“مصير الأسد يقرره الشعب السوري”!


خلدون سماق

شكّل تصريح وزير الخارجية الأميركي -أخيرًا- حول تخلي إدارة ترامب عن شعار “على الأسد أن يرحل”، والانتقال إلى عبارة “مصير الأسد يقرره الشعب السوري”، شكّل صدمة لأوساط معارضة سورية واسعة. لكن، وبغض النظر عن التكاذب لمرددي هذه العبارة، من روس وأميركيين، فإن الشعب السوري لا يريد أكثر من أن يملك بنفسه حق تقرير مصير الأسد، وتقرير مصير أي سلطة حاكمة أخرى، ولم يخرج في 2011، وحتى الآن، إلا من أجل أن يستعيد السلطة التي سُلبت منه عنوة بقوة السلاح، منذ 8 آذار/ مارس 1963. ولكن كل قوى الشر تدخلت لتمنعه من أن يقرر مصير الأسد ونظامه، ويسترجع السلطة إلى يده.

الروس هم أكثر من يردد عبارة “مصير الأسد يقرره الشعب السوري”، ولكنهم -في الواقع- ساندوا سلطة الأسد وتدخلوا عسكريًا؛ كي يبقى الأسد وسلطته، رغمًا عن إرادة الشعب السوري. ويتبجح بشار الأسد بهذه العبارة أثناء لقاءاته بوسائل إعلام أجنبية. أما إيران؛ فقد أعفت نفسها حتى من مثل هذا التصريح، فالأسد بالنسبة إليها هو وكيل المرشد الخامنئي الذي -بدوره- هو وكيل “صاحب الزمان” الذي يعدّونه “وكيل الله” الحصري على الأرض.

أبسط محاججة في وجه المتبجحين بعبارة “الشعب السوري يقرر”، وهي عبارة حق يراد بها باطلًا، هي: “دعوا الشعب السوري يقرر”، وإن كان بهم بقية قدرة على التحليل السياسي السليم، وبقية ذرة من أخلاق وقيم، وحرص على كرامة الإنسان في أكبر مذبحة بشرية ترتكب بحق شعب بعد الحرب العالمية الثانية، هي أن يمكّنوا الشعب السوري من أن يقرر.

لن نحاجج بأن سلطة الأسد سلطة غير شرعية، في الأساس، بل ومجرمة، ولكن دعونا “نلحق الكذاب إلى باب داره”، ونسأله: كيف سيقرر الشعب السوري مصير الأسد أو مستقبله؟ هل سيتم ذلك بترتيب انتخابات في ظل السلطة نفسها، والأجهزة نفسها التي دأبت خلال أكثر من نصف قرن على مصادرة إرادة الشعب، بقوة العسكر وتزوير الانتخابات، بدءًا من انتخابات جمعية استهلاكية، إلى مهزلة الاستفتاء؟ هل هذه الأجهزة هي ذاتها من سينظم ويدير ويعلن نتائج أي استفتاء على دستور وانتخابات رئيس وغيرها؟ إذ بناءً على تجاربنا السابقة فلا داع، في هذه الحال، لاستفتاء، ولا لانتخابات، فالنتائج معروفة سلفًا.

سنقول لأصحاب عبارة “دعوا لشعب السوري يقرر”:

إن كان الحل السياسي الذي تسعون لفرضه هو “حكومة وحدة وطنية” بعد “هزيمة” المعارضة عسكريًا، وإرغامها على قبول مثل هذا الخيار، فإن أي استفتاء أو انتخابات، ستكون نتائجها مسبَّقة الصنع، ولن تغّير رقابة الروس ورقابة الأمم المتحدة في الأمر شيئًا، وسيكون هذا إعلان لاستمرار الصراع في سورية، ولكن بطرق أكثر دموية هذه المرة،

أما إن تقسّمت سورية، وأُقرَّ بحكم الواقع، بالسلطات المسيطرة على المناطق، بعد طرد “داعش” و”النصرة”، وأصبحت سورية مقسمة واقعيًا إلى عدة مناطق: 1) منطقة سيطرة النظام وحلفاؤه، 2) منطقة سيطرة الـ “بي واي دي”، 3) مناطق سيطرة المعارضة، وستكون موزعة بين فصائل عديدة متنازعة، في مثل هذه الحال ستكون نتائج الانتخابات في كل منطقة بحسب إرادة الجهة المسيطرة علىيها، على الرغم من رقابة العالم أجمع، فإدارة الانتخابات والأوضاع التي تدار بها، تحدد نتائجها، ومثل تلك الأوضاع التي أتينا على ذكرها ستعطي هذه النتائج مسبَّقة الصنع، إذ لن يكون السوري حرًا في اختياره.

الحال الوحيدة التي يمكن للشعب السوري أن يستعيد حقه، ويمارسه في تقرير مصير سورية، واختيار دستوره الملائم، وانتخاب السلطة انتخابًا حرًا ،هي حين تزول سلطة النظام عن مناطق سيطرته الحالية، كذلك تزول سيطرة المعارضة عن مناطقها سيطرتها الحالية، وأن تزول سلطة “البي واي دي” عن مناطق سيطرته الحالية، كي تفقد هذه السلطات إمكانية توجيه إرادات الناخبين نحو غير ما يرغبونه، وأن تعود سورية موحدة بسلطة مركزية واحدة، وألا تكون هذه السلطة بيد أي من النظام أو المعارضة، بل أن تكون بيد “مجلس حكم” يدير السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، خلال فترة انتقالية، وله أن يشكل ما يشاء من أجهزة حكم تساعده، على أن يتكون “مجلس الحكم” من شخصيات معتدلة من النظام، وشخصيات معتدلة من المعارضة، وشخصيات معتدلة من المجتمع، على أن تتوقف هذه الشخصيات المشكّلة لـ “مجلس الحكم”، ومنذ تلك اللحظة، عن عدّ أنفسهم ممثلين لنظام أو معارضة، وأن يكونوا ممثلين لمستقبل سورية، وألا يكون بين شخصيات هذا المجلس أي من قيادات النظام أو قيادات المعارضة السياسية أو قيادات الفصائل المعارضة، وأن تنفذ هذه السلطة برنامجًا انتقاليًا، ينهي انقسام مؤسسات الدولة إلى موالاة ومعارضة، بما فيها الجيش والأمن، بحيث لا يبقَ أداةً بيد نظام أو معارضة، وأن يطرد جميع المقاتلين الأجانب إلى خارج سورية، وأن يهيئ أفضل أوضاع ممكنة للانتقال السياسي، وينجز وضع دستور جديد تجري انتخابات حرة على أساسه، وأن تدير هيئة الحكم -هذه- الاستفتاء والانتخابات (تديرها من ألفها إلى يائها) وأن تستعين بمؤسسات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في الرقابة. ويشكّل إعلان جنيف 1، وقرارات مجلس الأمن، أساسًا قانونيَا دوليًا كافيًا.

هكذا -فحسب- يمكن أن يتاح للشعب السوري تقرير مصيره بنفسه، وأن تفسح أمام سورية مُهلة لتلملم جراحها، وتستعيد وحدتها، وعلى الرغم من أنه ليس الحل المثالي، ولكن هذا أفضل المتاح والممكن أيضًا.

أما كيف يتحقق هذا؛ فبكلمة واحدة: وضع سورية لمدة خمس سنوات تحت وصاية الأمم المتحدة، بقرار من مجلس الأمن، ووضع خطة متكاملة لذلك، وإرغام جميع اللاعبين الحاليين في الساحة السورية على قبولها والعمل لإنجاحها.

ستقولون هذا حلم لن يتحقق!.

وأجيب: يتحقق ذلك عندما يتفق الروس والأميركيون، فإن كانوا صادقين فليفعلوا هذا.




المصدر