المصريين والسير وراء الشياطين والفراعنة ......

د.عزة عبد القادر -مساهمات القراء ليس من السهل ان يجلس العرب على كرسي الإعتراف ليتحدثوا عن أخطائهم وتلك تعد كارثة كبيرة لو يعلمون ، والأصعب من ذلك أن يعترف المصريين بأخطائهم ، ربما يعود ذلك إلى الطبيعة الفرعونية التي تغلب على طبيعتهم ، وليست تلك الطبيعة سمة تميزهم ، بل هي آفة تدمرهم ، إنه داء التكبر والخيلاء ، والنعت بفرعوني من فرعون الذي تجبر وتفرعن ، إذن فهي صفة ذميمة وطابع شيطاني لأن إبليس لم يكن سوى مخلوق متعجرف ، أصيب بهذا الفيروس القاتل ، فانتهى مصيره ليهبط إلى أسفل سافلين ، ليكون مع المجرمين والظالمين ويتحد أبدياً مع الكافرين ليكون لهم نصيرا وصاحباً ، لقد طرد الشيطان من جنة الخالق لأنه أصر أنه على صواب رغم خطأه الكبير والواضح ، فقد أخذته العزة بالأثم ليتمادى في عناده وجهله في تحدي وقح للعليم جل جلاله ، فكانت عاقبته الخسران والخزي في الدنيا والآخرة . لقد خلق الله الشياطين والأشرار ليضرب لنا الأمثال حتى نؤمن بقدرته وحكمته ، ولنعلم أننا مهما بلغنا من علم ومعرفة فلن نخرق الأرض ولن نبلغ الجبال طولاً، قال تعالى:" وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَال طولاً" صدق الله العظيم (الإسراء:377)،وذلك لأن قدراتنا محدودة وفهمنا له حدود ، أما الله جلال جلاله فله العلم اللا محدود ، والمعرفة اللامتناهية ، ولهذا فلما نتكبر ونتمركز حول ذواتنا وأشكالنا ونحن لا شيء في هذا الكون الكبير الغريب الذي لم نرى منه سوى أقل القليل ، فلا يغتر إلا لئيم ولا يشعر بالغرور إلا الجهلاء الذين اتخذوا من الفراعنة والشياطين أرباباً من دون الله الكريم الحليم . إذا كان كثير من المصريين يفتخرون بأنهم أحفاد الفراعنة الذين قاموا بتشييد البنايات الضخمة والقلاع العتيدة ، فكيف ينظرون إلى التراب تحت أرجلهم لقد كشفت الحفريات عن وجود مدن وقرى فانية تحت العمائر والقباب ، بل كانت هناك بلدان ساحرة وأبراج شاهقة انهارت وسحقت أسفل البحار والمحيطات ، انه الماوراء "الميتافيزيقا" هل تعلم ما هو علم الماوراء ، انه ما لا يدركه علمك ، انه الغيب والأرواح التي تسكن هناك لا نراها ولا نسمعها ، بل يسمعها السميع العليم ، قال تعالى ":إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير "(سورة فاطر) التواضع هو السمة الفريدة التي تجعلنا نعلو إلى عالم المثل ، ولم يكن الملاك سوى مخلوق جميل يطيع ملك الملوك "الله عز وجل " انهم ينفذون كل أوامر الخالق العظيم في تفاني وإجلال وتواضع ، وهذا هو الفارق الكبير والجوهري بين الملاك والشيطان ، فالملاك لا يعاند ، لا يجادل في كلمة حق ، لا يضاهي قدرة الله عز وجل لأنه يعرف انه ليس إلا مخلوق من مخلوقات رب السماوات والأرض ، خالق الكون والناس والملائكة والجن ، يعرف الملائكة أنهم سيموتون أيضا ، قال تعالى : " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" ، كيف عرف الملائكة كل ما سبق ، انهم يعلمون ذلك بتعليم الله لهم ، قال تعالى: وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(32).سورة البقرة أما الإنسان فقد أنعم الله عليه بالعقل ليكون له ميزاناً ، فقد أعطاه الله الإختيار بين أن يمشي في طريق الملائكة فيكون من الصالحين والفائزين ، أو يختار الشياطين ليكون لهم سفيرا وربيباً ، وهناك الطريق النصفي الذي يوصف أصحابه بأنهم ذوي النفوس اللوامة وهؤلاء جمعوا بين الحسنات والسيئات ، قال تعالى :" وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"102(سورة التوبة). وأخيراً فهناك الأنبياء والأولياء الصالحين الذين علوا بمكانتهم ، فكانوا في مستوى يسبق الملائكة الطيبين ، لأن الإنسان اتسم بالعقل الذي ينتقي ويختار بإرادته الحرة ، وكونه توصل إلى الصلاح والإيمان بتلك الإرادة المستقلة فهنا نستطيع ان نصفه بالمجاهد الذي تغلب على نزواته وضعفه ليصل إلى الخير والحق فاستحق ان يكون في مكانة تعلو على الملائكة المسيرين الذين لا يمتلكون إرادته العقلية والوجدانية . هل يقرأ العرب القرآن بتمعن ، ليتعلموا القصص والعبر فيما روي عن الملائكة والشياطين ، وهل فطن الإعراب إلى الحكمة والصدق من أقوال الأنبياء والصالحين قال تعالى :" يؤتي الحكمة من يشاء ،ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب" آية 269 سورة البقرة ، أم إنهم لم يفطنوا إلى الإيمان والحكمة بعد وانطبق عليهم قوله تعالى :" قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم" آية14سورة الحجرات. - هل يمكن أن نسأل أنفسنا ما الذي قدمناه للعالم منذ ألف سنة ، ما الذي يمكن ان نقدمه للبشرية ونحن نمتلك أعظم كتاب وأعظم نبي وأفخم لغة وأزهى حضارة وأكثر ثروات ، ماذا فعلنا بعد قراءة آيات الذكر الحكيم في رمضان الماضي وقبل الماضي وما قبل قبل الماضي ، نحن لم نقدم شيء وحتى علمائنا الأجلاء لم يستطيعوا أن يصنعوا شيء ليس لأنهم لا يمتلكون علم ، بل لأنهم لا يمتلكون نظاماً ونهجاً ، فنحن نثق أن كثير من علماء الأمة الإسلامية بارعون في طرح الموضوعات الفقهية وأصول الشريعة ولكنهم لا يمتلكون القوة في التغيير والإجتهاد ، نعلم ان بعض الدعاة عباقرة في الدعوة إلى سبيل الله ولكنهم لا يملكون نهجاً لتعليم الناس كيف يمكن ان يكونوا دعاة فاعلين ، وذلك لأن كثيرا ما تتناقض أقوالهم مع أفعالهم فيقعون في تلك الفخ المرسوم لهم من الأعداء والمنافقين وهو تشويه كل ما هو إسلامي . وأكرر السؤال مرة أخرى لأوجهه لنفسي وللمصريين ، هل دققنا النظر في عظمة القرآن الكريم ، وهل عرفنا معنى أن الإسلام منهج حياة ، هل فعلنا ما يجب علينا أن نفعله ، ماذا قدمنا للناس في شتى مشارق الأرض ومغاربها وكثير منا يدعي بأننا أبناء الفراعنة والبعض الآخر يرى أننا أبناء الحضارة الإسلامية العريقة وآخرين يتباهون بأننا أعظم دولة يتعايش فيها أصحاب الحضارات والثقافات المتعددة من بطالمة ورومان ويونانيين وآشوريين ، هل استطاع عالم مصري ان يقدم للعالم منهج كامل في كيفية تعليم الناس علم الأحياء مثل جابر بن حيان مثلاً أو الفارابي أو ابن سينا . هل يستطيع طبيب مصري ان يكشف للناس كيفية مواجهة أحد الفيروسات القاتلة ، بالتأكيد هناك من يمتلك الموهبة والقدرة على الإكتشاف ولكنها نماذج فريدة نادرة ، بل إنها تكاد تعد على أصبع اليد الواحدة ، أتعرفون لماذا ؟ لأننا لا نمتلك خطة وإدارة لقدراتنا ومواهبنا ، لا يوجد خريطة أو جدول ينظم الأفكار والإبتكارات ويرسم الطريق للأبناء والأحفاد في جيلنا والأجيال القادمة . وأخيرا لا يمتلك العرب بصفة عامة أو المصريين بصفة خاصة قيادات فاعلة تستطيع التغيير وإرساء مباديء التطور والتكنولوجيا ، وبالتالي فنحن دائما لا نمتلك شيء ، ولا نصل إلى أي شيء لأننا نعيش في عشوائية فكرية ، وفوضى حضارية "انهيار حضاري وأخلاقي" ، فإذا وجدنا عالم فيزياء عربي فلن نجد له رؤية واضحة وإستراتيجية منظمة لتسير عليها الأجيال القادمة ، واذا فرحنا ووجدنا أديب مصري نابغة فسنصطدم بأنه لا يقدم سوى مجموعة من الكتب والأطروحات التي لا تشفي عليلا ولا تظهر نتيجة حاسمة ، لـأننا باختصار أمة تتكلم كثيرا وتتنازع أكثر لكنها لا تملك التنفيذ ، نحن لانستطيع إنهاء العمل لأننا فوضويون وغوغائيون ، وإذا جاء بعضا منا لديه القدرة على التنظيم ويمتلك مفتاح النهاية فإنه سيقابل بالغدر والحرب ، و ربما ينتهي به الحال إلى غياهب المعتقلات ، او انه سيقتل لا محالة سواء من الأعداء في الداخل أو من الخارج . هذا هو الإعتراف الصعب الذي نتوقع يوماً ان يعترف به العرب عامة والمصريين خاصة ، ولكن هل سيفعلون؟، ام تنتهي الحياة وتمر القرون ويدفنون ، لنقول في تلك اللحظة ، هنا كانت توجد حضارة عربية ، ألا يستيقظون قبل أن يتوقف الزمان ويفوت الأوان ؟