الملك والحمار


فوزات رزق

اجتمعت الحيوانات الأهلية تتذاكر المظالم التي لحقت بها عبر العصور. بدأ الحصان مداخلته قائلًا:

– كنت الجواد الذي يفتخر به الفرسان على مرّ التاريخ. على صهوتي حقق الأبطال النجباء بطولاتهم الخارقة، من عنترة بن شداد العبسي إلى عمرو بن معد يكرب الزبيدي. ما اعتلى صهوتي إلا فارس مغوار. غير أنني أصبحت هذه الأيام مطية لأشباه الرجال يحاولون امتطاء صهوتي، فيعودون بعد معاركهم الخاسرة مخذولين مرذولين.

وقال الجمل:

– كنت عبر التاريخ سفينة الصحراء. أحمل متاع القوم مسافات طويلة، وكم من جميلات حملت هوادجهنّ على ظهري. حتى انتهى بي المطاف إلى أن يصبح الحمار قائد المسيرة.

وقال الثور:

– أما أنا فمصيبتي أكبر من مصيبة الحصان والجمل. فعلى الرغم من أنّهم يستخدمونني في حراثة أرضهم، وعندما أعجز عن جرّ المحراث، أجد السكين بانتظاري؛ إذ يأكلون لحمي ويصنعون من جلدي نعالًا لأحذيتهم؛ ومع ذلك؛ فإنّهم إذا أرادوا أن يصفوا واحدًا من قادتهم بالجلافة، قالوا إنّه مثل الثور. لقد غدوت عندهم رمزًا للازدراء والمهاترة.

وشكا الديك من أنهم يصفونه بالغرور، على الرغم من أنّه يحرص دائمًا على إيقاظهم في الصباح الباكر؛ كي يذهبوا إلى أعمالهم نشيطين. وشكا التيس مما آل إليه من تحقير عندما كانوا يصفونه بالغباء؛ مع أن القدماء كانوا يعدّونه رمزًا لمقارعة الخطوب. أما الكلب فكانت شكواه أمرّ، حينما يبذل قصارى جهده في خدمة صاحبه، وكان مضرب المثل في المحافظة على العهد، غير أنهم -الآن- لا يفسحون له مجالًا؛ كي ينام تحت سقف يقيه من المطر والبرد، من دون أن يتكرموا عليه، ولو بلقمة جافة، مكتفين برمي الفضلات له. في حين أن كل الحيوانات تلقى الرعاية والعناية من أصحابها، فتنام في الإسطبلات، ويقدم لها العلف اللازم. والأكثر من ذلك فإذا خرج أحدهم من عند مسؤول لم يلبّ له حاجته خرج يشتمه قائلًا: هذا كلب ابن كلب.

وبعد كثير من التداول في شؤونهم، واستماعهم إلى شكوى العنزة والنعجة والدجاجة والهرّة، قرروا أن يرفعوا تظلماتهم إلى الملك؛ لعلهم يجدون عنده العدل الذي افتقدوه عند عامة الناس، فينصفهم مما لحق بهم من مظالم.

وتوجهوا إلى القصر في تظاهرة سلمية طالبين أن يخرج الملك إلى شرفة القصر كي يستمع إلى شكواهم. فخرج الملك وطلب إليهم أن ينتدبوا من بينهم حيوانًا؛ كي يعرض عليه مشكلاتهم. فاستقرّ رأيهم على انتداب الحمار؛ لما يتمتع به من صبر وقوة احتمال ومجالدة في مواجهة الملك.

صعد الحمار إلى قصر الملك، فيما أخذت الحيوانات تنتظر في باحة القصر. وحينما طال انتظارهم ظنوا أن الملك لم يستجب لمطالبهم في رفع الظلم، فهاجوا وماجوا وارتفعت هتافاتهم تندد بهذه المماطلة.

وما هي إلا لحظة حتى أطلَّ الحمار من شرفة القصر وقال:

طولوا بالكم يا جماعة شوي! شو بكم.! جلالتو ما عم يفهم علي! انتظروا دقيقة بس، حتى بسّطلو الموضوع.




المصدر