الزبداني ومضايا مقابل كفريا والفوعة.. اتفاق جديد لمصلحة مَن؟


يقترب ملف ما يعرف بـ”اتفاق المدن الأربعة” أو “الزبداني مضايا، كفريا الفوعة” من الحسم، مع الحديث عن اتفاقٍ جرى بين هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام من جهة، وإيران من جهةٍ أخرى بضمانة قطرية، حيث سيتم بموجب ذلك إخلاء مدينتي الفوعة وكفريا من سكانهما خلال 60 يوماً، فيما سيتم إجلاء 160 شخصاً من المقاتلين العالقين فيما بقي من مدينة الزبداني، إضافةً للمقاتلين والمدنيين الرافضي للمصالحة مع نظام الأسد في مضايا، ليبلغ عدد كل من سيجري إخراجهم من الزبداني ومضايا حوالي 2000 شخص بحسب المعلومات المُعلنة عن الاتفاق.

ونصّ الاتفاق، الذي نشرَهُ للمرّة الأولى أبو عدنان زيتون، مسؤول حركة أحرار الشام في الزبداني، على وقف إطلاق النار في المناطق المحيطة بالفوعة ومنطقة جنوبي العاصمة دمشق “يلدا، ببيلا، وبيت سحم” لمدة تسعة أشهر، إضافة لإخلاء مقاتلين من هيئة تحرير الشام عالقين في مخيم اليرموك.

وجاء في بنود هذا الاتفاق الذي نشره “زيتون” عبر تلغرام “إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المذكورة بدون توقف، إضافة لمساعدات لحي الوعر في حمص، وإخلاء 1500 أسير من سجون النظام من المعتقلين على خلفية أحداث الثورة دون تحديد الأسماء”.

وبمجرد تداول أخبار هذا الاتفاق حدث شد وجذب بين أطراف المعارضة السورية، بعد أن بات موضع جدلٍ بين رافضٍ للاتفاق بحجّة أنه “يرسّخ مبدأ التغيير الديموغرافي” وبين من يرى في كلام من هذا النوع شيئاً من المزاودات.

وأدانت عدّة فصائل في الجيش السوري الحر مساء الأحد الماضي هذا الاتفاق، قائلةً في بيانٍ لها: “إن الاتفاق يؤسس لمرحلة خطيرة من التطهير العرقي والطائفي، تمهيداً ﻹعادة رسم حدود الدولة السورية، كما يُعتبر جريمة ضد الإنسانية ومخالفاً ﻷحكام الفقرة “د” من المادة 7 من النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية”.

لكن السؤال: “هل يُعتبر إخراج 2000 شخص من المحاصرين ضمن كيلو مترٍ واحدٍ في الزبداني، وإنقاذ الجائعين في مضايا تغييراً ديموغرافياً حقاً؟”

مصدر مطلع على سير عملية هذه المفاوضات اعتبر في تصريح لـ”صدى الشام” أن هذا الاتفاق يأتي في مصلحة المعارضة بشكلٍ مطلق.

ودلّل المصدر على رأيه بأن أبرز مزايا الاتفاق أنه سيُخرِج 1500 معتقل من سجون الأسد، وهو ما لم تنجح به كل مفاوضات جنيف أو أستانا التي تجري من سنوات، إضافةً إلى أنه سيُخرج 1500 مقاتل من “هيئة تحرير الشام” من مخيّم اليرموك كانوا عالقين تحت حصار تنظيم داعش.

وأضاف المصدر أن الاتفاق سيؤدي لتحرير مدينة إدلب كاملاً ويتم تسليمها للمعارضة، وهي مكسب ميداني جديد.

 

 

وأوضح المصدر أن المقاتلين المحاصرين داخل الزبداني هم أساساً غير قادرين على محاربة النظام، ومحشورين ضمن مربّع لا يتجاوز مئات الأمتار وبالتالي لن يؤدّي وجودهم إلّا لمزيدٍ من الحصار، لافتاً إلى أن قوات إيران وميليشيا حزب الله اللبناني تستطيع بكل سهولة اقتحام مدينتي الزبداني ومضايا والسيطرة عليهما بسبب وجود أكتر من 200 نقطة عسكرية محيطة بهما، وربما تقوم بتهجير أهلها دون اتفاق، ودون أن يتم تفريغ الفوعة وكفريا، إضافةً إلى أن المعارضة غير قادرة حالياً على اقتحام الفوعة وكفريا عسكرياً وذلك بسبب ترسانة الأسلحة الإيرانية الكبيرة والدعم اللامتناهي لهما والأنفاق المحيطة بهما، كما أن اقتحام هاتين البلدتين عسكرياً هو أمرٌ مرفوضٌ دوليًا، بحسب المصدر.

وخلال السنوات الفائتة، عمدت مروحيات النظام والميليشيات الإيرانية الموجودة في سوريا إلى إمداد مدينتي كفريا والفوعة بكل أنواع الأسلحة والمعدّات الحربية والأغذية بحيث لا تعيش هذه المدن ظروف الحصار، الأمر الذي جعلهما هدفاً عسكرياً صعباً ولا سيما بالنسبة للفصائل المحيطة بها.

وبيّن المصدر في تصريحه لـ صدى الشام أن عدد الموجودين في مضايا 40 ألف نسمة تقريباً، جزء منهم من أهالي مضايا الأصليين والآخرون من أسر مقاتلي الزبداني وعائلات نازحة من بلودان ومناطق أخرى، وبالتالي فإن هذه المدينة ستحافظ على هويتها دون أن تظهر عليها ملامح التغيير الديموغرافي كما تفسّر المعارضة، وفق ما يرى المصدر.

 

واعتبر المصدر أن الهجوم العنيف الذي تشنّه المعارضة على الاتفاق، وتصفه بالتغيير الديموغرافي، يأتي نظراً لأن “هيئة تحرير الشام” هي من وقّعت على الاتفاق مع حركة أحرار الشام، دون الرجوع إلى بقية أجسام المعارضة السياسية والعسكرية، وبضماناتٍ قطرية كذلك، وعليه فإنها -أي المعارضة- تتخوّف من أن يأتي هذا الاتفاق كمحاولة قطرية لتكريس “هيئة تحرير الشام” كطرف سياسي فاعل ومفاوض في الساحة، وذلك على حساب بقية الفصائل وكتل المعارضة السياسية. وهو أمر يدعمه ما قاله كبير المفاوضين محمد علوش، الذي غرّد منذ أيام على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي تويتر قائلاً: “إن اتفاق تهجير أهل مضايا والزبداني واستبدالهم بالفوعة وكفريا يعني تهجير 100 ألف مسلم، من دمشق وريفها”، لكن الواقع يقول أن مجمل عدد الموجودين في مضايا والزبداني يبلغ قُرابة 40 ألفاً فقط.

من جهته فإن عضو اللجنة الشرعية في “هيئة تحرير الشام”، عبد الله المحيسني، نشر على قناته في “تلغرام” السبت الماضي، توضيحاً مقتضباً لاتفاق المدن الأربعة، وقال فيه: “سألت عدداً من القائمين على ملف التفاوض في قضية الفوعة وكفرية هل سيخرج كل أهل مضايا؟ فكان الجواب: من سيخرج من مضايا والزبداني عددهم قرابة 2000 فقط، وهم المطلوبون للنظام لتجنيدهم وليس كل الأهالي، وأما الفواعنة فسيُهجّرون جميعاً”، وأضاف “فوق ذلك اتُّفق على إدخال الطعام لكل المناطق المحاصرة وإخراج 1500 معتقل في سجون الطاغية، جزء كبير منهم نساء”.

 

وفي غمار هذه المشادّات السياسية، أصدر “المجلس المحلي لمدينة الزبداني بياناً أدان فيه من أسماهم “المزاودون على الاتفاق”، وقال المجلس في بيانه: “في إطار الحملة الشرسة التي كانت النظام والميليشيات الموالية له يشنّوها على المدينة والعدد الكبير للعدو وكثافة التدمير والقتل، نادى أطفال ونساء وشيوخ الزبداني فلم يستجب إليهم أحد إلّا إخواننا في جيش الفتح الذين فرضوا وقفاً لإطلاق النار وأبرموا اتفاق كفريا والفوعة أو ما يُسمى اتفاق المدن الأربعة”.

وأضاف أن “النظام والميليشيات الإيرانية أطبقوا بعدها الحصار على المنطقة وراح الجوع يفتك بالأطفال والنساء وكبار السن وسقط منهم أكثر من 350 شخصاً عدا الإصابات والأمراض الناجمة عن الجوع”.

 

وتابع: “بعد مرور سنة ونصف على الاتفاق والصبر على الحصار والجوع توصّلت بعض فصائل جيش الفتح والطرف الإيراني المحتل لتنفيذ بنود الاتفاق الأربعة ولكن هذا الاتفاق لم يَرُق لبعض وسائل الإعلام العربية التي زعمت أن تنظيم القاعدة هو من أبرم الاتفاق، علماً أن الاتفاق واضح الأطراف”.

وأردف المجلس في بيانه: “لقد سمعنا من شخصيات عديدة في الائتلاف أن هذا الاتفاق هو خيانة لمبادئ الثورة وراحوا يعارضون الاتفاق وينعتونه بنعوت لا يتبجّح بها إلّا البعيد عن واقعنا ولا يشعر بمأساة أطفالنا ونسائنا”، مشيراً إلى أن هذه القوى لم تقدم أي دعم سياسي أو عسكري أو إنساني أثناء الحملة العسكرية على الزبداني والحصار ولم يبذلوا أي جهود لإيقاف الحملة أو إدخال أي رغيف خبز للمحاصرين الذين حصد الحصار والجوع أرواحهم خلال سنة ونصف بينما قام جيش الفتح بإيقاف الحملة المجوسية الحاقدة وإدخال الطعام الذي حد من الموت وخفّف وطأة الحصار وذلك باتفاق كفريا الفوعة”، بحسب البيان.

وختم البيان: “إن المجلس المحلي في مدينة الزبداني يودّ أن يقول لمن يزاود على دماء أهالي الزبداني أن هذا الخيار الذي وضعنا بين فكيه هو نتيجة تخاذلكم وانجراركم وراء أهوائكم ومكاسبكم”.

وخلال السنوات الماضية، شهدت مدينتا مضايا والزبداني حصاراً خانقاً أدى إلى حدوث وفيات نتيجة النقص الكبير في الأغذية والأدوية، فيما يستمر الحصار على المدينة، وتواصل ميليشيا حزب الله اللبناني استهداف المدنيين عبر القنص وهم داخل أحيائها، حيث تقع مدينة مضايا في منطقة مكشوفة بالنسبة للجبال المحيطة لها، التي تجعلها هدفاً سهلاً للنقاط العسكرية التي نشرها حزب الله حول المدينة.



صدى الشام