الطاقة المتجدّدة في سوريا.. تجارب فرديّة بحاجة للتعميم


مع أن الحرب التي أشعلها النظام فعلت فعلها خلال السنوات الماضية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية ودمرت الكثير من القطاعات فإنه وعلى الصعيد الفردي برزت تجارب حاولت أن تعادل الكفة وتخلق شيئاً من التوازن. هذا الأمر ينطبق بشكل ملفت على أمثلة سوريّة استطاعت التغلب على شح الوقود ومصادر الطاقة بالاعتماد على الطبيعة ولا سيما الرياح والشمس.

ورغم أن هذه التجارب أحدثت أثراً لا يمكن نكرانه فإن ما أنتجته لا يمكن مقارنته بما قد يحدث فيما لو تم تحويلها إلى نهج عام، فضلاً عن أنها ستنعكس إيجاباً على الحالة المناخية، ولا سيما نسب التلوث في الجو الناجم عن الانبعاثات الكربونية.

 

تجارب خجولة

خلال إعداد هذا التقرير رصدنا تحوّلاً غير مسبوق في مجال الطاقة المتجدّدة في سوريا، ولكن هذه التجارب حتى الآن لا يُمكن تعميمها على أنها توجّهٌ شامل في البلاد، وذلك لكونها جاءت نتيجة الحاجة الملحّة لتأمين البدائل، وسط قلة أو انعدام مشتقات النفط والغاز والكهرباء بسبب استمرار المعارك، وسيطرة تنظيم “داعش” على منابع النفط.

والطاقة المتجدّدة تعريفاً هي تلك التي تُستمد من الطبيعة بشكل كامل كالشمس والمياه والرياح، والتي تتجدّد، أي أنها لا تنفَذ بسبب اعتمادها الكلي على موارد الطبيعة.

ولقد تنامت الطاقة المتجدّدة في المناطق المحاصرة بسوريا، ولا سيما الغوطة الشرقية قرب دمشق، وكان من أبرز أدوات الطاقة المتجدّدة التي تم اعتمادها في الغوطة “البيوت الزجاجية” التي تقوم فكرتها على شرائح زجاجية مفتوحة من الداخل توضع على أسطح المنازل، ويتم تعريضها لأشعة الشمس من الجهات الأربع، ويوجد تحتها أحواض من الستانلس المقاوم للصدأ، حيث يتم توظيفها  للاستفادة من حرارة الشمس في طهو الأطعمة ضمن الاستخدام المنزلي.

تجارب أخرى في ريف دمشق قامت على التصنيع اليدوي لألواح الطاقة الشمسية، وتحقيق ما يُشبه الاكتفاء الذاتي من الطاقة دون استخدام أي من أنواع وسائل الطاقة التي تبعث التلوثَ في الهواء.

أما في منطقة الزربة بريف حلب الجنوبي فقد عمد أستاذ جامعي في كلية الهندسة الميكانيكية إلى استجرار المياه الجوفية من الآبار اعتماداً على مبدأ الضغط التي تخلقه الجاذبية الأرضية، وذلك في ظل غياب أية جهة تتبنّى هذا المشروع.

 

كيف تنعكس على البيئة؟

يؤكّد الخبير المتخصّص بالشأن البيئي “أحمد شرف” أن هذه المبادرات الفردية للطاقة المتجدّدة هي جيّدة بالعموم لكنها حتماً غير مجدية في إحداث انعكاسات على المناخ في سوريا.

وأضاف شرف لـ صدى الشام: “من الضروري أن تتحوّل هذه المبادرات الفردية إلى توجّه عام حكومي في سوريا”، لافتاً إلى أنه بينما تستخدم بعض المناطق في سوريا الطاقة المتجدّدة نتيجةً لظروف الحصار، فإن مناطق أخرى تستخدم الغاز كوقود بشكل مضاعف بسبب تكدّس السكّان داخلها ولا سيما في المناطق غير الساخنة، وبالتالي فإن التجارب الفردية “لن تجدي نفعاً”.

وحول انعكاس الطاقة المتجدّدة على المناخ أوضح شرف أنه بمعادلة بسيطة جداً، فإن استخدام هذه الطاقة يخفّف من انبعاثات الكربون في الهواء، الأمر الذي يؤدّي لتخفيف الاحتباس الحراري، وعليه فإن درجة الحرارة تنخفض بمعدّلات لا بأس بها.

لكن شرف رفض في الوقت ذاته أن يحدّد بدقة حجم الانخفاض في درجة الحرارة، مؤكّداً أن الأمر يعتمد على اتساع نطاق الاعتماد على الطاقة المتجدّدة.

 

 

ضرورة

قد لا يكون الحديث عن ضرورات التوجّه إلى الطاقة المتجدّدة بالأمر الجديد، لكن تسارع وتيرة المتغيرات المناخية يحتم العودة للتذكير دوماً بمساوئ الاعتماد على موارد الطاقة غير المتجدّدة، فعلى سبيل المثال يُطلِق الفحم والغاز عند الاحتراق أول أوكسيد الكربون السام وثاني أوكسيد الكربون الذي يمتص الحرارة المنبعثة من الأرض، ومركبات الكبريت والنيتروجين التي تشكّل الأحماض في الجو والبقع البترولية، وبالنتيجة تؤدّي جميعها للاحتباس الحراري، ولا سيما أن درجة حرارة الأرض آخذة بالارتفاع، وفقاً لما يوضّح الخبير أحمد شرف.

ودعا شرف إلى ضرورة إعداد خطط شاملة للتوجّه نحو استخدام الطاقة المتجدّدة في سوريا، مؤكّداً أنه خلال السنوات العشر القادمة قد تنعكس النتائج الإيجابية لهذا الاستخدام بشكل كبير، وأوضح أن عملية إعادة تأهيل البلاد في مرحلة ما بعد “الحرب” تُعتبر بيئة خصبة جداً للبدء بخطط شاملة في مجال الطاقة على مستوى سوريا.



صدى الشام