جنيف 4 – 5 تمييع القضايا الكبرى


شفيق صنوفي

يعيش السواد الأعظم من السوريين حالة إحباط مما جرى على مدى سنوات ست، وما يزال؛ إذ لا يلوح في الأفق أي أمل حقيقي في الحل، خاصة وأن السوريين لم يعولوا كثيرًا على ما جري -في الماضي- في جنيف، ولا على ما جرى في أستانا، ولا على ما يجري اليوم من مفاوضات؛ إذ يبدو أن هذه المفاوضات تدور في حلقة مفرغة، بسبب موقف النظام أساسًا من هذه المفاوضات، والسياسة التي اتبعها لتمييعها، وحرفها عن مسارها الرئيس، واللعب على موضوع الوقت.

من الناحية النظرية -فحسب- يمكن عدّ أن خطوة نحو الأمام قد تُوصّل إليها في جلسة المفاوضات الماضية، عندما اتفق طرفا التفاوض على السلال الأربعة -كما يحلو للسيد دي مستورا تسميتها– ولكن دون الاتفاق على أي تسلسل لمناقشة هذه السلال، وهذا ما دفع كل طرف إلى التمسك بالسلة/ الموضوع الذي يعطيه الأولوية؛ إذ يصر وفد المعارضة على البدء بمناقشة عملية الانتقال السياسي، بينما يصر وفد النظام على إعطاء موضوع محاربة الإرهاب الأولوية. وهذا ما دفع السيد دي مستورا، مبعوث الأمين العام، إلى مناقشة موضوع الانتقال السياسي والانتخابات المقبلة مع وفد المعارضة، ومناقشة موضوع محاربة الإرهاب مع وفد النظام في محاولة يائسة منه؛ للهروب إلى الأمام، وتحقيق أي تقدم يسجل لمصلحته على الصعيد الشخصي، قبل مغادرته منصبه الحالي.

أما على الأرض، فلم يلتزم النظام بالهدنة، كما العادة، ولا الراعي الروسي، غير المحايد، بالطبع، بل على العكس تمامًا؛ فقد صعد الطرفان من هجماتهما وغاراتهما الجوية، في محاولة مكررة لفرض مزيد من الضغط على المعارضة ووفدها المفاوض، قبل -وفي أثناء- المفاوضات.

إن أشد ما يحبط السوريين اليوم هو إدراكهم التام أنهم تحولوا إلى ألعوبة بيد الدول العظمى والقوى الإقليمية المؤثرة، وتحولت بلادهم إلى ساحة صراع وتصفية حسابات قديمة وجديدة، بين كل هؤلاء اللاعبين الكبار، ويدركون -أيضًا- أن الحل ليس قريبًا؛ لأن هذه الدول لا تُبدي أي جدية لإنهاء هذا الصراع؛ ما يعني أن على السوريين التضحية بمزيد من الأرواح البريئة.

وإذا كان واقع الحال يُظهر بما لا يدع مجالًا للشك، أن المعارضة في وضع لا تُحسد عليه، بسبب محاولات التدخل المستمرة في كل قراراتها من الأطراف الداعمة/ الممولة، فإن الصورة على الجانب الآخر تبدو أسوأ بكثير؛ إذ يعتمد النظام على القوة العسكرية الروسية والإيرانية والفصائل الطائفية العابرة للقارات، في معاركه على الأرض، وحماية نظامه المتهاوي، وإطالة عمره، بينما ترك الجانب السياسي بالكامل للروس منذ سنوات، فتحولوا إلى الآمر الناهي للنظام والمتحدث الأوحد باسمه، وليس أدل على ذلك سوى ما حدث أخيرًا في أثناء الاتفاق الذي أبرم لإخراج ما تبقى من مقاتلين وعائلاتهم في حي الوعر الحمصي، فقد وقع على هذا الاتفاق أرفع ضابط روسي موجود على الأراضي السورية.

للخروج من الشرنقة التي وضعت المعارضة السورية نفسها داخلها، سواء كان بملء إرادتها، أو نتيجة الضغوط التي تعرضت لها، لابد لها -أولًا- من وقفة مراجعة نقدية لمجمل الأمور والنتائج التي آلت إليها، والبدء فورًا بمعالجة الأسباب، وكسر الحواجز التي أعاقت عملهم الحر، وصادرت، بشكل أو بآخر، قرارتهم، جزئيًا أو كليًا. خطوة كهذه، لا تتطلب كثيرًا من الشجاعة، بقدر ما تتطلب موقفًا صادقًا مع الذات أولًا، وتجاه هذا الشعب العظيم الذي قدم من تضحيات ما لم يقدمه أي شعب آخر في التاريخ الحديث، ثانيًا.

هذه الخطوة، لابد من أن تليها خطوات توحيدية أخرى، سواء بين الفصائل المقاتلة، تحت راية الجيش الحر، وبين القوى السياسية الناشطة، في محاولة لتقريب وجهات النظر والالتقاء على مجموعة من القواسم المشتركة التي انطلقت الثورة من أجلها. هي دعوة للتقارب على أسس واضحة وجلية، والابتعاد عن كل ما يفرق في هذه المرحلة. فهل نتعلم الدرس؟




المصدر