المعارضة تُراوح عسكرياً في حماة ودمشق.. ومعركة الرقة على الأبواب


أخفقت فصائل المعارضة مجدداً في الوصول إلى مدينة حماة بعد أن نجحت قوات النظام، مستعينةً بالميليشيات الأجنبية وبالطيران الروسي وبالغازات السامة، في استرجاع معظم ما خسرته من قرى ونقاط سيطرت عليها المعارضة ضمن عملياتها العسكرية التي بدأت في 21 الشهر الماضي وانتهت مع نهاية الشهر نفسه، وهو مصير سبقته إليها العمليات العسكرية لفصائل المعارضة في شرقي دمشق، وإن كانت المواجهات اليومية ما تزال مستمرة مع قوات النظام والميليشيات في كلا الجبهتين.

وبعد التقدم السريع لفصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي والذي مكّنها خلال أيام قليلة من السيطرة على نحو 20 قرية ونقطة عسكرية، استطاعت قوات النظام والميليشيات خلال يومين استعادة معظم ما خسرته باستثناء بلدتي صوران ومعردس، وقد استدعى النظام معظم الميليشيات العاملة في الشمال والجنوب السوري مثل حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني و”درع القلمون” و”فوج الجولان”، و”قوات النمر” و”حركة النجباء” العراقية، و”حراس الفجر” إلى محافظة حماة، لوقف تمدد المعارضة في الريف الحموي ومنع وصولها الى المدينة وإلى مواقعه الاستراتيجية هناك مثل جبل زين العابدين وبلدة قمحانة ومطار حماة العسكري.

كما اعتمدت قوات النظام بشكل مكثف، في هجماتها المضادة، على تكثيف غاراتها الجوية واستخدام مواد سامة، وتحديدًا غاز الكلور والفوسفور العضوي، خصوصاً على مدينتي اللطامنة وكفرزيتا والمناطق المحيطة بهما، ما تسبب بعشرات حالات الاختناق، وازدياد موجات النزوح التي تجاوزت 50 ألف مدني.

ويرى متابعون أن ما أسهم في إحباط هجوم المعارضة هو تفرد بعض الفصائل في بعض المعارك دون تنسيق مع الفصائل الأخرى مثل استئثار “هيئة تحرير الشام” بالهجوم على بلدة قمحانة الموالية، ودخول “حركة أحرار الشام” وفصائل أخرى معارك حماة بغرفة عمليات منفصلة محورها مدينة كرناز والبلدات المحيطة بها في ريف حماة الشمالي الغربي، دون أن تحقق أي نجاح بسبب التخطيط الفاشل للمعركة.

وما تزال المعارضة تسيطر على مدينة صوران وبلدة معردس في الريف الشمالي، إلى جانب مكتسبات هجوم العام الماضي، المتمثلة بمدينتي طيبة الإمام وحلفايا، بينما خسرت نحو عشر بلدات وقرى في غضون خمسة أيام.

ومستفيدةً من هذا الزخم، تحاول قوات النظام التوغل أكثر في عمق مناطق المعارضة حيث شنت هجمات متتالية على بلدة حلفايا في الريف الشمالي، لكن قوات المعارضة تمكنت من صدها جميعاً وكبّدتها خسائر في الأرواح والمعدات، فيما قصفت طائرات روسية مناطق مختلفة في المحافظة.

ولاقت معركة شرقي دمشق التي خاضتها عدة فصائل في توقيت متزامن تقريباً مع معركة حماة المصير نفسه لأسباب مشابهة، حيث استعادت قوات النظام بعد أسبوع من اندفاعة المعارضة التي أوصلتها إلى كراجات العباسيين والمنطقة الصناعية الفاصلة بين حيي جوبر والقابون، جميع هذه المناطق، وتحاول القيام بهجمات جديدة لدفع المعارضة إلى مواقع أبعد في عمق سيطرتها بالغوطة الشرقية.

وفي هذا الوقت كانت الاستعدادات تتوالى في شرقي البلاد لما يسمى “معركة الرقة الكبرى” التي تتولاها الميليشيات الكردية المسماة “قوات سوريا الديمقراطية” بدعم جوي وعسكري وسياسي من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وقد سعت هذه الميليشيات إلى إحكام سيطرتها على مدينة الطبقة الواقعة على بعد خمسين كلم غربي مدينة الرقة، حيث استكملت تقريباً حصار المدينة برغم محاولات مقاتلي تنظيم الدولة كسر هذا الحصار عبر شن هجمات متلاحقة .

وتعاني الرقة من أوضاع إنسانية صعبة وسط انقطاع المياه والكهرباء والمحروقات فيما أطلق ناشطون حملة لإنقاذ الرقة من الحصار وقصف طيران التحالف، في ظل منع تنظيم الدولة خروج المدنيين منها.

 

 

اتفاق البلدات الأربع

بعد تسرب معطيات حول إبرام اتفاق بين هيئة تحرير الشام وإيران لإخلاء بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين في ريف ادلب الشمالي مقابل ترحيل سكان من مناطق شمالي غربي دمشق وإطلاق سراح معتقلين، خرجت ردود فعل غاضبة ومستنكرة، حيث اعتبرته أطراف في المعارضة السورية باطلاً، فيما رأت هيئة تحرير الشام أن الاتفاق يصب في مصلحة السوريين، مؤكدة أنه لا يهدف الى إجراء تغيير ديمغرافي.

واعتبرت الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية الاتفاق “اعتداءً على حقوق سكان هذه المدن في البقاء في بيوتهم وعلى أرض آبائهم وأجدادهم”، معتبرةً أنه “يأتي في إطار خطة لمصلحة إيران وحزب الله في مشاريعهم للتغيير السكاني في سوريا وإحلال مجموعات محل أُخرى على أُسس طائفية خدمة لمشاريعهم التقسيمية الفئوية في بلادنا وفي المنطقة”.

ومن جهته، نفى رياض حجاب المنسق العام للهيئة، أي دور له في الاتفاق الذي لقي رفضاً من قبل الائتلاف الوطني السوري، معتبراً أن لهذا الاتفاق “نتائج كارثية على الشعب السوري”، مشيراً في رسالة رفعها للأمين العام للأمم المتحدة إلى أن طرفي الاتفاق “لا يملكان الصفة القانونية لإبرام هكذا اتفاق على الأرض السورية”، معتبراً الاتفاق باطلاً ونتائجه غير ملزمة للشعب السوري.

وكانت مصادر متطابقة ذكرت قبل أيام أن “هيئة تحرير الشام” و”حركة أحرار الشام الإسلامية” من جهة، وممثل عن إيران من جهة أخرى، توصلوا لاتفاق يقضي بإخلاء سكان بلدتي كفريا والفوعة المواليتين بريف إدلب، ومدينتي الزبداني ومضايا المحاصرتين في ريف دمشق ضمن مدة زمنية قدرها٦٠ يوماً على مرحلتين.

كما ينص الاتفاق على وقف إطلاق نار يشمل بلدات كفريا والفوعة وتفتناز وطعوم ومزارع بروما وزردنا وشلخ ومعرمصرين ورام حمدان ومدينتي بنش وإدلب، وبلدات يلدا وببيلا وبيت سحم جنوب دمشق، إلى جانب مدينة الزبداني وبلدتي مضايا وبقين بريف دمشق الشمالي الغربي، وذلك عبر هدنة مدتها تسعة أشهر.

ويؤكد الاتفاق على إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المذكورة، على أن يتم إطلاق سراح ١٥٠٠ أسير من سجون النظام، وذلك في المرحلة الثانية من الاتفاق.

وسبق  أن رفض الاتفاق كل من “جيش الأبابيل” التابع لـ”الجبهة الجنوبية” و”الهيئة السياسية” في إدلب، إضافةً إلى الائتلاف الوطني السوري الذي أعرب عن رفضه لأية خطة تستهدف تهجير المدنيين في أي مكان من أنحاء سوريا.

من جهته، رأى عماد الدين مجاهد، مدير العلاقات الإعلامية في هيئة تحرير الشام التي تضم عدة فصائل أبرزها جبهة فتح الشام، في حديث صحفي أنه واستجابةً لطلب وإلحاح أهالي بلدتي الزبداني ومضايا لإخراجهم، دخلت الهيئة على خط المفاوضات بشكل أساسي وأشركت أحرار الشام معها تحت مسمى جيش الفتح، وتمّ توقيع الاتفاق باسم جيش الفتح، وبموافقة الجميع، وقلّل مجاهد من أهمية الحصار المفروض على الفوعة وكفريا، واصفاً إياه بـ “الهش”، مشيراً الى أن نقاط الرباط لبعض الفصائل حول البلدتين “تحولت إلى معابر للتجارة”، وفق تعبيره، وأوضح أن  بنود الاتفاق الجديد تنص على “إخراج قرابة 3000 شخص – من الراغبين- من مضايا والزبداني وبلودان إلى الشمال، وإخراج 1500 أسير وأسيرة من سجون النظام معظمهم من النساء، وإدخال مساعدات إضافة إلى هدنة في مناطق جنوبي دمشق وأولها مخيم اليرموك المحاصر، كما يتضمن الاتفاق إخراج المحاصرين في مخيم اليرموك إلى الشمال بعد شهرين من بدء تنفيذ الاتفاق، وحل قضية 50 عائلة عالقة في لبنان من أهالي الزبداني ومضايا، وسريان هدنة في العديد من بلدات في ريف إدلب لمدة 9 شهور تشمل جميع أنواع القصف المدفعي والجوي، وإخراج كامل كفريا والفوعة على دفعتين، بحسب الاتفاق، وأعرب مجاهد عن قناعته بأن “بنود الاتفاق تؤكد أن الرابح الأكبر هو الثوار، ويظهر ذلك بالتحديد عبر إدخال المساعدات إلى جنوبي دمشق وإخراج 1500 أسير”.

وأوضح مجاهد أنه “لن يخرج من مناطق محيط العاصمة إلا قرابة ثلاثة آلاف فقط”، وأكد أن مسألة تنفيذ الاتفاق بعد الاعتراضات الواسعة عليه “أمر يقرره القادة حسب الواقع”، معرباً عن قناعته بأن الائتلاف الوطني السوري “لا يمثل أحداً من الشعب السوري”.

 

 حصار القلمون

 وفي جبهة أخرى بعيدة نسبياً عن الضجيج الإعلامي، سيطرت قوات المعارضة السورية على طريق “أبو الشامات” في ريف دمشق الشرقي، إضافة إلى مواقع لتنظيم الدولة، خلال معارك أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من عناصر التنظيم.

وقال  “جيش أسود الشرقية” إن معارك عنيفة جداً تدور في المنطقة وتستهدف السيطرة على منطقة المحسا آخر معاقل التنظيم في تلك المنطقة، والتي يعني سقوطها فك الحصار عن منطقة القلمون الشرقي.

وتأتي هذه التطورات في إطار معركتي “سرجنا الجياد لتطهير الحماد” و”صد البغاة” اللتين تخوضهما فصائل عدة من المعارضة ضد تنظيم الدولة، وأسفرتا حتى الآن عن طرد التنظيم من ريفي دمشق والسويداء، وتتركز المعارك حالياً على الحدود مع ريف حمص الجنوبي، بهدف فتح الطريق  بين القلمون الشرقي والبادية السورية.

وضمن هذه المعارك التي تدور على مساحات واسعة في مناطق صحراوية مكشوفة على امتداد أكثر من 130 كلم من الحدود السورية مع الأردن والعراق شرقاً إلى القلمون غرباً، تمكنت قوات المعارضة في الأيام الأخيرة من السيطرة على تل دكوة في منطقة القلمون، حيث انسحب تنظيم الدولة من التلة ومحيطها بعد تكبده خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.

وباستعادة تل دكوة أصبح فك حصار القلمون الشرقي هدفاً يمكن بلوغه حيث لم يبقَ بيد التنظيم سوى استراحة السخنة وجبال المنقورة والعبدة والمحسا وهي تفصل مناطق سيطرة المعارضة في البادية السورية ومناطق سيطرتها في القلمون بمسافة لا تتجاوز 18 كلم، وإذا تمت السيطرة على هذه النقاط فإن الحصار المفروض على القلمون الشرقي منذ أكثر من عامين من جانب تنظيم الدولة وقوات نظام الأسد يكون قد انتهى.

وكان مقاتلو المعارضة سيطروا قبل ذلك على أهم نقاط التنظيم في منطقة البادية وهي بئر القصب بريف السويداء، كما سيطروا أيضاً على منطقة شنوان وبئر العورة وبئر القنيات ورجم الدولة ومنطقة الأصفر ومدرسة الرحيل، وتعتبر منطقة “بئر القصب” الاستراتيجية التابعة إدارياً لريف دمشق، مدخلاً رئيساً إلى القلمون الشرقي.

 

دمج الفصائل

 كما انشغلت الساحة السورية في الأيام الأخيرة بما يشاع عن جهود أميريكية ترمي إلى دمج فصائل المعارضة السورية العاملة في الشمال في هيكل تنظيمي واحد، أو ضمن غرفة عمليات موحدة، وثار الجدل حول هدف هذا التكتل الجديد؛ هل هو لمحاربة النظام أم لمحاربة “هيئة تحرير الشام” كما ذكرت بعض المصادر الصحفية.

وقالت مصادر في الجيش السوري الحر، إنه لا علم لها بمثل هذه المشاريع، مشيرة إلى أن “المشروع طُرح منذ ستة أشهر، ثم جرى تجاوزه بعد رفض أغلب الفصائل ترك قتال قوات النظام، والمليشيات التابعة لإيران، والتفرغ لقتال تنظيم الدولة الإسلامية وفصائل أخرى، من بينها “جبهة فتح الشام” أو جبهة النصرة آنذاك.

وأشارت المصادر إلى أنه “يتم تداول معلومات عن نيّة دول إقليمية، وتحديداً تركيا، إطلاق عملية عسكرية تحمل اسم درع العاصي، إلا أنها استبعدت القيام بها بسبب اختلاف الرؤى بين فصائل المعارضة وهذه الدول حول أهداف العملية والمناطق المستهدفة”.

 

مؤتمر جنيف

 وفي هذا الوقت كان مؤتمر جنيف بين المعارضة والنظام والذي ترعاه الأمم المتحدة يطوي جولته الخامسة دون نتائج تذكر كما الجولات السابقة.

وبينما سعت المعارضة للتوصل إلى حل عبر الانتقال السياسي الذي شددت عليه خلال لقاءاتها مع المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، تمسّك وفد النظام بخطابه حول أولوية “مكافحة الإرهاب”، ورفض مناقشة الانتقال السياسي بشكل فعلي.

ولخّص رئيس وفد المعارضة نصر الحريري هذه الجولة بالقول إن المفاوضات قد بدأت من دون أن يصفها بالفشل أو النجاح، مجدداً التأكيد على أولوية المعارضة بالانتقال السياسي كمفتاح حقيقي للحل الذي يجب أن يفضي إلى إزاحة رئيس النظام بشار الأسد وأركان حكمه من السلطة.



صدى الشام