لوازم الإسلامية السياسية لدخول القرن الواحد والعشرين
7 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017
علاء الدين الخطيب
نعيش في القرن الحادي والعشرين، شئنا أم أبينا، ونعيش وسط سوق عالمية، حوّلت العالم إلى قرية صغيرة، وفي هذه المنظومة العالمية، أحببناها أم كرهناها، يوجد رابط مشترك واحد بين الدول الناجحة، مهما تباينت توجهاتها، وهو العلمانية والديمقراطية والتطور العلمي، ويدّعي كثيرون في بلادنا، وفي بلادنا فحسب، أن هناك سبيل للإسلامية السياسية، ويفرّقون بين القاعدة وبين الإخوان المسلمين من باب التشدد والاعتدال؛ فإن قبلنا هذا التفريق، يجب أن ننظر في ما يسمونه الإسلامية المعتدلة، وهل هي جاهزة لتمثّل رؤية سياسية وتنظيمية تُمكّنها من إنشاء دولة حديثة. وقبل المتابعة أوضح أن استخدام كلمة “الإسلامية”، وليس الإسلام، استخدام مقصود واع للتفريق بين الدين، بوصفه دينًا، وبين الدين أداة حكم وسياسة؛ وتشمل الإسلامية السياسية أشكالها المختلفة عند السنة والشيعة.
لوازم الإسلامية السياسية هي -من جهة أخرى- الموانع الصلبة الذاتية التي تمنع الإسلامية السياسية من دخول القرن الحادي والعشرين، فلوازمها هي إزالة الموانع خطوةً أولى؛ ثم خطوةً ثانية اجتراح نظرة متجددة عملية لتأسيس الدولة الحديثة. طبعًا هذه مناقشة أكبر من مقال أو كتاب، لكن الغاية هنا وضع الخطوط العامة بتركيز ووضوح، من خلال نظرة تحليلية موضوعية وعقلانية، وبدون تورط في الجدل الأكاديمي الجاف، وبلا تدخل في خلافات المفسرين والشيوخ والمذاهب، لسبب بسيط واضح؛ نحن نناقش أمرًا دنيويًا حول سؤال: “كيف نعيش في دولة قوية مستقرة عادلة؟”، وليس سؤال: من يدخل الجنة أو النار، فرفع القدسية عن مناقشة الإسلامية السياسية ضرورة مصيرية لهذه الشعوب؛ لأن سؤال الدولة ليس ترف مجادلة ومناقشة، بل ضرورة وحاجة. فما هذه اللوازم؟
- الامتناع الكامل عن استخدام قدسية النص في أي خلاف مع الآخر، ومن ثم؛ عدم إشهار سلاح الاتهام بالإساءة إلى المقدس، أو التكفير، أو الزندقة، أو العداء لمن يرفض الإسلامية السياسية بعمومها أو تفاصيلها، وهذا يعني بالضرورة فصل الإسلامية السياسية عن الإسلام دينًا.
- الاعتراف الكامل بمعاهدات حقوق الإنسان التي أقرتها الشرعية الدولية، بدون أي تحفظ أو استثناءات بتسويغات الخصوصية، فمليار ونصف من البشر ليسوا حالة خاصة.
- التبني الكامل لمفهوم المواطنة في الدولة، بما يعنيه من تقديم الانتماء الوطني على أي انتماء آخر، وتساوي كافة المواطنين في الحقوق والواجبات، وبدون أي تمييز من أي نوع، لا جنسي ولا ديني ولا عرقي ولا عقائدي ولا فكري.
- التبني الكامل للديمقراطية بأبعادها السياسية والاجتماعية والفكرية.
- الرفض الكامل لعقيدة البراء والولاء على المستوى الاجتماعي والسياسي والحقوقي والأخلاقي، وعدم الدعوة لها على المستوى الأخلاقي بين المواطنين؛ لأن عقيدة البراء والولاء تتناقض جوهريًا مع المواطنة.
- الإقرار بأن كل الموضوعات المتعلقة بالنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والقانوني والأخلاقي في الدولة هي موضوعات نسبية قابلة للمناقشة والتعديل.
- إعلان إيقاف كل مبادئ الجهاد عبر الحرب، والتوافق مع حقوق الدول في الدفاع عن نفسها، بحسب النظم الحاكمة للقانون الدولي.
- قبول ودعم الحقوق المدنية للمواطنين، بما يخص قوانين الأحوال الشخصية، أي حق المواطنين في اختيار القانون المدني في ما يخص الزواج والطلاق والأطفال، أو القانون الديني الشرعي، مع منح القانون المدني أولية في حال الخلاف.
- الاعتراف الكامل بحقوق المرآة والطفل؛ فعلى الرغم من أن هذه النقطة متضمنة في اللزوم الثاني، إلا أنه لا بد من توضيحها، فللمرآة جميع حقوق وواجبات الرجل، وخاصة حقوقها المتساوية في الميراث، ومنع تعدد الزوجات؛ وللطفل حقوقه الإنسانية الكاملة، فهو مسؤولية الوالدين وليس ملكهما.
- الاعتراف الكامل بالحقوق العقائدية المتساوية للمواطنين، وحق التعبير والتفكير؛ مثلًا من حق أي جماعة الدعوة إلى عقيدتها، بما لا يتعارض مع القانون، ولا يدعو أو يحرض على العنف المادي أو المعنوي.
- عدم دعم أو نشر أي تقييم أو مقولات تسيء إلى جماعات من المواطنين، معنويًا أو ماديًا، بسبب الممارسات الشخصية التي لا تتعارض مع القانون؛ من قبيل التشكيك أو الإساءة إلى الناس؛ بسبب لباسهم أو عبادتهم أو عملهم أو أكلهم أو شربهم أو تسليتهم.
- القبول بالتعليم الديني الحيادي في المدارس؛ أي تعليم الدين وفق منهج الوسطية والاعتدال، وبما يتماشى أساسًا مع حقوق الإنسان والمبادئ الحاكمة للدولة والمجتمع؛ وحظر تدريس الموضوعات الخلافية الشرعية والطائفية في المدارس؛ حتى المرحلة الثانوية، وإبقائها ضمن الدراسات الأكاديمية.
- اتباع بنية ديمقراطية داخلية لهذه الأحزاب، وإنهاء سيطرة بضعة أشخاص على قراراتها، بحجة أنهم علماء أو شيوخ أو أمراء، فالحزب السياسي الذي لا يملك ديمقراطية داخله لا يمكن أن يحترم ديمقراطية الدولة.
هنا؛ سيظهر سؤال بديهي: فماذا تبقى من الإسلام السياسي؟ أليست هذه علمانية تريد تسميتها إسلامية؟ في الواقع تبقى للإسلامية السياسية أن تكون مثل الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني والأحزاب المسيحية الأوروبية الغربية، وحتى مثل الحزب الجمهوري الأميركي، يستقون من الإسلام الدين روحانيته وأخلاقياته وبعضًا من الهوية الذاتية، أكثر من ذلك سيعني بالضرورة أن الإسلامية السياسية، ستبقى مع الأحزاب القومية التقليدية الحالية جدران إعاقة وسد أمام تطور هذه المجتمعات ومستقبلها.
والسؤال الآخر: ما تطلبه هنا نوع من الكفر؟ أو في أحسن الأحوال رفض لما هو معلوم من الدين بالضرورة؟ لقد قلت في بداية الكلام، إن هذا النقاش لا يتدخل في الأمور الشرعية والأحكام الدينية، فهو نقاش حول ضرورة بناء الدولة الحديثة القوية؛ وفي كل الأحوال فما يدعيه بعضهم أو كثيرون أنه معلوم من الدين بالضرورة، هو رأي جماعات من البشر، مهما بلغ علمها أو عددها، وهو خاضع لنسبية المكان والزمان، ويحمل كثيرًا من تراث عفى عليه الزمن والعلم؛ فخلافات علماء المسلمين منذ 14 قرنًا لم تتوقف، هم لم يتفقوا حتى حول الذات الإلهية، ولا حول الفرق بين الرسالة والنبوة، ولا حدود العصمة والمقدس بين الصحابة، ولا الحديث النبوي الشريف، فلماذا يجب أن نخضع مستقبل أوطاننا وأطفالنا، وحتى إسلامنا، لقراءات بشر تفصلنا عنهم قرون طويلة، أو نتخلى عن كل المعارف البشرية والعلم والتجارب الدولية، أمام مقولات شيوخ وعلماء يحكمهم النقص المعرفي والمعرفة النسبية؟
إن تأسيس الدولة الحديثة العصرية في بلادنا، وبسرعة كبيرة نسبيًا، ضرورة ملحة، بل مسألة حياة أو موت أمام هذه الشعوب، وفي الواقع أصبح مصير الإسلام نفسه، بوصفه دينًا، محكومًا بقدرة المسلمين على التحرر من سلطة الشيوخ والفقهاء ورجال الدين، والانتقال الحكيم المدروس للعيش في القرن الحادي والعشرين، والتوقف عن الهروب إلى الماضي. إن مستقبل الوطن والدين فوق هذه الأرض منوط بتحقيق هذه اللوازم للإسلامية السياسية.
[sociallocker] [/sociallocker]