سائر… شهيدٌ ارتدى خوذته البيضاء لينقذ الآخرين مما واجهته عائلته


زيد العمر: المصدر

كان ككلّ السوريين، شابٌ وسيمٌ مفعمٌ بالحيوية، يعود كلّ يومٍ من عمله لتستقبله ضحكات زيد من على شرفة المنزل، هذا المنزل كان مسرحاً لجريمةٍ أودت بحياة طفله المحبب زيد وطفليه الآخرين مع زوجته، فكان خياره ارتداء الخوذة البيضاء علّه يساهم في إنقاذ الآخرين من موتٍ عصف بفلذات كبده، ليكون هو الآخر ضحيةً للمجرم نفسه.

سائر حاج صالح، المتطوع في الدفاع المدني لمدينة جسر الشغور، كان مساء الجمعة يحاول إنقاذ ضحايا طائرات الحقد ويحمل عن صدورهم أنقاض المنازل في مدينته، ليعود الطيار المجرم ذاته ويغير على ذات الموقع مودياً بحياته مع زميله محمد كرنيبو، وتُصيب ثلاثةً آخرين من فرق الإنقاذ عندما كانوا يمارسون عملهم.

قصة سائر بدأت حين انتهت حياة فلذات كبده في تموز/ يوليو من العام الماضي، حين أغارت طائرة حربية على منزله في مدينة جسر الشغور بريف إدلب. يقول زميله في الدفاع المدني “دريد حاج حمود” إن الطائرة استهدفت شرفة المنزل مباشرة، حيث كان طفله زيد ينتظر عودته، فحوّلت الطفل البريء إلى أشلاء تناثرت على بعد عشرات الأمتار حول المنزل، وكذا كان مصير طفليه الآخرين مع أمهم.

يضيف “حاج حمود”، وهو مسؤول المكتب الإعلامي في الدفاع المدني لجسر الشغور، إنّ الشهيد سائر لم يستوعب الصدمة بسهولة، ولكنه في الوقت نفسه قرر أن يكون أحد حمائم السلام، متطوعاً في فرق الخوذ البيضاء، علّه ينقذ عائلاتٍ أخرى من مصيرٍ مشابهٍ لمصير عائلته، فالمجرم الذي قتل عائلته ما زال يسرح في أجواء المدينة يومياً.

تطوع سائر في الدفاع المدني بعد أشهرٍ ثلاثةٍ من فقده لعائلته، ويقول “دريد” في حديثه لـ “المصدر” إنه كان من أكثر المخلصين في عمله، ويحاول بكلّ ما لديه من قوة أن ينقذ حياة الآخرين، الأمر الذي جعله دائم الابتسامة والحيوية.

قبل 20 يوماً فقط، كان الشهيد “سائر” يمارس عمله المفضل في إنقاذ الأرواح، وهذه المرة كان شابٌ وزوجته مدفونين أحياء تحت أنقاض منزلهما، كان سائر أوّل الواصلين إليهما واستنفد كل طاقته في إزالة الأنقاض عن جسديهما ليخرجا أحياء، وحين شاهدهما يخرجان من تحت الأنقاض كانت فرحته لا توصف.

“كان الله في عون خطيبته” يقول زميله مسؤول الإعلام إن الشهيد سائر كان يستعدّ لحفل زفافه، إلا أنّ القدر عاجله، وفاضت روحه إلى ربّها، مرافقةً لروح الشاب محمد كرنيبو زميله في الدفاع المدنيّ.

الشهيد الآخر محمد كرنيبو ودّع الدنيا برفقة سائر، ليترك هو الآخر طفلاً يتيماً لم يمضِ سوى شهرٍ واحدٍ على إبصاره النور، ويكون قدر الطفل أن يعيش محروم الأب، قبل أن ينطق بهذه الكلمة.





المصدر