الركود التضخمي.. وأثاره في المجتمع السوري

5 أبريل، 2017

عامر عبد السلام

يظن بعضهم أن من العبث الحديث عن الأوضاع الاقتصادية في حال الصراعات العسكرية، فالمهيمن على الساحة هو اقتصاد الحرب، أو التضخم الجامح وفقًا للمصطلحات الاقتصادية، ففي حال الصراعات تقف عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي، وتصبح أرض المعركة سوقًا مفتوحة؛ لصب السلع الخارجية وساحة جامحة لتجار الأزمات.

ما تعيشه الأرض السورية، في الوقت الحالي، لا يبتعد عن الوصف السابق، فالعجلة الزراعية والصناعية توقفت توقفًا شبه تام، بعد أن كانت تمثل 45 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي قبل الثورة، ليسميه الاقتصاديون بالركود، وأمام سيطرة التجارة الخارجية، وتدفق السلع المستوردة غالية الثمن إلى السوق، مقابل ضعف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وفقدان الرقابة، نحصل على التضخم، وبذلك؛ يعيش المواطن السوري حالًا نادرة من الأزمات، وهي الركود التضخمي، أي الجمع بين ركود مصادر الإنتاج، وزيادة السلع المستوردة المقترنة بضعف العملة المحلية، مع مزيج من البطالة المرتفعة؛ نتيجة ما سبق.

وعلى الرغم من اختلاف الخبراء الاقتصاديين في الأرقام الصادرة بين الفنية والأخرى، إلا أنهم يجمعون على أن أرض الصراع والأزمات في أي مكان، بيئة خصبة للتكهنات، فلا أرقام حقيقية مع الضحايا، أو مع التدمير.

الأرقام التي توردها الدراسات، أو يصرح بها مسؤولو الصراع السوري، قابلة للتخمين والتغيير، والنقض أيضًا، فانعكاسات الركود التضخمي أدت إلى ارتفاع مستويات الفقر، لتصل إلى نحو 85 في المئة من عدد السكان المتبقي على الأرض السورية، وفقًا لدراسات المنتدى الاقتصادي السوري، وبحسب تقديرات المركز السوري لبحوث السياسات (SCPR) أن أكثر من 60 في المئة من الأيدي العاملة (نحو 3.5 مليون) باتت معطلة عن العمل، وفقد نحو 3 ملايين وظائفهم نتيجة الصراع، مع ارتفاع معدلات التضخم طرديًا -على أساس سنوي- منذ بدء الصراع.

ففي عام 2011 كان التضخم يسجل 4.8 في المئة، ثم قفز إلى 37.4 في المئة في 2012، وارتفع إلى 89.6 في المئة في 2013، ووصل 309.73 في المئة عام 2014، وارتفع إلى 383 في المئة عام 2015، ليقفز إلى 522 في المئة في 2016، (وصل إلى 676.9 في تموز/ يوليو عام 2016)، وفقًا للمكتب المركزي للإحصاء التابع للنظام السوري؛ ما جعل الأسر السورية محاصرة، ومن ثم؛ عاجزة عن توفير لقمة العيش وحاجاتها اليومية.

كل ذلك جعل القدرة الشرائية للأسر السورية تتآكل أمام ما تتعرض له، فارتفعت الأجور بنسب بسيطة، وصلت إلى نحو 60 في المئة فحسب، في محاولة من النظام مواكبة معدلات التضخم، لكن ما كان يكفي الأسرة قبل 2011، لم يعد يكفيها بعده، فالأسرة المكونة من خمسة أشخاص احتاجت لنحو 35 ألف ليرة سورية قبل 2011، بوصفه رقمًا وسطيًا لتوفير الحاجات المعيشية، فيما تحتاج الأسرة ذاتها لنحو 145 ألف ليرة سورية، حدًّا أدنى للإنفاق؛ لمواكبة الارتفاعات المتتالية في أسعار السلع، وفقًا لدراسات اقتصادية حديثة.

لكن جمعية حماية المستهلك السورية كان لها رأي آخر، حول حاجة الأسرة السورية، إذ ذكرت في دراسة صادرة منها أخيرًا أن حاجة الأسرة السورية المتوسطة، بعد خمس سنوات تعادل 100 ألف ليرة شهريًا من أجل توفير حاجاتها الضرورية، فخط الفقر العالمي يوازي 655.5 ليرة سورية في اليوم، أي إن الأسرة المكونة من خمسة أفراد تحتاج إلى 3277.5 ليرة دخلًا يوميًا؛ ما يعني أنها بحاجة شهريًا إلى ما لايقل عن 98325 ليرة سورية؛ كي تكون على خط الفقر.

لم يكن الصراع العسكري هو الجائحة الوحيدة التي حلت بالسوريين، وإنما العقوبات المفروضة على النظام والحكومة السورية الحالية، وانعكاساتها على المواطن السوري؛ ما سبب ارتفاعًا في تكلفة الاستيراد عامة، والمواد الأولية الداخلة في الإنتاج خاصة، إضافة إلى انخفاض شديد في قيمة الليرة السورية؛ أدى إلى ارتفاع في قيمة المستوردات من بضاعة نهائية ومواد أولية، وفقًا لمعهد “ليفانت” للدراسات.

إضافة إلى ما سبق، سبب توقف الإنتاج النفطي عجزًا كبيرًا في الموازنة العامة، يُموَّل عن طريق الإصدار النقدي، كذلك سبب تفاقم الصراع السوري إلى هجرة رجال الأعمال واليد العاملة، وأدى إلى ارتفاع كبير في تكلفة الإنتاج، وانخفاضًا في مستوى الإنتاج، بل توقف الإنتاج نهائيًا في بعض المجالات؛ ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة في الوقت نفسه، فضلًا عن الآثار الاجتماعية الكارثية الأخرى التي خلفتها الحرب، من تدني مستويات التعليم والصحة، وارتفاع معدل الجريمة والعنف، بحسب المعهد.

محاولات وعجز

تعجز دول كثيرة عن معالجة ظاهرة الركود التضخمي في الأحوال الطبيعية، فكيف بنظام فشل في معالجة اقتصاده قبل 2011، إذ عانت سورية من ارتفاع في معدلات البطالة، فقد وصل إلى نحو 35 في المئة، بحسب نائب رئيس الحكومة (قدري جميل)، بينما الأرقام الرسمية ذكرت أن معدلات البطالة لم تزد على الـ 8.2 في المئة، ووصلت معدلات التضخم إلى 32 في المئة في ذلك الوقت، ولم تعترف به حكومة العطري، وأظهرت أرقامها أن معدلات التضخم لم تزد على الـ 4.8 في المئة.

الخطوات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الحالية، هي رفع أسعار الطاقة وأسعار السلع التموينية الأساسية وإصدار فئات جديدة من النقود، فساهمت سياسة ترشيد الدعم بالتخفيف من عجز الموازنة نظريًا من 41.2 في المئة عام 2014 إلى 28.1 في المئة عام 2015، لكنها أسهمت في تعميق الركود الاقتصادي؛ لأنه رفع تكلفة إنتاج السلع والخدمات التي لا تزال تُنتج محليًا، وزاد من الضغوط التضخمية على الأسعار؛ فأدى إلى تراجع قيمة العملة المحلية أكثر، وارتفاع العجز المالي للموازنة السورية على الحكومة (العجز هو الفارق بين الإيرادات والمدفوعات)؛ بسبب تكثيف وتركيز الإنفاق على الآلة العسكرية، علمًا أن صافي الرصيد في الموازنة، هو رقم سالب، وجرى تحميل الرصيد النهائي (الدعم الذي تلقاه النظام من خارج الموازنة، مضافة إليه الزيادة في الإنفاق العسكري)، وفقًا لتقديرات البنك الدولي.

كذلك طبق النظام حصارًا على مناطق الصراع الواقعة خارج سيطرته؛ بهدف تجويع السكان هناك، وإفقارهم ماديًا وإغاثيًا؛ لإجبارهم على الخضوع لسيطرته ، بينما الحصار الثاني الذي طبقه على المناطق الموالية له، وتحت سيطرته، يهدف إلى إفقار المواطن السوري، ومنعه من التفكير -فحسب- في الخروج ضده.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]