on
رسم خط على الرمل لا تبدّل في الأولويات
الأنوار
موسكو تبدو معنية، أكثر من دمشق، بالضربة الصاروخية الأميركية لمطار الشعيرات العسكري. والأنظار في عواصم المنطقة والعالم موجهة نحو المدى الذي يذهب اليه الرئيس فلاديمير بوتين في الرد على التحدّي الأميركي. والقراءة مركّزة، بطبائع الأمور، على الأبعاد السياسية والعسكرية للقرار الذي سارع الرئيس دونالد ترامب الى اتخاذه بعد مجزرة خان شيخون الكيماوية. الأسئلة حول الرد الروسي تدور على ما هو أبعد من التشدد على المسرح الديبلوماسي في مجلس الأمن وعلى المسرح العسكري في سوريا، ومن إنكار الرواية الأميركية باستخدام السلاح الذي تستخدمه ادارة ترامب في الداخل، أي الحقائق البديلة. والأسئلة حول الضربة الأميركية تذهب الى ما قبلها ثم تعود للتركيز على ما بعدها.
ذلك ان ترامب أعلن باطلاق 59 صاروخ توما هوك على القاعدة التي انطلقت منها الطائرات السورية لقصف خان شيخون النهاية العملية، وبعد النهاية الزمنية، لعهد الرئيس باراك أوباما الايراني – السوري. فالضربة هي بديل جزئي متأخر سنوات من الضربة التي تراجع عنها أوباما مفضلا صفقة مع بوتين لنزع أسلحة النظام الكيماوية. وهي، على كونها محدودة ورمزية، رسالة الى أكثر من عنوان بينها موسكو ودمشق وطهران. بعض ما فيها رسم خط على الرمل يؤدي تجاوزه الى عقاب. وبعضه الآخر شيء من خلط أوراق في لعبة باتت روسيا تمسك بمعظم أوراقها، سواء بتفويض أو بخبث أميركي. لكن من الصعب الحديث عن تبدّل الأولويات لدى ترامب بالنسبة الى الوضع في سوريا. ومن الوهم الرهان على ذلك، كما توحي أحاديث أطراف عدة سورية وعربية واقليمية. فالأولوية لا تزال ضرب داعش. ومصير الرئيس بشار الأسد كان في عهد أوباما ولا يزال في عهد ترامب مرتبطا بايجاد البديل والحفاظ على هيكل الدولة خوفا من تجربة ليبيا.
والوقائع تتكلم. ما كان متاحا أمام أوباما فعله عسكريا ورفض القيام به لم يعد متاحا أمام ترامب بعد الدخول العسكري الروسي المباشر في حرب سوريا، وان بقي في الخطاب خيارا مطروحا على الطاولة. وما حققه بوتين من أرباح جيوسياسية في سوريا وعبرها يفرض عليه التصرّف بدقّة من خلال حسابات واقعية باردة للمحافظة على الأرباح وتجنّب الخسارة.
والمعادلة، حتى اشعار آخر، هي ان مساحة العمل العسكري في سوريا ضيّقة أمام واشنطن مع اتساعها أمام موسكو، ومساحة العمل السياسي ضيّقة على روسيا اذا عملت وحدها. وما دام الحلّ العسكري مستحيلا، فان ما يتوقعه كثيرون، بعد مرحلة قصيرة من الصخب العسكري، هو
اندفاع واشنطن وموسكو جديا في ترتيب الحل السياسي.
(*) كاتب لبناني
المصدر