خيارات موسكو في سورية أحلاها مرّ
11 أبريل، 2017
سامر الياس
تفتح الضربة الأميركية لمطار الشعيرات قرب حمص على مرحلة جديدة، لعل أبرز عناوينها انتهاء الوصاية الروسية على سورية. وعلى الرغم من الجدل الدائر حول تأييد الضربة أو رفضها ومحدوديتها، وتأثيرها المحدود في قدرة النظام على مواصلة حربه على الشعب السوري، باستخدام أنواع مختلفة من السلاح، فإن واشنطن استطاعت أن تخلط الأوراق، وتفرض نفسها من جديد لاعبًا لا يجوز إسقاطه في حسابات الأزمة السورية.
حيثيات الضربة الأميركية
من المؤكد أن الضربة الأميركية، لم تأت نتيجة صحوة ضمير دونالد ترامب؛ بسبب مشاهد أطفال خان شيخون الأبرياء، بعد استهدافهم بغاز السارين من طيران بشار الأسد؛ فبغير السارين تزهق يوميًا أرواح المدنيين في مناطق مختلفة من سورية، بمعرفة روسيا وأسلحتها، وبمشاركة فاعلة من جنودها ومستشاريها المنتشرين في عدة مناطق. وبعد الضربة ارتكب النظام والروس مجازر أخرى في حماة وإدلب. وربما أتت الضربة لحسابات داخلية أميركية، بعد تزايد الضغوط على ترامب بشأن صلات محتملة مع الجانب الروسي، في أثناء الحملة الانتخابية. والواضح أن الضربة جاءت بعد تجاوز النظام خطوط واشنطن الحمر، بعد اقتناع الأسد وميليشياته بأنهم باتوا في مأمن من العقاب، ولا سيما بعد تصريحات الإدارة الأميركية بالتركيز على خطر تنظيم الدولة الإسلامية، وليس على إزاحة النظام. ولعب التعنت الروسي في مجلس الأمن دورًا مهما في اقرار الضربة، فموسكو كانت أكثر ثقة بعد انكفاء الدور الأميركي منذ تسليم باراك أوباما الملف السوري لنظيره فلاديمير بوتين، منذ 2013، في أقل تقدير؛ ما شجعها على استخدام مزيد من القوة، ومكنها مع حلفائها في النظام وإيران والميليشيات الطائفية العراقية واللبنانية والأفغانية من احتلال حلب، ومناطق واسعة قرب دمشق، والاستمرار في سياسة التهجير على أساس طائفي.
رسائل واضحة وارتباك روسي
أياً كانت الأسباب التي دفعت ترامب إلى ضرب مطار الشعيرات، وبغض النظر عن إمكانية تكرارها في القريب، فإنها تبعث برسائل واضحة، مفادها أن الإدارة الأميركية الجديدة ليست كسابقتها، وأنه لا يمكن التنبؤ بأفعال الرئيس الجديد في البيت الأبيض. ولعل الأهم أن على روسيا أن تدرك أنها لم تعد منذ الضربة الأميركية اللاعب المتحكم بكل مفاتيح الأزمة، وتوزيع الأدوار على اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين كما تشاء.
وواضح أن الضربة فاجأت الجانب الروسي وأربكته؛ ما انعكس على التصريحات الرسمية والتغطية الإعلامية لما حدث؛ فالضربة أتت في غمرة أكبر تضامن عالمي مع روسيا، بعد تفجيرات مترو الأنفاق “الإرهابية” في سان بطرسبورغ، وسوّقها الكرملين ووسائل إعلامه على أنها انفتاح على روسيا، ينهي عزلتها الدولية المستمرة منذ ضم القرم، والتدخل في شرقي أوكرانيا ربيع 2014. إضافة إلى أن الضربة أنهت شهر عسل طويل مع الإدارة الأميركية الجديدة، وخفضت سقف التوقعات منها، بعدما كان يُنظر إلى ترامب على أنه “مرشح الكرملين في البيت الأبيض”، بحسب سياسيين روس. الجانب الروسي عدّ الضربة اعتداء سافرًا على سيادة سورية، وأنها تخدم “الإرهابيين” وتشجعهم، وفي الوقت نفسه، واصل تزوير الحقائق عبر التشكيك بحصول الضربة أصلًا، وسعى الروس إلى خلط الأوراق بالادعاء -حينًا- أن الضربة استهدفت مخازن لأسلحة كيماوية كان يحتفظ بها “الإرهابيون”، أو أن منظمة “الخوذات البيض” حقنت الأطفال بالأدرنالين؛ حتى تميتهم وتصورهم لجذب تعاطف العالم. لكن اللافت أن الجانب الروسي ظل حريصًا على عدم إلغاء زيارة وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، المقررة في 11 و12 من الشهر الجاري، وأعلنت موسكو أكثر من مرة على لسان أكثر من مسؤول أنها ستبحث الأزمة السورية مع المسؤول الأميركي، وتقدم أدلة على عدم صواب الضربة الأميركية لمطار الشعيرات. وظهر الارتباك الروسي جليًا عند الحديث عن عدم استخدام صواريخ إس 300 وإس 400 الموجودة في قاعدة طرطوس ومطار حميميم؛ لصد صواريخ توماهوك الأميركية، والتأكيد تارة على إخطار الجانب الأميركي لموسكو حول الضربة، ونفيه تارة أخرى، يضاف إلى ذلك تعهد موسكو بزيادة دعم الدفاعات الجوية للنظام، علمًا أنها أوقفت تسليمه شحنة إس 300 على الرغم من دفعه ثمن الصفقة.
نهاية الوصاية الروسية
وعلى الرغم من محدوديتها؛ فإن الضربة الأميركية تعجل في انتهاء الوصاية الروسية على سورية، فهي قد أثبتت أن واشنطن قادرة على التحرك في سورية في حال وجود ارادة سياسية، ولا تحتاج إلى أخذ إذن من موسكو لذلك، وتعمق الضربة أزمة موسكو التي باتت تظهر في سورية؛ فاستخدام أنموذج الشيشان بالقتل والتدمير والتهجير منح روسيا أفضلية على الأرض، وواصلت اللعب بخلق “معارضات” لتسحب الشرعية من المعارضة الحقيقية، أو تخفف من تأثيرها، وبات الكرملين الخصم والحكم في آن واحد، من وجهة نظر ملايين السوريين، لكن هذا لم يرغم المعارضة على القبول بحل يضمن بقاء الأسد ونظامه. وإقليميًا تظهر صعوبة اشتقاق تكتيكات تحافظ على علاقات صداقة وتحالف مع الأطراف الفاعلة في الأزمة، في ظل التضارب الكبير في مصالح كل من إيران وتركيا وإسرائيل والسعودية ومصر والأردن وقطر، ونظرتها إلى مستقبل سورية، ولا سيما في ظل عودة الدور الأميركي بقوة. وبعد ضرب مطار الشعيرات، فإن الكرملين أمام خيارات أحلاها مر، وتنحصر بين زيادة الوجود العسكري في سورية، وهو ما لا تقوى روسيا عليه؛ بسبب أزمتها الاقتصادية، والخشية من ارتفاع الخسائر، خصوصًا إذا تسلمت المعارضة أسلحة نوعية، ما سيجر موسكو حتمًا إلى مستنقع أفغاني جديد. وقد تجد موسكو نفسها مضطرة إلى الانسحاب وتجرع طعم الخسارة، بعدما كانت ممسكة بالورقة السورية، وهو خيار من الصعب على بوتين اتخاذه قبل صفقة شاملة، ربما تأمل موسكو في مناقشتها مع الجانب الأميركي، في أثناء زيارة تيلرسون موسكو، والتوصل إلى خطة متفق عليها قبل مؤتمر قمة العشرين في هامبورغ، صيف العام الحالي، ترضي الولايات المتحدة والأطراف الاقليمية الفاعلة، ولا تغفل إرادة السوريين الراغبة بإسقاط نظام القتل والاستبداد. وأيا كانت الخيارات، فإن وصاية موسكو على سورية بدأت تضعف، وفي طريقها إلى الانحسار.
[sociallocker] [/sociallocker]