ذكر اسمه، أنه في العموم يحق لعدنان تقديم طلب لمّ الشمل بالنسبة لزوجته، لأنه حاصل على الاعتراف بحق اللجوء، ولكن قبل ذلك يجب عليه أن يستوفي شروطاً أخرى متعارف عليها مثل تأمين العيش والسكن، ومقاررة الزواج.

ومن أجل تسريع إجراءات لمّ الشمل يجب تقديم حجج قوية تثبت وجود وضع إنساني استثنائي. ولكنه يشير من جهة أخرى إلى أن قضايا لمّ الشمل ليست بالعملية السهلة عموماً وأنها تتطلب بعض الوقت، ولذلك فمن الأحسن متابعة القضية عن كثب من خلال خبرة المحامي أو المحامية.

وفي لحظات الشعور باليأس  يفكر عدنان  أحياناً في العودة إلى سوريا، ولكنه يتراجع عن مثل ذلك القرار عندما يرى ابتسامة طفليه.

لحد الآن لم يقدُم  الأب على أية خطوة في إجراءات لَمّ شمل العائلة، خوفاً من الصعوبات والتعقيدات التي قد يقف أمامها عاجزا. ويتذكر اللاجيء عدنان المشهد "المبكي" عند عبور طفليه الحدود السورية التركية ويقول: "لو تخيل السوريون حجم عذاب لمّ الشمل، لما أتى أحد منهم إلى هنا دون عائلته".




المصدر