لعبة التوازن الإقليمي بين “جاستا” والنووي
5 أبريل، 2017
فؤاد عزام
بدت العلاقات الأميركية- الإيرانية، في الفترة الأخيرة، وكأنها تتجه نحو مزيد من التصعيد، وهو ما عكسته التصريحات المتبادلة بين الجانبين، فيما أعلن قائد القيادة المركزية الأميركية، جوزف فوتيل، في شهادته أمام مجلس النواب أن “هدف إيران هو الهيمنة الإقليمية، وهي لن تكف عن أن تكون القوة السائدة في المنطقة”، فيما قال وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان: إن العسكريين الأمريكيين في الخليج “الفارسي” هم لصوص مسلحون.
التحول “السلبي” في الموقف الأميركي المعلن إزاء إيران، رافقه تحول مختلف تجاه المملكة العربية السعودية خصوصًا، والدول الخليجية عمومًا، تجسد في الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى واشنطن الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، إذ ظهر أن هناك تلاق في الرؤية بين الجانبين، عكسته التصريحات التي أطلقها جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، ووزير خارجية المملكة العربية السعودية، عادل الجبير، أخيرًا من أن إيران هي راعي الإرهاب الأول في المنطقة، وفي العالم.
ما يظهر إلى العلن أن مزاج واشنطن تجاه إيران يدفع إلى التكهن بأن حدة التصعيد المتبادل سترتفع بفعل تراكمي، وقد يصل إلى صدام ميداني، في ظل الاحتمالات التي يبدو أنها مفتوحة، غير أن العامل الإسرائيلي الذي دخل بقوة، منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، من شأنه أن يبعد فرضية كهذه، فعنده يتوقف تأرجح التوازن الإقليمي إلى حد خطوط أمن “إسرائيل” شديدة الحساسية، وهذا ما يفتح الباب للتساؤل عن دوافع هذا التصعيد بعد سنوات من المرونة المتبادلة التي تخللها هدوء ومديح “أوبامي” لإيران وحضارتها، مقابل انتقادات حادة للملكة العربية السعودية وسياستها.
من الممكن تفسير ذلك من خلال عناوين استراتيجية السياسة الخارجية الأميركية الثابتة بالنسبة إلى المنطقة، فالإيقاع الناظم لها هو ملف محاربة “الإسلام الراديكالي”، وضمان أمن اسرائيل، ومن الصعب على إيران التي أبرمت إدارة الرئيس أوباما معها الإتفاق النووي تجاوز الخط الذي رسمته اسرائيل، إضافة إلى أنه من الصعب على المملكة العربية السعودية- التي حُددت حركتها في المنطقة من خلال قانون “جاستا” الذي يتيح مقاضاتها لما قيل عن دورها في أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 – أن لا تنخرط بقوة ليس في محاربة الإسلام الراديكالي على الطريقة الأميركية فحسب، بل ضمن معطيات متطلبات أمن “إسرائيل”.
“جاستا” والنووي ورقتان بيد الولايات المتحدة، وهما أداتا الضغط من أجل التوازن المطلوب بين كل من إيران والسعودية، هو أقرب ما يكون إلى توازن الرعب بين الجانبين إقليميًا، ومن الممكن أن يترجم فقط بالوكالة ترجمة غير مباشرة، من خلال الصراع المستدام في كل من سورية واليمن والعراق، ومن غير المسموح أن يقترب من حدود “إسرائيل” مع لبنان و سورية، والتنازلات التي تقدم من كلا الطرفين للولايات المتحدة و”إسرائيل” تتعلق خصوصًا بهاتين الورقتين، فإيران تتمسك بشدة باتفاقها النووي وتتخوف من تعليقه أو إلغائه كما لوحت إدارة ترامب. والسعودية تسعى بكل جهد لإلغاء قانون “جاستا”.
الولايات المتحدة تركت الباب مواربًا بالنسبة إلى الاتفاق النووي الإيراني وبالنسبة إلى “جاستا”؛ فبعد أن أعلن ترامب خلال حملته الإنتخابية أنه يريد إلغاء الاتفاق النووي، قال رئيس “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، يوكيا أمانو، بعد اجتماعات عقدها مع وزير الخارجية الأميركي ومسؤولين آخرين: إن إدارة ترامب لم تتخذ قرارًا بشأنه، لكنه قيد الدراسة، وأعلنت بعد ذلك مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، أنها تلقت تأكيدات خلال اجتماعات مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن الولايات المتحدة ملتزمة بالتنفيذ الكامل للاتفاق النووي مع إيران.
هذه المواقف من شأنها أن تبقي إيران ضمن خطوط دفاعية ولا توغل كثيرًا في طموحاتها خاصة إزاء “إسرائيل”، وربما في مراحل معينة تستجدي الولايات المتحدة من خلال الأوروبيين، أو من خلال إرسال رسائل إلى إسرائيل تعطي مؤشرات حمّالة أوجه، كتلك التي كتبها في موقع “دبلوماسي إيراني” الإلكتروني، رئيس الشؤون الاستراتيجية في معهد الدراسات السياسية والدولية، مصطفى زهراني، وقال فيها متحدثًا عن سورية التي تشترك بحدود مع “إسرائيل”، وليس عن اليمن أو العراق، على سبيل المثال : ” إن بلاده لا تملك إستراتيجة للخروج من سورية على عكس الروس الذين اقتصر دورهم على التغطية الجوية، واعتقدنا أن الحرب ستكون قصيرة في سورية، وأن العدو ضعيف، وأن بإمكاننا إنهاء الأمر بسرعة، وإن الرئيس الأسد أدار ظهره لإيران”.
وفي ما يتعلق بقانون “جاستا”، فإن السعودية أكدت أنها ستواصل العمل بقوة لإلغائه، وهو ما أعلنه ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في عقب لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، وهذا التصريح جاء بعد أن رفع أقارب ضحايا 11 أيلول / سبتمبر دعوى جماعية باسم 800 قتيل و1500 جريح، إلى المحكمة الفدرالية في مانهاتن يطلبون تعويضًا قيمته 6 مليار دولار. ويتهم فيها المدعون السلطات السعودية بدعم تنظيم “القاعدة” الإرهابي، لكن مع ذلك، يمكن أن تبقى دعوى الضحايا هذه “غير مسموعة” من إدارة الرئيس ترامب الجديدة، بسبب انتهاجها إعادة ترميم العلاقة مع السعودية؛ لتعديل كفة التوازن التي تقدمت لمصلحة إيران خلال إدارة الرئيس أوباما، ومن الممكن في مرحلة ما أن يُلوَّح بها.
ترك الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في خزانة البيت الأبيض الذي غادره، دون رجعة، ملفات مفتوحة، ليست على خيارات محددة بقدر ما هي عناوين حصيلة جهد ضخم، أقلّها البناء على أزمات الشرق الأوسط، وأكثرها العمل لإدارتها، بيد أن مفاتيح حلول تلك الأزمات وتوجيهها هي بكل تأكيد بيد الإدارة الجديدة.
ما أعلنه جيمس جونز، القائد السابق لقوات حلف شمال الأطلسي، من حاجة دول الخليج العربي إلى ما سماه “ناتو خليجيًا”، لصد الخطر الإيراني- لم يستبعد انضمام الولايات المتحدة إلى هذا الحلف- قد يكون أحد مفاتيح معالجة الأزمات في المنطقة أميركيًا واسرائيليًا، للحفاظ على توازن الرعب بين كل من السعودية وإيران، دون العمل على تخفيض مستواه، أو تجاوزه لخطوط حمر تتعلق بإسرائيل خصوصًا.
يرجح أن تتجه الأوضاع في المنطقة إلى حرب باردة طويلة الأمد، بين كل من السعودية وإيران، وذلك بعد أن وُجِّهت ضربة قوية للإسلام الراديكالي بشقيه: “الداعشي والقاعدي” في الساحة السورية التي تجمع فيها متشددو العالم، ومن ثم؛ فإن خطره بات محدودًا على الغرب عمومًا، والولايات المتحدة خصوصًا، إلا أن ميليشيات إيران متعددة الجنسيات التي تدفقت إلى سورية، وقد حُشدت تحت شعارات عقائدية، جرى صوغها على أساس العداء للتكفيريين، وإسرائيل قد تنفلت حتى من بين يد إيران ذاتها، وهو ما يستدعي بالضرورة حشدها ضمن مواجهة ما يحكى عن “الناتو الخليجي”، أي: الابتعاد عن “إسرائيل” التي وحدها من يمتلك تحقيق التوازن، ليس بالتعاون مع الولايات المتحدة أو الشراكة في القرار فحسب، بل مع روسيا التي تربطها بها علاقات تحالف ظهرت أكثر في التنسيق بينهما في الأجواء السورية.
[sociallocker] [/sociallocker]