من يتحمل مسؤولية التقصير بحق مهجري “الوعر” إلى جرابلس؟


ممسكاً بِعصا معولٍ وبخطوات يثقلها الوحل، يحاول أبو البراء منع تسرب مياه الأمطار إلى داخل خيمته في مخيم “زوغرة” إلى الشمال من مدينة جرابلس.

بعد أيام على وصوله وعائلته من حي الوعر يأمل أبو البراء لو أنه بقي في حيه ومات فيه، بدلاً من تكبد المعاناة هنا.

بصوت متعب يقول أبو البراء: “قبل أن نصل إلى هنا قُدمت لنا وعود بأن “الكرافانات” التي خُصصت لنا جاهزة، وأن الأمور على ما يرام”، ويستدرك، “لكن عندما وصلنا لم نلمس شيئاً من تلك الوعود”.

يستذكر أبو البراء في حديثه لـ صدى الشام مقتطفات من قصيدة “المهرولون” للشاعر الراحل نزار قباني يقول فيها: “كم حلمنا بسلام أخضر…وهلال أبيض…وقلوع مرسلة…ووجدنا فجأة أنفسنا…في مزبلة”، ويعقب ضاحكاً “لكن وجدنا أنفسنا بعد وصولنا في أرض عراء”.

ويضيف: “بعد خروجنا من حي الوعر في الثالثة صباحاً وصلنا جرابلس برفقة 2000 شخص، ولم نجد إلا أربعة مرافق صحية، وحين شاهدنا هذا الواقع رفضنا النزول من الحافلات، وقلنا لهم لن نبيت في العراء”.

ويتابع: “عقب وصول وفود من منظمتي آفاد والهلال الأحمر التركيتين، وبعد أن نال التعب من الأطفال والنساء قبلنا النزول، وبدأنا بنصب الخيام بأنفسنا بحلول الساعة الخامسة عصراً”.

 

ليلة في العراء

بحسب أبي البراء فإن الكثير من العائلات قضت ليلتها الأولى في العراء بعد أن استمرت أعمال نصب الخيام حتى مساء اليوم التالي.

ومنذ الإعلان عن وصول الدفعة الثانية من مهجري حي الوعر، بموجب اتفاق بين لجنة من أهالي الحي وبين نظام الأسد وروسيا، إلى مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي سادت أجواء من الغضب المتصاعد أوساط الناشطين السوريين، جراء ما وصفوه بـ”التقصير” من قبل السلطات التركية، والمجلس المحلي لمدينة جرابلس.

وفي هذا الإطار تحدث أبو البراء عن تعامل لا إنساني مع المهجرين من قبل مجلس جرابلس المحلي، مشيراً إلى تصرفات “غير مسؤولة” من بعض المسؤولين هناك، وأوضح: “لقد كانوا يقولون لكل شخص يبدي تذمراً لماذا قدمت إلى هنا، ومن الأفضل أن تعود إلى مدينتك”.

 

عمل جبار

بالمقابل أفاد مدير مركز جرابلس الإعلامي “مراد محلي” بأن المجلس قام وبالتعاون مع منظمات تركية، بتجهيز نحو 350 خيمة لاستقبال مهجري حي الوعر وبالسرعة المطلوبة، وأشار في تصريح لـ صدى الشام إلى تقديم ما يلزم هذه الخيام من مرافق ومن خدمات تخص الطعام والشراب والصحة.

 

من جانب آخر، أرجع “محلي” التقصير الذي طال المهجرين مع بداية وصولهم إلى “عدم تنسيق المنظمات التركية مع المجلس المحلي في مدينة جرابلس”، مشيراً إلى منع السلطات التركية للمنظمات المدنية الأخرى من التدخل، الأمر الذي أدى إلى زيادة الضغط على المجلس وعلى المنظمات، حسب تقديره.

وأضاف محلي: “تم استنفار كل الجهود لتدارك الوضع بعد وصول المهجرين إلى منطقة زوغرة، وتم تجهيز الخيام في غضون 12 ساعة فقط، وهو عمل جبار بكل ما تعنيه هذه الكلمة”.

 

 

شائعات اجتاحت مواقع التواصل

ورداً على ما تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي من شائعات حول تأجير الخيام للمهجرين، نفى “محلي” ذلك معتبراً أن: “كل ما  تم تناقله عارٍ عن الصحة، وليس من عادة أهالي الريف الشمالي أن يقوموا بذلك”.

وتابع: “إن الوضع في مدينة جرابلس صعب للغاية، فالمدينة تعاني من ضغط سكاني هائل في ظل عرض محدود من المساكن، ولذلك فإن الحديث أيضاً عن ارتفاع الإيجارات في المدينة غير وارد أصلاً، فالبيوت التي لم تتهدم هي بيوت قليلة لا تلبي حاجة سكان جرابلس”.

 

ولفت محلي، إلى أن ما نسبته 50% من أهالي جرابلس هم خارج المدينة، مشيداً بتعاون الأهالي مع مأساة أهالي حي الوعر، بالرغم من الموارد القليلة المتوفرة، كما قال.

 

التعليمات التركية فاقمت الأزمة

على صفحته الشخصية “فيسبوك”، ميّز الإعلامي، أحمد بريمو، الذي كان مواكباً لعمليات التهجير التي طالت الأحياء الشرقية في مدينة حلب، بين حجم الاستجابة من المنظمات المدنية في حالة تهجير سكان حلب وبين  ما حصل بالنسبة لمهجري الوعر.

واعتبر بريمو أنه “من الظلم اتهام أهالي ريف حلب الشمالي بالتقصير”، واستطرد بالقول: “عندما وصل أهلنا من حلب إلى إدلب كانت الأوضاع صعبة، وتم إيواء النساء والأطفال في خيم جماعية، وتولت فيما بعد المنظمات وبعض فرق المتطوعين مهمة البحث عن منازل وتأمين إيجارها، لكن هنا في جرابلس لم نشاهد كل هذا بسبب اعتبارات وتعليمات تركية”، واستدرك: “لكن هذا لا يعفينا من المسؤولية جميعاً، لأن مسؤولية أهلنا من أبناء حي الوعر نتحملها جميعاً”.

 

 

 ما هو حال سكان المخيم؟

في تقييمه لأوضاع المهجرين من حي الوعر، يؤكد مدير مركز جرابلس الإعلامي مراد محلي أن المخيم الذي يستوعبهم تحت رعاية ورقابة  تركية بالكامل، وأن أوضاع المهجرين تتجه نحو الأفضل.

لكن ابن حي الوعر “أبو البراء” تحدث عن أوضاع مأساوية، حيث أكد عدم توفر المياه في الحمامات والمرافق، منوهاً إلى مطالب عدة أخرى من أهمها: “فرش أرضية المخيم بالبحص لمساعدة السكان في التنقل فيما بين الخيام، وقدوم لجنة تركية للاستماع إلى شكاوى السكان، وتوفير سيارة إسعاف لنقل المرضى إلى المراكز الصحية، ومحاسبة كل المسؤولين عن التقصير أيضاً”.

وختم أبو البراء كلامه مناشداً القائمين على المخيم تدارك أوضاع المهجرين الذين تمنعهم الظروف الاقتصادية من السكن في منازل بإيجارات مرتفعة.



صدى الشام