نشرة الأخبار العربية «تُلهبها» المشاعر
7 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017
[ad_1]
تترنح نشرات الأخبار بين الواقع والمأمول، أو بين الصادم والمصدوم، وربما أيضاً بين ما ينبغي وما لا ينغبي أن يكون. النشرات التي كان المشاهد العربي ينتظرها قبل عصر السموات المفتوحة ليطّلع على ما تريده الدولة أن يطلع عليه، فقدت سيطرتها وراحت هيمنتها، وما كان يعطى للمشاهد بالأمس قطرات بات ينهمر على رأسه زخات وخبطات.
وبعدما كانت الموسيقى الجنائزية التي تردد في التاسعة من مساء كل ليلة تعلن قرب خروج المذيع المتجمد وزميلته المتحجرة بنشرة حصلت على سلسلة من الموافقات الأمنية وخضعت لإجراءات بيروقراطية، قبل أن تُتلى على المشاهدين في هيئة رسمية، تداخلت الموسيقات، وتـشابكت النشرات، وخرج بعضهم معبراً عن حزب دون بقية الأحزاب، أو جماعة على رغم أنف بقية الجماعات، وحتى ما نجح منها في البقاء على قيد الحياة من نشرات صادرة عن تلفزيون الدولة صار يعمل حساباً للقيل والقال وما سيترجم إلى لغات الأعداء ليتم اتخاذه دليلاً وبرهاناً على إخفاقات وانتهاكات، ويتخذ من الأخبار فرصة للرد على أعداء الوطن من العملاء والمشككين وكذلك الطامعين والطامحين لأن يسيطروا على نشرات الأخبار.
نشرات الأخبار صارت هذه الآونة منظومة كاملة لتوصيل رسائل بعينها، وترجيح كفة على حساب أخرى، وتحييد طرف بعيداً عن آخر، مع تلويح بقوة وتهديد بوعيد، وبث السكينة والطمأنينة تارة ونشر الرعب والذعر تارة أخرى وتطويع الرأي العام كل التارات. فمع بزوغ عصر السموات المفتوحة خرج المشاهد العربي من خياره الأوحد، بقناة أو اثنتين لا تقدمان سوى ما يملى عليهما، من بيانات رسمية بعضها خالٍ من المضمون وبعضها الآخر متخم بالتوجيه والتطويع مرتمياً في أحضان شاشات غربية كثيرة وعربية قليلة كانت تقدم نفسها باعتبارها رمز الحياد والنزاهة، أو قلب الموضوعية والأمانة، أو عنوان الخبر منزوع التوجهات والتّحزبات. سنوات قليلة عاش فيها المشاهد العربي حلماً ظن أنه جميل وغرق في علم اعتقد أنه سديد حتى كان ما كان من تفجر رياح الربيع واندلاع قوى التغيير، فإذ بالشاشات العربية المحلية تنضح بتنويعات لا حصر لها، وتتفجر نشرات أخبار لا أول لها أو آخر، وتقدم لكل خبره المناسب لتوجهه وأنباء موائمة لطائفته ومعلومات يود سماعها، مع توليفات منتقاة من شيطنة الآخر وتشنيعه وتبغيضه وتقبيحه من خلال موجز الأنباء.
الأنباء التي تنفجر في وجوه المشاهدين العرب هذه الآونة لا تقل أثراً أو تختلف في الوطأة من محتوى الأنباء نفسها، والذي يكاد لا يخرج عن إطار حصيلة الاشتباكات ونتيجة التفجيرات ومجموع من سقط من قتلى ومصابين. لكن عداد اليوم لا يخلو من نكهات سياسية ومحسنات طعم حزبية وتوابل مذهبية. فالمشاهد العربي يجد نفسه في «حيص بيص» حيث التفجير نفسه يخلف قتلى أو إرهابيين أو شهداء، وتحرير المدينة ذاتها من مقاتليها يعتبر نصراً مبيناً أو هزيمة نكراء، والرئيس نفسه صالحاً منزهاً أو فاسداً ملعوناً، والآخر في الوطن ضمن النسيج الواحد أو على رأس الشر الطاغي، وهكذا.
الغريب أن انفتاح السموات وإتاحة الأثير للجميع لم يسفر فقط عن تضارب صارخ وتضاد جارف بين نشرة أخبار في دولة عربية ما وأخرى، بل ضرب التضارب قلب الدول ذاتها وأصاب التضاد صميم الشعب الواحد.
وبين أمس قريب كان فيه التوجه الواحد في نشرات الأخبار لا ثاني له، ولا مراجع أو مدقق في ما يحتويه من توجيهات وتطويعات وصناعة رأي عام لخدمة الحاكم، وحاضر أليم حيث آلاف التوجهات في نشرات الأخبار التي يفترض إنها «نشرة» لـ «الأخبار» وليس «نشراً» لـ «الأيديولوجيات». حتى الشاشات الغربية الناطقة بالعربية والتي كان المشاهد العربي يلجأ إليها تدقيقاً لخبر ورد في نشرته الوطنية أو مراجعة لنبأ تشكك في صدقية مبنعه أو الغاية من إذاعته باتت محل تشككات وموضع تريبات. فربما تكون القناة الفلانية متعاطفة مع جماعات بعينها تسميها معارضة بينما يراها المشاهد العربي إرهابية. وربما تكون القناة العلانية وقعت في براثن تفسير المستشرقين المعاصرين للأحداث الجارية في المنطقة العربية. وربما تكون ذات توجهات استعمارية إمبريالية ولكن بعقلية الألفية الثالثة حيث الاستعمار ناعم والإمبريالية لينة. وربما هذه القنوات ضالعة في شكل أو بآخر في تشكيل الشرق الأوسط الجديد عبر سياسات دولها في المنطقة العربية.
المنطقة العربية العائمة في بحر هائج من نشرات الأخبار باتت تتمتع باكتفاء ذاتي من منتجها المحلي. فالطبيعة البشرية تميل إلى متابعة واتباع وتتبع ما يتواءم وتكوينها ومعتقدها وإيمانها وقناعتها. وهل هناك ما هو أجمل من أن تشاهد نشرة أخبار تصف من تتوجس منه بـ «الخائن» ومن تشك في نياته بـ «العميل» ومن تؤمن بأنه طالح بـ «الفاسد» ومن تتمنى زواله لأنه مختلف بـ «المتخلف»؟ وهل هناك أمتع من نشرة أخبار تزين لك واقعك بأنه جميل، وتصف لك مستقبلك بأنه مشرق، وتعرض عليك قوائم من الإنجازات والمشروعات تصبرك على ما أنت غارق فيه من فقر وعوز وقلق؟ وهل هناك أمتع من أن يبشرك قارئ النشرة مبتسماً بأنه تم القضاء على عدوك اللدود وإهلاك الآخر الذي يختلف عنك وجارٍ التجهيز لتنعم وحدك ومن يشبهونك فقط بوطن آمن بلا عملاء أو خونة أو كفار؟
إنها نشرة الأخبار الأفضل حقاً حيث المشاعر ملتهبة والأنباء مجهزة خصيصاً لمتابعها والأخبار بلون المشاهد وطعمه ورائحته المفضلة!
[ad_1] [ad_2] [sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]