من قلب حافلات التهجير… بين حمص وإدلب حربٌ نفسيةٌ واستفزازٌ (وقحٌ) لمهجري الوعر


محمد الحمصي: المصدر

لم ينم سكان حي الوعر المحاصر ليلتهم التي كانوا فيها على موعد مع الرحيل، الرحيل الأخير خارج مدينتهم وحيّهم الذي احتضنهم كأم حنونة على مدار سنوات أربع، كانت ليلة السبت وساعات الفجر الأولى منها تمضي بتوتر لا مثيل له لأول دفعة ستنطلق باتجاه مدينة إدلب بعد عدة تأجيلات ومخاطر حفت الرحلات السابقة بسبب خطورة الطريق ومعارك حماه ما اضطر الجميع لتأجيلها.

انطلقت الحافلة الأخيرة من حي الوعر في تمام الساعة الواحدة من ظهيرة يوم السبت الأول من نيسان/ أبريل لتلتحق بأخواتها من الحافلات التي انتظرتها منذ الساعة الثالثة فجرا لتبدأ في تمام الساعة الواحدة ظهراً من نفس اليوم رحلة الأربعة عشر ساعة التي مرت كسنوات عجاف على المهجّرين قام خلالها النظام وجوقته الفنية المتوحشة والمتعطشة للغطرسة بتمثيل “أقذر أنواع المسرحيات الهزلية”، على حدّ تعبير رفقائنا في الرحلة داخل الحافلات، معتبرين أنها “محاولات فاشلة لارتداء معطف البراءة الذي سرعان ما تكشف مع التماس الأول لسكان الوعر المهجرين داخل الحافلات”.

بعد الخروج والتفتيش وتغيير الحافلات السفرية عند حاجز الشؤون الفنية، كان محافظ حمص طلال البرازي وفرقة الإعلام السوري بانتظارنا لمحاولة تزيين صورتهم السوداء أمام المهجرين وإعطائهم ما أسموه نصائح للمصالحة، انطلقنا نحو حاجز التأمينات الذي كان من يدعو نفسه شيخاً او عالماً بالدين يسمى عصام المصري مع أحد الواجهات المسيحية بانتظارنا للركوب معنا في الباصات وتقديم بعض الكلمات البراقة لنا، فما كان من “علي” ابن العشرين ربيعاً سوى الصراخ في وجه عصام المصري وطرده من الحافلة بعد أن قال له “يا ابني انتو أهلنا” فرد عليه علي “خسأت أن أكون ابنا لمجرم مخادع مثلك غادر الحافلة فليس بيننا وبينكم سوى السلاح”.

وأثناء جدال علي مع المصري كانت فرقة من طلبة جامعة البعث في حمص قد وصلت واصطفت أمام الحافلات تحمل لافتات بأسماء أحياء حمص التي يحتلها النظام او تقطنها طوائف مختلفة تدعو المقاتلين والأهالي للعودة إلى حضن ما أسموه الدولة والوطن.

لم تكن المفاجأة سوى من لافتة حملت اسم قرية المزرعة التي تحتضن أربع ألويةٍ مقاتلةٍ للشيعة بينها “حزب الله” وأبو الفضل العباس والتي كانت عائقا أم كل تهدئة في الحي والتي حصدت أرواحا للمدنيين لا تقل عن التي قتلها النظام بأسلحته فما كان من المهجرين إلا إغلاق الستائر داخل الحافلة وعدم النظر إليهم أبداً.

بعد ساعة من النفاق والكذب انطلقت الحافلات باتجاه ريف حماة وصولا لإدلب بداية عن طريق المرور بشمال حمص بشارع الستين تحديداً بين حيي دير بعبلة والبياضة اللذان احتلتهما الميليشيات الشيعية وكتبت العديد من العبارات الطائفية وكان هناك أهالٍ بانتظارنا للاستهزاء وافتعال حركات لا تليق بأحد سواهم تحقيراً واستفزازا للأهالي المهجرين من الوعر.

عند الوصول لقرى ريف حماة تعرضت الشاحنة المسؤولة عن حمل الأمتعة لحادث مروري ادى لإصابة السائق إصابة بليغة ما أخر الحافلات نحو ثلاث ساعات وقد وصلت الحافلات لمدينة إدلب في تمام الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليلة الأحد، وإلى معرة مصرين ومخيم “ساعد” في الساعة الثالثة فجرا لتستقبلهم جميع الفصائل والجمعيات أفضل وأحر استقبال عوّض المهجرين مشقة السفر وقد قدم الجميع وتنافسوا على تقديم الوجبات الغذائية الكاملة للمهجرين اللذين قضوا أكثر من 24 ساعة توتر وقلك قبل واثناء رحلة التهجير الشاقة.

نحو 1500 مهجّر عاشوا رحلة أشبه بالكابوس بين حمص وإدلب كان غالبهم يخرج للمرة الأولى خارج حمص ولكن هذه المرة مع مرارة تسببت لأمراض عند البعض نفسية وجسدية لأن علقم التهجير لا يمكن نسيانه أبدا مع أمل وحق العودة الذي سيبقى مقدسا مع بقاء قدسية وحرمة الثورة عند أبناء حمص اللذين كان لهم النسبة الأكبر من كل أعمال النظام الوحشية من القتل إلى التهجير.





المصدر