استقيلوا.. إنكم شهداء زور
5 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017
هنادي الخطيب
كتب السوري رفعت اليوسف على صفحته في “فيس بوك” نعيًا لشهداء عائلته في إدلب (ملهم جهاد اليوسف، ياسر أحمد اليوسف وطفليه، عمار ياسر اليوسف 7 سنوات، محمد ياسر اليوسف 10 سنوات، سناء حج علي زوجة ياسر، عبد الكريم أحمد اليوسف، أحمد عبد الحميد اليوسف 9 أشهر، آية عبد الحميد اليوسف 9 أشهر، دلال أحمد الصح زوجة عبد الحميد اليوسف، إبراهيم محمد اليوسف، محمد حسن اليوسف 11 سنة، هند تركي اليوسف وأولادها، تركي محمد القدح ابن هند مع عائلته بالكامل، عماد محمد قدح ابن هند مع عائلته بالكامل، نهاد أحمد اليوسف، ملك تركي اليوسف زوجة نهاد، نور نهاد اليوسف، حسن محمد اليوسف، أحمد إبراهيم اليوسف”.
هل يعرف الائتلاف السوري أن النعي الذي نشره رفعت لا يمكن أن تنشره أي صحيفة عربية أو غربية، وهل يعرف مطلقو بيان المطالبة بتحرك مجلس الأمن الفوري؛ من أجل المجزرة الكيماوية في خان شيخون، هل يعرف أولئك أن رفعت ومن تبقى من عائلات الـ 100 شهيد، لا دموع لديهم للبكاء على الأطفال الذين ماتوا مفتوحي العيون، ولا يهمهم ولن يهم أي سوري في كل بقاع الأرض أن يطلب الائتلاف هذا الاجتماع السطحي الذي لا يحمل أي جدوى؟ هل تعلمون في الائتلاف والهيئة وكل من يتكلم، أو يفاوض باسم السوريين أن ثمة صحافيين استشهدوا وأصيبو اليوم في خان شيخون، هل تعرفون أنس الدياب وعبد القادر البكري ومحمد حسن الدغيم؟ فلتعلموا أن الشبان السوريين الذين يُخرجون الفيديوهات ليصفعوا بها العالم، لن يسامحوكم إن بقيتم في أماكنكم.
يخطر لنا، لحد الآن، وبكل سذاجة الإنسان الطبيعي، لو أن ثمة عضوًا ائتلافيًا شاهد الفيديوهات من خان شيخون؛ لخرج إلى الشارع باكيًا لاهثًا، ولتقدم هذا الائتلاف باستقالة فورية وعاجلة، ولتبعته هيئة التفاوض بأقوى رسالة سياسية إلى العالم، ولالتهبت بنادق قادة الفصائل ممن يقولون إنهم ضد النظام الأسدي، من عسكريين يتصدرون مشهد أستانا، وأعلنوا فشل هذا المؤتمر المهزلة. لكن يعود العقل ليستيقظ سريعًا، بعد خبرة ست سنوات من التسويغ والتسويف والألاعيب، وتوزيع اللوم على الآخرين والنظام والدول، وجهاد قادة هذه الفصائل بعضهم ضد بعض، ولندرك بسرعة الحقيقة المرة: يا سوريين ليس لكم سوى الله، ودموعكم وألمكم وحلمكم.
ليس ثمة سوريون عاقلون اليوم، لا يوجد شاب ولا امرأة ولا طفل سوري يمكنه أن يقرأ صفحة من كتاب وأن يفهمها، والعالم يدرك ذلك، ولكنه لا يقبل أن يتعاطف معنا، ففرنسا دعت إلى اجتماع لمجلس الأمن، وقالت “اشتباه بهجوم كيماوي”، وأدانت قوات النظام على ما اشتبهت أنه هجوم كيماوي، وعلينا أن نلهث لشكرها، ولكن كيف لنا أن نشكر فرنسا ونحن خارج الزمان والمكان.
وبريطانيا لم تُقصّر، سارعت إلى المطالبة بمحاسبة الأسد، ولكنها وضعت شرطًا صغيرًا “في حال ثبت أنه مرتكب المجزرة”، وكيف سنثبت لك يا بريطانيا أن الأسد هو مرتكب المجزرة؛ بريطانيا وكل العالم يعرف تمامًا من يملك طائرات تستطيع إلقاء السلاح الكيماوي والبراميل، إما أنها طائرات التحالف، أو طائرات الأسد أو صديقه بوتين، فهل السؤال صعب وبحاجة لشهود أربعة، شاهدوا كلهم القنبلة تسقط من طائرة مرسوم عليها صورة بشار، لتنفجر بين فم الرضيع وصدر أمه؟
أردوغان هاتف بوتين وأكّد له أن الهجوم الكيماوي في إدلب سيقوض محادثات أستانا، وبوتين أكّد أنه لم يرتكب المجزرة، وأغلق الهاتف وانتهت المكالمة، ولن نلوم أردوغان كذلك لا نلوم ترامب الذي ألقى بالتهمة على “أوباما الضعيف”، وانتهى دوره هنا. ندرك تمامًا أن الحكومات والأمم المتحدة لم تتحرك يومًا بدافع أخلاقي أو إنساني، بل بدافع المصالح والمرابح، لكن يبقى من حقنا أن نرد على زخرفات كلامهم أمام شعوبهم، وادعاءاتهم حول حرب الإرهاب، وزعماء الإرهاب ما زالوا ينشرون الموت الكيماوي فوق سورية.
على من سنعتب، ولمن نوجه كلماتنا، فلا موقف من معارضة هشة فاسدة يمكن أن يحرك جليد العالم، ولا قوة لأطفال ماتوا في أسرتهم فاتحين عيونهم، ولا كلمة تقال لرفعت السعيد لتعزيته إلا “حسبنا الله ونعم الوكيل”، ولا نملك الواشنطن بوست أو التايمز أو السي إن إن لنثبت اسماء عائلتك يا رفعت، وأما باقي الشهداء فكُتبت أسماؤهم في أرواح من تبقى على قيد الحياة هناك.
لم يكتف العتاة المستبدون -حكام بلادنا- في القرن الماضي بظلم الشعوب وتفريقها وتجهيلها، وبالتحكم في الحياة السياسية والثقافية، والاستيلاء على حرية وحقوق الإنسان، بل أيضًا سرقوا منا اللغة والمعاني، من خلال إطارات صور لأيديولوجيا الأحزاب المستبدة، ففرضوا معايير تصنيف البشر، من هو الشريف والوطني والمناضل والمخلص، وسرقوا كلمات تحمل كثيرًا من النبل، الصمود والنضال والبناء والوطن؛ ما أدى إلى عزوفنا نحن -العرب- عامة، والسوريين خاصة، عن هذه الكلمات وسواها، عزوف كان ردة فعل قهرية، ما كنا لنتجاوزها في سورية لولا ثورتها، ولولا فظاعة الدموية الأسدية.
[sociallocker] [/sociallocker]