الإرهاب والأنظمة الشمولية


منصور حسنو

لا يجب تبسيط الأمر في أنّ الإرهاب بات الهاجس الأول المهيمن على الساحة الدولية، حتى أصبحت العبارة التي يُصرّح بها أي زعيم عالمي عند لقائه زعيم دولة أخرى: “اتُفق على التعاون الثنائي في مجال مكافحة الإرهاب”، وهي العبارة التي أراد السيسي أن يُغازل بها البيت الأبيض في اللقاء الأخير.

من الملاحظ بعد انفجار المغرب والمشرق العربي بالثورات التي طالبت بالتحرر من الأنظمة الاستبدادية، أن ضربات الإرهاب تسارعت، ونمت حركات إرهابية، ليس غرضها تقويض حالة الاستقرار في تلك الدول فحسب، بل تعدى نشاطها ليصل إلى قلب أوروبا التي حاولت الوقوف موقفًا متميزًا عن الولايات المتحدة وروسيا بشأن الربيع العربي؛ ما يدفعنا إلى التساؤل، لمصلحة من تعمل هذه الأجندات والخلايا الإرهابية، ولا سيما أنها المُشوِّه والمُشوِّش الأول على حركات التحرر العربية (الربيع العربي).

يعمد المثقف العربي دومًا إلى التنصل من فكرة المؤامرة، ويعدّ الحديث عنها -فحسب- هراءً وكلامًا عوّامًا، ولكن من يستعرض التاريخ القديم والحديث، وتاريخ النظم السياسية الملكية والإمبراطورية، في الشرق والغرب، لا يمكنه إلا أن يرى المؤامرة جزءًا رئيسًا فيه، من اغتيال يوليوس قيصر سنة 44 ق.م، إلى اغتيال الحريري 2005، بوصفهما مثالين لزمنين متباعدين سياسيًا؛ لذلك، لا أجد ضيرًا من القول إن الربيع العربي وحركة الشعوب مطلع هذا القرن كانت صرخة مدوية، وحافزًا كبيرًا لإيقاظ السياسة العالمية من وهم أن تبقى هذه الشعوب محكومة بالحديد والنار؛ لذلك، وعلى الرغم من وجود مشكلات ذاتية، وعوامل ضعف محلية، وقلة تنظيم لدى هذه الشعوب، لا يمكننا نكران العامل الخارجي في وأد، ومحاولة اغتيال، هذه الثورات، ومحاولة الالتفاف عليها، أو ترقيع مطالبها، فليس عبثًا أن يوضع رئيس منتخب ديمقراطيًا بعد ثورة شعبية على نظام عسكري في السجن، ويتولى الجنرالات حكم البلاد من بعده بانقلاب عسكري، ثم يكون هذا الجنرال ضيفًا على البيت الأبيض؛ متعهدًا أمام الرئيس ترامب بمكافحة الإرهاب!

لم نعد نعرف (الشيفرة) التي أصبحت من مدلولات كلمة الإرهاب! ففي سورية الكل يتحدث عن الإرهاب، نظام ومعارضة ومجتمع دولي، ويحق للساذج سياسيًا أن يسأل: لماذا يظهر الإرهاب بعد كل ثورة على نظام ديكتاتوري شمولي؟ لماذا تقوى الحركات السلفية بعد كل صرخة حرية وحركة ثورية تواجه بالرصاص والصواريخ؟ وقد أجاب ماركس عن ذلك عندما قال: في فترات الأزمات الثورية -كهذه تحديدًا- نراهم يلجؤون في وجل وسحر إلى استحضار أرواح الماضي؛ لتخدم مقاصدهم، ويستعيرون منها الأسماء والشعارات القتالية والأزياء؛ لكي يُمثلوا مسرحية جديدة على مسرح التاريخ العالمي في هذا الرداء التنكري الذي اكتسى بجلال القدم، وفي هذه اللغة المستعارة. هكذا ارتدى لوثر قناع الرسول بولس…

أليس وضع 300 ألف معتقل، وقتل عشرات الآلاف منهم تحت التعذيب إرهابًا؟ هل تطهير المدن والقرى من سكانها، وتغيير الخرائط والديموغرافيا البشرية عمل إنساني؟

لقد أصبحت هذه الشيفرة الإرهابية سمجة ومكشوفة وباهتة وحقيرة أمام حقائق التاريخ وصرخات الشعوب، يجب علينا ألا نمل ونكل من القول: إن الديكتاتوريات الشمولية هي المُنتج الأول للإرهاب، وليس إرهاب الأفراد والجماعات إلا ظلًا لها، ومهما كافحنا الظل سيبقى الأصل.

يقول المنطق: ليس من العبث بعد كل حركة جماهيرية تُطالب بالإصلاح والتغيير أن يعمد من تخيفه هذه الحركات إلى ترهيب الناس وترويعهم، بحيث يكون لسان حال الناس: بقاء ما كان خير مما قد لا يكون! كما جرى في تفجير سان بطرسبورغ -أخيرًا- بعد حركة الاحتجاجات الواسعة في روسية، واعتقال المعارضين ومئات المتظاهرين ضد الحكومة الروسية.

نعم يجب القضاء على الإرهاب السياسي المتمثل في الأنظمة الإرهابية المافيوية التي تُنتج الإرهاب الراديكالي، وتمنع معالجة الذهنية العنفية عند البشر الذين تتشكل معارفهم عبر مظلوميات، وقهريات تاريخية وحديثة؛ ما يُنتج كائنًا “غير سوي” نفسيًا، يستعد لفعل أي شيء عنيف؛ لأنه فقد معنى الحياة دون كرامة وحرية.

لا ننكر أننا نعاني من مشكلات ثقافية وتراثية تسهم في إنتاج شكل ما من أشكال الإرهاب، ولكن في ما يبدو هناك جدلية بين الديكتاتوريات والإرهاب، من جهة، وبين إمبرياليات عالمية مصلحية، وبين هذه الثقافة المتأزمة، من جهة ثانية، إذ يُدرك الجميع أن معالجة هذه القضايا والإشكاليات تحتاج إلى جو من الحرية والديمقراطية، وأن حصول هذه الشعوب على حريتها وبناء أنظمتها الديمقراطية يُهدد مصالح هذه القوى التي تُصرّ على رؤية أن مصالحها لا يمكن إن تتحقق إلا عبر هذا الشكل من الأنظمة العائلية والعسكرية؛ ما يدفعنا إلى توليد حل الأمر الواقع، وهو أنه يمكننا أن نحصل على حريتنا، ونزيل الوهم الدوغمائي عند الآخر الذي يظن أن حريتنا ستهدد وجوده أو مصالحه.




المصدر